34/07/18


تحمیل
 كان الكلام في رواية حفص بن غياث وقد ذكرنا في الدرس السابق ان الرواية ناظرة الى الشهادة القائمة على اساس اليد وهي شهادة في الملكية الظاهرية وهذه الشهادة شهادة حسية وقبولها على تقديره في الرواية لاينفعنا في مقام اثبات نفوذ الشهادة المستندة الى ما هو حجة من دون الاحساس والمشاهدة او السماع هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الشهادة بالملكية الظاهرية لايكون مقبولاً في باب القضاء لما قلناه من ان الشهادة بالملكية الظاهرية ليست هي الشهادة التي تكون داعمة لدعوى المدعي لان دعوى المتنازعين انما هي في الملكية الواقعية أي في الملكية الثابتة بقطع النظر عن اليد وامثالها والذي يؤيد ذلك هو ذيل الرواية وهو قول الامام (ع) :(لو لم يجز هذا لما قام للمسلمين سوق ) فإنه واضح ان هذا الكلام انما يصح اذا لم نقبل الملكية الظاهرية لان سوق المسلمين قائم على الملكية الظاهرية فإذا لم نقبل شهادة احد بالملكية الظاهرية استناداً الى اليد لايكون للمسلمين سوق وأما اذا لم نقبل شهادة من يشهد بالملكية الواقعية استناداً الى اليد فإنه لايصح ان يعلّل بان لايقوم للمسلمين سوق جريان الحياة الاعتيادية موقوف على جريان الاحكام الظاهرية واما اذا ثبتنا الملكية الظاهرية ومنعنا ثبوت الملكية الواقعية بقاعدة اليد فإنه لايزاحم جريان الحياة الاعتيادية وقيام سوق للمسلمين .
 والحاصل ان الرواية ظاهرة في نظرها الى الملكية الظاهرية المستندة الى اليد ، ومنه يظهر ان الشهادة بالملكية الظاهرية لايكون نافذاً في باب القضاء وحل الخصومة ، نعم له اثر في صيرورة من تشهد البينة انه صاحب يد منكراً لايطالب بالبينة لان قوله موافق للحجة ومن يوافق قوله الحجة يكون منكراً والطرف الاخر يكون مدعياً .
 ويمكن تأييد هذا الكلام ( الشهادة بالملكية الظاهرية ليس لها اثر ) بالروايات الواردة في تعارض البينات المذكورة في الباب 12 من ابواب كيفية الحكم وتقدم الحديث عنها ، فالذي يظهر من مجموع هذه الروايات انها فارغة عن قضية هي انه لو كانت البينة مختصة باحد المتنازعين ولو كان هو غير صاحب اليد لقدم قوله بلا كلام وانما الروايات تعالج حالة تعارض البينتين ولكن البينة التي يقيمها احد المتنازعين والتي تكون مقبولة لابد ان لا تكون بينة بالملكية الظاهرية المستندة الى اليد لانها بينة معلومة الكذب لان المفروض في الروايات ان صاحب اليد معلوم من هو فإذا اتت بينة تشهد ان غير صاحب اليد مالكاً استناداً الى اليد لامحالة تكون هذه البينة كاذبة ، فلابد ان تكون شهادتهم شهادة بالملكية الواقعية أي غير المستندة الى اليد وعندئذٍ تكون مقبولة ويقدم قول غير صاحب اليد إذا أختص بالبينة .
 هذا حال الرواية الرابعة .
 الرواية الخامسة : هي صحيحة عمر بن يزيد المروية في الباب 8 من ابواب الشهادات ،ح 1 :
 ((محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن النعمان ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر ابن يزيد قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : الرجل يشهدني على شهادة فأعرف خطي وخاتمي ، ولا أذكر من الباقي قليلا ولا كثيرا ، قال :فقال لي : إذا كان صاحبك ثقة ومعه رجل ثقة فاشهد له )) .
 والاستدلال بالرواية على محل الكلام مبني ان الرواية يستفاد منها جواز ونفوذ الشهادة المستندة الى قول ثقتين ، فتدل على نفوذ الشهادة المستندة الى الامارة ، وفي الرواية كلام سيأتي التعرض له قريباً .
 ولكن السيد الماتن (قده) رد الرواية لانه لايمكن قبولها بهذا الشكل لاحتمال ان مضمونها اعتبار شهادة المدعي لنفسه وهي لااثر لها ،إذ احد الثقتين الذي يراد الاستناد في الشهادة الى قولهما هو المدعي ، ولابد من حملها على ان يكون اخبار الثقتين موجب لتذكره للواقعة وبتحمله للشهادة وحينئذٍ يشهد ، ولكنها شهادة عن حسٍ ، فليس فيها دلالة على نفوذ الشهادة المستندة الى إخبار ثقتين.
