33/11/07


تحمیل
  (بحث يوم الاثنين 7 ذو القعدة 1433 هـ 170)
 الموضوع : الكلام في المسألة الخامسة والأربعين : ذكر أدلة القائلين بعدم اشتراط القرعة في القسمة والاكتفاء بالتراضي / تكملة الكلام في الدليل الثالث / الدليلان الرابع والخامس / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في الدليل الثالث وهو ما ذكره الشيخ البحراني في الحدائق من دعوى اختصاص أدلة القرعة بصورة التنازع والتشاح ، وأما في صورة التراضي - كما هو المفروض في محل الكلام فلا دليل على اعتبار القرعة فيها .
 وذكرنا أنه أجيب عنه بأن بعض روايات القرعة أو أكثرها وإن كانت واردة في صورة التنازع والتشاح - كما ذكره - بلا اشكال إلا أن هناك في أدلة القرعة ما ليس وارداً في هذه الصورة بل يظهر منه التعميم أو الإطلاق ولكن يمكن أن يقال إنه لا يبعد اشتمال هذه الروايات على النزاع والتشاح ولو بالمستوى الشأني بمعنى أن هذه الموارد لا تأبى عن افتراض النزاع والتشاح فيها .
 وقد ذكرنا أيضاً أن الأحسن في الجواب عن هذا الدليل أن يقال إن هذه الروايات وان وردت في التنازع فعلاً كما أورده المستدل أو شأناً كما أورده المجيب إلا أن التنازع فيها هو مورد لها وليس فيها ما يدل على اختصاص دليل القرعة بهذا المورد إذ لا مفهوم لها لتدل على ذلك فلا يُنافيه ورود القرعة في صورة التراضي فإذا تمّت لدينا مطلقات تدل على اعتبار القرعة مطلقاً [1] فيمكن الاستناد إليها ولا تكون تلك الروايات مانعاً عن التمسّك بالإطلاق لما ذكرناه من عدم دلالتها على الاختصاص من جهة عدم اشتمالها على المفهوم .
 هذا ما تقدّم .. وأقول :
 يمكن تحصيل روايات مطلقة تدل على اعتبار القرعة مطلقاً :
 الأولى : ما ورد في الفقيه بسند صحيح من قوله (صلى الله عليه وآله) : " ليس من قوم تقارعوا وفوّضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المُحِقّ " [2] .
 وهذه الرواية ينقلها الشيخ صاحب الوسائل بلفظ (تنازعوا) عن الشيخ الطوسي (قده) عن عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن أبي جعفر (عليه السلام) وهذا السند فيه إرسال كما هو واضح كما أنه باللفظ المذكور [3] لا ينفع في الاستدلال على المطلوب من الإطلاق كما لا يخفى .
 وأما بنقل الفقيه فقد رواه الصدوق عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر(عليه السلام) وسند الشيخ الصدوق الى عاصم بن حميد صحيح كما في المشيخة وأبو بصير ثقة فالرواية صحيحة ويُستدل بها على المطلوب .
 الرواية الثانية : ما ورد في التهذيب مروياً عن محمد بن أحمد بن يحيى عن موسى بن عمر عن علي بن عثمان عن محمد بن حكيم :
 " قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن شيء ، فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة ، قلت له : إن القرعة تخطئ وتصيب ، قال : كل ما حكم الله به فليس بمخطئ " [4] .
 وهذه الرواية رواها في الفقيه بسنده عن محمد بن حكيم أيضاً .
 أما بالنسبة إلى سند التهذيب فمحمد بن أحمد بن يحيى هو صاحب نوادر الحكمة ثقة ، وأما موسى بن عمر فالظاهر قوياً كما مرّ غير مرّة أن المقصود به موسى بن عمر بن يزيد الصيقل وذلك بقرينة رواية صاحب نوادر الحكمة عنه في غير هذه الرواية وهو ممن لم يستثنه ابن الوليد فعلى هذا الأساس يمكن إثبات وثاقته كما هو غير بعيد ، وأما علي بن عثمان فهو مجهول ولا مجال لإثبات وثاقته والاعتماد عليه ، وأما محمد بن حكيم فالظاهر كونه ممدوحاً فقد روى الكشي بطريق صحيح رواية فيها مدح له [5] فهذا السند إذاً لا يخلو من إشكال .
