11-11-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/11/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 388 ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 النقطة الثانية:- أن يشك الناسك في أصل تحقق الذبح وليس في شرائطه - يعني هل ذبحت أو لا - ؟
 والجواب:- تارة يفترض أن الناسك قد دخل في الجزء الثاني - يعني بعد الذبح ونقصد منه الحلق أو التقصير - وأخرى بعدُ لم يدخل ، فإن كان لم يدخل بعدُ فحينئذ يكون هذا مورداً لقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فلابد وأن يذبح حتى يحرز أنه قد فرّغ ذمته مضافاً الى جريان الاستصحاب - يعني استصحاب عدم تحقق الذبح - ، إذن هو من ناحيتين يلزمه أن يذبح.
 وأما إذا فرض أنه قد دخل في الجزء الآخر - يعني قد حلق - ثم شك في أنه ذبح أو لم يذبح بعدُ فمقتضى القاعدة الأولية هو لزوم الذبح وأقصد من مقتضى القاعدة الأولية الاستصحاب الذي أشرنا إليه الآن وقاعدة الاشتغال اليقيني فإنهما يقتضيان في هذه الحالة بلزوم الذبح من جديد .
 ولكن يوجد حاكم عليهما وأقصد منه قاعدة التجاوز فإنه قد دخل في الجزء اللاحق وشك في الجزء السابق فصحيحة زرارة عن الامام الصادق عليه السلام دلت على أنه متى ما دخل المكلف في الجزء اللاحق فلا عبرة بشكه في الاتيان بالجزء السابق ونصّ تلك الصحيحة هو:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل شك في الأذان وقد دخل في الاقامة ، قال:- يمضي ، قلت:- رجل شك في الأذان والاقامة وقد كبّر ، قال:- يمضي ، قلت:- رجل شك في التكبير وقد قرأ ؟ قال:- يمضي ، قلت:- رجل شك في القراءة وقد ركع ، قال:- يمضي ، قلت:- شك في الركوع وقد سجد ، قال:- يمضي على صلاته ، ثم قال:- يا زرارة إذا خرجت من شيءٍ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ) [1] .
 ولكن المشكلة هي في أن هذه الرواية واردة في أجزاء الصلاة فكيف نعممها لسائر الموارد كموردنا مثلاً ؟ إنه بناءً على رأي الشيخ الخراساني(قده) الذي يرى أن القدر المتيقن في مقام التخاطب يمنع من انعقاد الاطلاق يشكل حينئذ التمسك بها لأن القدر المتيقن في مقام الحوار بين زرارة والامام عليه السلام هو باب الصلاة فلا ينعقد اطلاق آنذاك فيشكل التمسك بها . نعم على الرأي الثاني الذي يبني عليه جماعة ومنهم السيد الخوئي(قده) ينعقد الاطلاق فإنه يرى أن القدر المتيقن في مقام التخاطب كالقدر المتيقن من الخارج لا يمنع من التمسك بالإطلاق فإذا بنينا على هذا فلا مشكلة حينئذٍ وينعقد الاطلاق . وأما على رأينا الذي كنا نقول فيه إنه متى ما استهجن من المتكلم إرادة المقيّد ففي مثل هذه الحالة ينعقد الاطلاق وأما إذا لم يستهجن منه إرادة المقيّد فلا ينعقد الاطلاق ، وهذه النتيجة تتّحد مع النتيجة التي ذهب إليها الشيخ الخراساني(قده) ، وفي مقامنا حيث لا يستهجن من الإمام لو كان مراده هو المقيّد - وأقصد من المقيّد هو باب الصلاة - إذ لا يقال له لِمَ لا تقيد والاطلاق منك قبيح إذ يجيب ويقول إن حوارنا هو عن باب الصلاة ، إذن لا يوجد استهجانٌ في الاطلاق فلا ينعقد إطلاقٌ آنذاك فما المخرج لاستفادة التعميم بناءً على هذا المبنى ومبنى الشيخ الخراساني(قده) ؟
 إن المخرج هو أن يقال:- إن العقلاء أو العرف لا يرون فرقاً بين أجزاء الصلاة وبين غير أجزائها فالخصوصيّة إن كانت فهي للدخول في الجزء الثاني أما أنّ ذلك الجزء السابق المشكوك هو من أجزاء الصلاة أو لا فالعرف يلغي الخصوصيّة من هذه الناحية فبناءً على الجزم بإلغاء الخصوصية - وهو شيء وجيه - فحينئذ نتعدّى الى سائر الموارد ومن ذلك المقام وعلى هذا الاساس سوف يثبت المطلوب - وهو عدم الاعتناء بالشك - لقاعدة التجاوز فإن مورد القاعدة هو وإن كان هو باب الصلاة ولكن نتعدّى الى غيره من باب الجزم بعدم الخصوصيّة.