 وإلى هنا ينتهي الكلام في حكم الشهادة في الاقسام الاربعة التي هي عبارة عن الشهادة المستندة الى الحس ، والشهادة المستندة الى التواتر وما بمعنى التواتر ، والشهادة المستندة الى العلم الحدسي ، والشهادة المستندة الى الحجة التعبدية ، وتبين ان الشهادة في القسمين الاول والثاني نافذة وعدم اعتبار الشهادة في القسمين الاخرين .
 هذا تمام الكلام في هذه المسألة .
 قال (قده): المسألة 97 : لاتجوز الشهادة بمضمون ورقة لايذكره بمجرد رؤية خطه فيها إذا احتمل التزوير في الخط او احتمل التزوير في الروقة او ان خطه لم يكن لاجل الشهادة بل كان بداعي اخر ، واما إذا علم ان خطه كان بداعي الشهادة ولم يحتمل التزوير جازت له الشهادة وان كان لايذكر مضمون الورقة فعلاً .
 ................
 المستفاد من عبارة السيد الماتن (قده) ومن عبائر غيره ايضاً لان هذه المسألة مبحوثة حتى من قبل الفقهاء المتقدمين انه لااشكال في قبول الشهادة في حالة التذكر لتحمل الشهادة والعلم بها والامن من التزوير ،وهي شهادة حسية ، كما انه لااشكال في عدم جواز الشهادة اذا انتفى كلٍ منهما ، وانما الكلام فيما اذا امن التزوير وعلم ان هذا خطه ولاجل الشهادة ولكنه لايتذكر الواقعة فهل يجوز له الشهادة في مثل هذه الحالة او لا ؟
 السيد الماتن يقول يجوز له ان يشهد وان لم يتذكر الواقعة ومضمون الورقة فعلاً .
 وهذه المسألة عادةً ما تذكر في بحث اشتراط العلم في الشهادة باعتبار ان مجرد رؤية الخط لايورث العلم عادةً ، والكلام كما ذكرنا في ان التذكر هل هو شرط في قبول هذه الشهادة او لا ؟ فيه خلاف ، فان مقتضى اطلاق عبائر جماعة من المتقدمين والمتأخرين اشتراط التذكر في الشهادة المستندة الى الخط ، وجماعة اخرون ومنهم السيد الماتن لم يشترطوا التذكر مع حصول العلم بالواقعة .
 والمهم مراجعة الروايات المرتبطة في المقام وهي ثلاث روايات مذكورة في الباب 8 من ابواب الشهادات .
 الرواية الاولى : معتبرة الحسين ابن سعيد ويرويها الكليني ((عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد قال : كتب إليه جعفر بن عيسى : جعلت فداك جاءني جيران لنا بكتاب زعموا أنهم أشهدوني على ما فيه ، وفي الكتاب اسمي بخطي قد عرفته ، ولست أذكر الشهادة ، وقد دعوني إليها ، فأشهد لهم على معرفتي أن اسمي في الكتاب ولست أذكر الشهادة ؟ أو لا تجب الشهادة علي حتى أذكرها ، كان اسمي في الكتاب أو لم يكن ؟ فكتب : لا تشهد)) ويرويها الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد ايضاً
 وظاهرها اعتبار التذكر حتى يمكنه الشهادة استناداً الى خطه فان لم يكن متذكراً لايمكنه الشهادة اعتماداً على خطه واسمه وان علم انه خطه واسمه ، وبعبارة اخرى ان مقتضى اطلاق اعتبار التذكر في الرواية هو لابدية التذكر وان علم ان الخط خطه .
 الرواية الثانية : يرويها الكليني ((عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تشهد بشهادة لا تذكرها ، فإنه من شاء كتب كتابا ونقش خاتما )).
 ورواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم .
 وهي معتبرة سنداً ، وفيها دلالة على اعتبار التذكر في جواز الشهادة مطلقاً،واما قول الامام (ع) في ذيلها حكايةً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من شاء كتب كتابا ونقش خاتما ) فهو لايبعد ان يكون المقصود بها أرشاد الى فعل ما يوجب التذكر بحسب العادة .
 ولكن قد يقال : بعدم امكان التمسك بأطلاق هذه الروايات لاثبات عدم قبول الشهادة في حالة العلم وعدم التذكر ويستدل على ذلك بما ذكره السيد الماتن (قده) من انه في حالة العلم بان الخط خطه وانه وضعه لاجل الشهادة والعلم بعدم التزوير لايحتاج معه الى شيء لقبول الشهادة حتى اذا لم يتذكر الواقعة لانها شهادة عن حس .
 أقول: يمكن تأييد ما يقوله السيد الماتن والالتزام بقبول الشهادة في هذه الحالة بان مفردة التذكر في هذه الروايات والتي ظاهرها اعتبار التذكر يبدو انها مأخوذة على نحو الطريقية لاحراز مضمون الورقة وحينئذٍ يمكنه الشهادة .