 وأما بالنسبة إلى سند الفقيه فطريق الشيخ الصدوق الى محمد بن حكيم صحيح كما في المشيخة [6] ، وأما محمد بن حكيم فقد مر كونه ممدوحاً فالرواية بهذا السند تكون معتبرة والاستدلال بها على المطلوب من جهة قوله : (كل مجهول ففيه القرعة) حيث استُعمل فيه الأداة : (كل) التي تفيد العموم فيثبت كون القرعة ترد في صورة التنازع وفي صورة التراضي التي هي محلّ الكلام .
 الرواية الثالثة : ما نقله صاحب الوسائل عن المحاسن للبرقي مروياً عن منصور بن حازم بسند معتبر :
 " قال : سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن مسألة فقال : هذه تخرج في القرعة ثم قال : فأيّ قضية أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلى الله عزّ وجل أليس الله يقول : (فساهم فكان من المدحضين) " [7] .
 قوله (عليه السلام) : " إذا فوّضوا أمرهم إلى الله عزّ وجل " قيد لكون القرعة أعدل قضية فإن الله كما في الدعاء لا يغش من استنصحه .
 وقوله (عليه السلام) : " أليس الله تعالى يقول : (فساهم فكان من المدحضين) " هو اشارة الى قضية يونس (على نبينا وآله وعليه السلام) .
 وهذه الرواية نفسها يرويها السيد ابن طاووس في أمالي الأخبار نقلاً عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب الذي وقع في سند الرواية السابقة والذي ينقل عنه البرقي ويظهر أن السيد بن طاووس كان عنده كتاب المشيخة فهو ينقل عنه مباشرة وهذا الكتاب هو كتاب فقهي يتضمّن ذكر الروايات وليس كتاباً رجالياً كما قد يوحي به اسمه .
 هذه روايات ثلاث مطلقة يمكن التمسك بها بعد فرض أن الروايات في صورة التشاح والتنازع ليس فيها مفهوم وليس فيها دلالة على الاختصاص .
 هذا ما يمكن أن يُجاب به على الدليل الثالث .
 الدليل الرابع : ما نُقل عن الشيخ الاعظم (قده) والتزم به بعض المحققين من الاستدلال بقوله (صلى الله عليه وآله) : " المؤمنون عند شروطهم " .
 حيث يفهم منه بناءً على أن المراد بالشرط في هذا الحديث الشريف هو مطلق الالتزام سواء كان في ضمن عقد أو لم يكن في ضمن عقد وهو ما يُسمى بالشروط الابتدائية او الالتزامات الابتدائية أنه يجب الوفاء بمطلق الالتزام وحينئذ يقال إن هذا متحقق في محل الكلام لأن التراضي في الحقيقة هو في واقعه التزام من قبل كلّ من الشريكين بأن تكون إحدى الحصتين له وتكون الحصة الأخرى للشخص الآخر ويتعهّد كل منهما بأن لا حقّ له في حصة الآخر في حين أن كلاً منهما كان له قبل التقسيم حقّ في الحصة الأخرى في أيّ نصف يُفرض بعد تعديل السهام فهذا الالتزام يكون واجب الوفاء حتى وإن لم يُجريا القرعة بل بمجرد التراضي الذي يستبطن الالتزام الذي يكون بموجب هذا الحديث الشريف نافذاً ويجب الوفاء به .
 وأجيب عنه بنحو ما تقدّم في القرعة من أن الخارج من حديث : (المؤمنون عند شروطهم) كثير جداً بتقريب أن المراد بالشرط في هذا الحديث هو مطلق الالتزام الاعم من كونه التزاماً في مطلق العقد او التزاماً لا في ضمن عقد وهو ما يُسمى بالشرط الابتدائي وهذا أيضاً عام يشمل كل التزام ولو كان من قبيل الوعد ولمّا لم يمكن الالتزام بلزوم الوفاء بمطلق التعهد الذي ليس في ضمن عقد (وموارده ليست بالقليلة) فيلزم خروجه من تحت الحديث وحينئذ يكون الاستدلال به - لإثبات لزوم الوفاء - موقوفاً على ثبوت عمل الاصحاب به في المورد لأن الاطلاق والعموم في هذا الحديث موهون بكثرة الخارج منه فيُجبر هذا الوهن بعمل الاصحاب كما قيل بمثل ذلك في القرعة ، ومن المعلوم أنه لم يعمل به أحد من الأصحاب في محل الكلام .