 إن قلت:- إن التمسك بقاعدة التجاوز يكون وجياً هو فيما إذا فرض أن الذبح قد اشترطنا أن يكون قبل الحلق والتقصير والحلق والتقصير يقع بعد الذبح حتى يكون الحلق والتقصير هو الجزء اللاحق فإن المقصود من الغير ليس كلّ غير بل خصوص الغير المترتّب على السابق الذي جعل الشارع مرتبته متأخرة عن السابق ، وبناءً على هذا نقول إن اشترطنا أن يكون الحلق والتقصير بعد الذبح فسوف يكون الحلق والتقصير جزءاً لاحقاً فيمكن تطبيق القاعدة وأما إذا لم نشترط ذلك - كما تقدّم وقلنا أنه لم يثبت بدليل أن الحلق والتقصير يلزم أن يكون بعد الذبح - فكيف نطبق القاعدة فيما إذا دخل المكلف في الحلق والتقصير بعد فرض أن الحلق التقصير ليس ذا مرتبة متأخرة شرعاً لأنه لم يثبت بدليلٍ أنه ذا مرتبةٍ متأخّرةٍ عن الذبح .
 قلت:- حتى إذا لم يثبت لزوم التأخر بدليلٍ ولكن كيفما كان التأخر شيءٌ راجح شرعاً فإن الذي تقدّم هو أن اللزوم لم يثبت بدليلٍ وأما أن ذلك راجحٌ ومفضّل فقد ثبت من صحيحة جميل ( جاء قوم الى رسول الله صلى الله عليه وآله وقد حلقوا قبل أن يذبحوا ) وقلنا إن هذه الصحيحة لا يستفاد منها اللزوم لكن كيفما كان يستفاد منها الرجحان فيكفينا إذن هذا المقدار فإنه لا يلزم في الجزء اللاحق أن يكون تأخره ولاحقيته بنحو الإلزام بل يكفي أن تكون بنحو الرجحان ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة في تطبيق قاعدة التجاوز في المقام.
 النقطة الثالثة:- أذا فرض أن المكلف شك في أن الحيوان سمين أو هزيل فذبحه برجاء أن يكون سميناً واتضح بعد ذلك أنه سمين فهل يجزيه ؟ نعم يجزيه ، ولماذا ؟ ذلك لوجهين :-
 الوجه الأول:- اقتضاء القاعدة لذلك فإن المفروض أن المطلوب منه هو السمين وقد أتى به - أي اتضح أن الحيوان سمين غايته أنه لم يجزم سابقاً حين الشراء أو حين الذبح بأنه سمين ولكن اتضح أنه سمين فالمطلوب والواجب قد تحقق - فلماذا لا يجزي والمفروض أن القربة متحققة لأنه أتى به بنيّة رجاء المطلوبية.
 نعم إن كان هناك إشكال فهو من ناحية أنه لم يجزم بالنيّة - يعني حينما أتى به لم يجزم بأنه مصداق المطلوب وأن الشارع يطلبه ويريده فقد يحتمل ذلك ومردّد فيه فلا جزم في النية - .
 ولكن جوابه هو أنه قد ذُكِر في محلّه أنه ليس من شرائط الصحة في العمل العبادي الجزم بالنيّة فلو فرضنا أنا شككنا أن جلسة الاستراحة هل واجبة أو لا فنأتي بها برجاء المطلوبية فهذا شيء لا بأس به وهكذا أيُّ شيءٍ شككنا في أنه جزءٌ في الصلاة أو ليس بجزء شريطة أن لا يكون مضرّاً بها على تقدير عدم جزئيته فنأتي به ولا محذور في ذلك والحال أنه لا يوجد جزم بالنيّة وإنما يوجد احتمالٌ بأنه واجبٌ ومطلوبٌ فالجزم ليس بلازم ، والوجه في عدم لزوم الجزم بالنيّة وكفاية رجاء المطلوبية واحتمال المطلوبية هو عدم الدليل على أن الجزم بالنيّة معتبر فنجري البراءة عن اعتباره فمدّعي اعتباره هو الذي يحتاج الى دليلٍ دون الرافض فإنه يكفيه أصل البراءة ، وعلى هذا الأساس هذا الهدي يجزي بمقتضى القاعدة.
 الوجه الثاني:- الروايات المتقدمة في مسألة السمنة والهزال فإن أكثر من رواية قالت:- ( وإن اشتريته مهزولاً فوجدته سميناً أجزأك ) كما في صحيحة العيص [2] ، وعلى منوالها صحيحة الحلبي [3] وصحيحة محمد بن مسلم [4] ورواية منصور [5] فإن هذه الروايات دلت على أن من ذبح الحيوان وهو يرى أنه هزيل ثم اتضح أنه سمين أجزأ وبالأولى - أو بعدم الخصوصيّة - يجزي لو فرض أنه ذبحه وهو لا يجزم بأنه هزيل بل يحتمل ذلك واتضح أنه سمين . إذن الوجه في الاجزاء أمران هما اقتضاء القاعدة لذلك والروايات الشريفة فلا إشكال إذن من هذه الناحية.
 نعم هناك قضية فنيّة:- وهي أن المناسب أن يذكر هذا الفرع ذيلاً في مسألة السمنة والهزال - أي مسألة ( 385 ) - فتلك المسألة ترتبط بالسمنة والهزال فيشار هناك ويقال:- ( لو ذبحه وهو يحتمل أنه سمين واتضح أنه كذلك أجزأ ) لا أن يذكر في هذه المسألة.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج8، ص237 ب23 من أبواب الخلل في الصلاة، ح1، آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص115 ب16 من ابواب الذبح، ح6، آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص114، ب16 من ابواب الذبح،ح5، آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص113، ب16 من ابواب الذبح، ح1، آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص113، ب16 من ابواب الذبح، ح2، آل البيت.