 نعم .. ذهب جماعة سوى من تقدّم النقل عنهم الى نتيجة موافقة للعمل بهذا الحديث الشريف وهي أن القسمة تتحقق بدون قرعة بلا منهم الشهيدان وصاحب الحدائق والعلامة في القواعد وقد نُقل عنه مستفيضاً أنه ذهب الى الاكتفاء بالتراضي وعدم اشتراط القرعة ولكن ذهاب هؤلاء الى نتيجة موافقة للعمل بالحديث الشريف لا يعني تمسّكهم به وعملهم به وإنما كان منهم لوجوه أخرى ومثله لا يجبر الوهن الموجود في الحديث .
 وأجيب عن هذا بنحو ما تقدّم من الجواب عند ذكر نظيره في أدلة القرعة حيث قلنا بأنّا لا نؤمن بأن هذا الوهن من شأنه أن يمنع من الاستدلال بالحديث مع توفر الشروط الأخرى وذكرنا أن الصناعة أيضاً لا تقتضي ذلك فإنها لا تمنع من العمل بالإطلاق بمجرد خروج الاكثر منه بل يبقى الاطلاق والعموم على حالهما ويبقيان حجة بالرغم من خروج الاكثر .
 هذا من جهة .. ومن جهة أخرى أن اصل لزوم خروج الاكثر هاهنا غير واضح - وإن كان في القرعة قد يكون واضحاً باعتبار أن جميع الاحكام وأكثر الموضوعات لا تجري فيها القرعة وذلك لأن المقصود في الحقيقة بالالتزام المستوجب للزوم الوفاء حتى بعد تعميمه للالتزام الابتدائي والالتزام في ضمن عقد - كما هو مبنى الاستدلال ليس بهذه السعة التي تشمل حتى مثل الوعد بل المقصود به (على ما يُذكر في محله في الفقه من بحث الشرط) إنما هو الالتزام الذي يرتّب الملتَزم له أثراً عليه أو يصيبه الضرر عند تخلّفه وحينئذ لا يكون افتراض خروج الاكثر واضحاً .
 ومن هنا يبدو أن الاستدلال بهذا الدليل [8] لا باس به في الجملة لكن بشرط تعميم الشرط في الحديث الشريف الى مطلق الالتزام ولو لم يكن في ضمن عقد كما هو مبنى الاستدلال - وهذا محلّ كلام طويل في ما بينهم ولا يبعد أن يكون الاقرب هو ذاك [9] بشروط تُذكر في محلّها .
 الدليل الخامس : وهو المهم في المقام ويتوقف على مقدمتين :
 الأولى : دعوى أن اللغة والعرف هما المرجع في تحديد معنى القسمة وما هو المراد بها وماذا يُعتبر فيها وتعيين موارد صدقها مع القرعة وموارد صدقها بدونها .
 الثانية : دعوى أن الظاهر من العرف واللغة أن القسمة تصدق على مجرد فرز الحصص ولا يتوقف صدقها على إجراء القرعة فيها .
 استُدلّ على الأولى : بأن القسمة كسائر الموضوعات الأخرى الواقعة في أدلة الاحكام الشرعية ولا ريب أن تحديد الموضوع موكول الى المعنى العرفي واللغوي في ما إذا لم يتدخّل الشارع المقدّس في تحديده وإن كان له ذاك باعتبار كونه هو الحاكم والحاكم حينما يريد أن يحكم على موضوع مّا فإن له أن يضيف قيداً أو أكثر لمدلول الموضوع في اللغة والعرف أو يُلحق به شرطاً أو يحذف منه قيداً أو شرطاً .
 وبالجملة للحاكم أن يتصرف في موضوع حكمه وهذا لا كلام فيه وإنما الكلام في ما لم يتدخل الشارع ويبيّن اختلاف نظره في تحديد الموضوع عن نظر اهل العرف واللغة وسكت عن ذلك فإن المتفاهم منه حينئذ هو إحالة تحديد معناه وبيان المراد منه الى ما يفهمه العرف والى النظر العرفي وهذا أمر متعارف في الأدلة الشرعية فإنه إذا لم يكن يرضى بالمعنى اللغوي والفهم العرفي لموضوع حكمه وهو في المقابل لم يتكفّل ببيان المراد منه عنده يكون مُخلّاً بغرضه ، وفي المقام فإن الشارع المقدّس لم يُبيّن أن مراده من القسمة أمراً يختلف عما يراه العرف واللغة ويشهد لذلك خلوّ الاخبار الكثيرة الواردة في باب القسمة عن بيان كيفية القسمة وأنها هل تكون بالتراضي أم بالقرعة فيتحصّل أن مراده منها لا يختلف عما يفهمه العرف واللغة كما تقدّم في الأحاديث التي مرّ ذكرها في قوم تقاسموا في ما بينهم حيث لم يسأل الامام (عليه السلام) كيف تقاسموا وأن تقاسمهم هل كان بالتراضي أم كان بالقرعة .
 والحاصل أن الشارع وإن كان من حقّه أن يريد بموضوع حكمه غير ما يريده العرف واللغة ولكن حيث لم يُنبّه على اختلاف مراده عنهما (كما نبّه على موارد كثيرة اختلف فيها مع النظر العرفي والمعنى اللغوي لاسيّما في باب المعاملات) فيُحمل على أن معناه عنده هو المعنى العرفي واللغوي حيث نراه كثيراً ما يضيف قيوداً إلى موضوع حكمه أو يحذف منه قيوداً على خلاف ما هو معتبر عند العرف .. وعلى ذلك نقول إن الشارع المقدّس لو كان يعتبر القرعة في القسمة والحال أن العرف بحسب الدعوى الثانية لا يعتبرها فيها لكان عليه أن يُنبّه على ذلك وإلا كان مُخلّاً بغرضه وحيث لم يُنبّه على ذلك دلّ على أن مراده منها لا يختلف عن المنظور بها في العرف واللغة .
 هذا بالنسبة إلى الاستدلال على الدعوى الأولى .
 وأما بالنسبة إلى الاستدلال على الدعوى الثانية وهي أن العرف واللغة يريان أن تحقق القسمة وانطباقها من غير توقف على القرعة فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .


[1] أي في صورتي التنازع والتراضي .
[2] الفقيه مج3 ص95 ، الوسائل الباب الثالث عشر من ابواب كيفية الحكم الحديث السادس مج27 ص258 ، وقد ورد في الكافي بلفظة : (تنازعوا) بسند صحيح وهو عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) الكافي مج5 ص491 ، الوسائل مج21 ص172 ، وأقول : لا ريب أن الرواية واحدة وقد مرّ أنه استُدلّ بها بنقل الكافي على ورود القرعة في صورة التنازع والتشاح وهاهنا استُدلّ بها بنقل الفقيه على اعتبار القرعة مطلقاً فإن لم يمكن ترجيح أحد النقلين فلا يمكن الاستدلال به على أيّ من المطلوبين .
[3] أي : (تنازعوا) .
[4] التهذيب مج6 ص240 ، الفقيه مج3 ص92 ، الوسائل مج27 ص260 .
[5] وهي عن حمدويه قال : حدثني محمد بن عيسى قال : حدثني يونس بن عبد الرحمن عن حماد : " قال : كان أبو الحسن (عليه السلام) يأمر محمد بن حكيم أن يجالس أهل المدينة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن يكلّمهم ويخاصمهم حتى كلّمهم في صاحب القبر [يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)] فكان إذا انصرف إليه قال له [أي الإمام أبو الحسن (عليه السلام)] : قلت لهم وما قالوا لك ؟ ويرضى بذلك منه " اختيار معرفة الرجال ص746 .
[6] قال في مشيخة الفقيه : (وما كان فيه عن محمد بن حكيم فقد رويته عن أبي رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحميري عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن حكيم ، ورويته عن محمد بن الحسن رحمه الله عن محمد بن الحسن الصفار عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن محمد بن حكيم) الفقيه مج4 ص489 .
[7] المحاسن ص603 ، الفقيه مج3 ص92 ، الوسائل مج27 ص262 .
[8] أي الرابع .
[9] أي تعميمه لمطلق الالتزام .