33/06/14


تحمیل
  (بحث يوم الأحد 14 جمادى الثانية 1433 هـ 127)
 الموضوع :- المسألة السابعة عشر / الردّ على تفصيل السيد الماتن (قده) بحسب المدرك من كونه صحيحة الصفار أو رواية البصري / بيان أن في العلة المذكورة في رواية البصري فهمين أحدهما الاختصاص باحتمال الوفاء والآخر الشمول لمطلق ما يُسقط الحقّ عن الميت كالإبراء / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في أنه إذا ثبت الدين بغير البينة كإقرار الورثة أو علم الحاكم أو الشياع المفيد للعلم فهل يُحتاج إلى ضم اليمين أم لا وتقدّم نقل تفصيل السيد الماتن (قده) بين ما إذا كان المدرك للاستثناء هو صحيحة الصفار فلا يُحتاج إلى ضم اليمين وما إذا كان المدرك هو رواية البصري فيُحتاج إلى ضم اليمين وحيث إنه (قده) يبني على ضعف رواية البصري فهو ينتهي بالنتيجة إلى عدم الحاجة إلى ضم اليمين في ما لو ثبت الدين بغير البيّنة .
 والسبب في الحاجة إلى ضم اليمين على تقدير أن يكون المدرك صحيحة الصفار هو عدم اشتمالها على تعليل كما هو موجود في رواية البصري وإنما موردها دعوى الحق على الميت الثابتة بالبيّنة فيُقتصر على ذلك ولا قابلية لها لشمول ما إذا كان ثبوت الدعوى بالإقرار ونحوه .. وعلى ذلك فإذا ثبت الدين على الميت بغير البيّنة كالإقرار أو علم الحاكم أو الشياع المفيد للعلم فيُكتفى بهذه المثبتات باعتبار أنها تثبت أصل الدين ويُستعان بالاستصحاب لإثبات بقائه إلى حين الموت .
 وهذا بخلاف ما إذا كان المدرك معتبرة البصري فإنها تشتمل على تعليل لا يختص بمورد الرواية - وهو ثبوت الدعوى بالبيّنة بل هو عام وهو احتمال الوفاء من قبل الميت فإنه لا يفرق فيه بين ثبوت الحق بالبيّنة أو بغيرها فلا بد من التعميم وبالنتيجة لا بد من الالتزام بالاحتياج إلى اليمين مطلقاً سواء ثبت الحق بالبيّنة أو بغيرها .
 هذا حاصل ما ذُكر في المتن .. وأقول :
 لا يخلو هذا الكلام من ملاحظات :
 الملاحظة الأولى : إنه يظهر منه أن إثبات بقاء الحق بالاستصحاب أمر ممكن في كل حالة يكون الدليل مثبتاً لأصل الحق غاية الأمر أنه (قده) يرى بأن النصّ - وهو صحيحة الصفار - منع من ذلك في ما إذا كان ثبوت الحق بالبيّنة لأن نفس اعتبار لزوم ضم اليمين الذي يشهد على بقاء الحق إلى حين موت الميت يكشف عن عدم اعتبار الاستصحاب ولذا لو لم يكن هناك نصّ فلا مانع عنده (قده) من الاستعانة بالاستصحاب كما هو الحال في غير البيّنة التي هي مورد النصّ كالإقرار وعلم الحاكم والشياع المفيد للعلم فيمكن إثبات بقاء الحق إلى حين الموت في هذه الموارد بالاستصحاب .
 ولكن هذا الكلام ليس على طبق القواعد إذ يَفترض أن اعتبار اليمين وعدم اعتبار الاستصحاب أشبه ما يكون بالأمر التعبدي الصرف وإلا فلا فرق في الحقيقة بين ثبوت الحق بالبيّنة وثبوته بالإقرار حيث يُفترض في محلّ الكلام أن كلّاً منهما قائم على أصل الدين ويُحتاج معه لإثبات بقاء الحق إلى حين الموت إلى مثبت والاستصحاب إن كان مثبتاً فهو مثبت في كل من الموردين [1] وإن لم يكن مثبتاً فهو كذلك في كل منهما فالتفريق بينهما كما هو قضية الاقتصار على مضمون الصحيحة لا تفسير له إلا بالتعبد الصرف وهو بعيد .
 الملاحظة الثانية : إن أصل استناد إثبات الحق إلى الاستصحاب ليس واضحاً فإن الاستصحاب وظيفة مقررة في حقّ الشاك ولا إشكال في أنها حجة ولكن ليس كل حجة تصلح لأن تكون مستنداً في باب الإثبات القضائي فإنه لا دليل على كون الاستصحاب من وسائل الإثبات في باب القضاء .
 وبعبارة أخرى : إن مقتضى دليل (إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان) و(أن البيّنة على من ادّعى واليمين على المُدّعى عليه) ونحوهما هو انحصار وسائل الإثبات بهذين الأمرين ولا تُرفع اليد عن مقتضى هذا الحصر إلا بقيام دليل على اعتبار أمر مّا من وسائل الإثبات القضائي كما في الإقرار أو علم الحاكم لو قيل به ولم يقم دليل على اعتبار الاستصحاب من وسائل الإثبات في باب القضاء فكيف يُعتمد عليه في إثبات بقاء الحق إلى حين الموت .
 نعم .. لا ضير في القول بأن الاستصحاب وظيفة مقرّرة شرعاً في حقّ الورثة فإنه بعد أن أقرّوا على مورّثهم الميت بأصل الدين وشُكّ في بقائه في ذمته أو ارتفاعه بوفائه فيُستصحب بقاؤه وتُرتّب الآثار على ذلك ولكن هذا أمر وكون الاستصحاب من وسائل الإثبات في باب القضاء أمر آخر ولا ملازمة بينهما بل هو كذلك [2] رهن بالدليل ولا دليل عليه .
 الملاحظة الثالثة : إنه (قده) لم يذكر حكم ما لو بُني على صحة كلتا الروايتين - كما هو الصحيح عندنا - فإنه طرح احتمال كون المدرك هو صحيحة الصفار فلا حاجة لليمين واحتمال كونه رواية البصري فثمة حاجة له وبنى على ضعف رواية البصري فالتزم بالحاجة إلى اليمين لكونه مقتضى الصحيحة ولم يتعرّض إلى الحكم في ما لو كان المدرك كلتا الروايتين في ما لو بُني على اعتبار رواية البصري .
 وكيف كان فالصحيح هو لزوم العمل بكلتا الروايتين لصحة كل منهما سنداً وإن كان العمل بكل منهما منتجاً للعمل بمعتبرة البصري بالخصوص لأنها مفسّرة لصحيحة الصفار أو مقيدة لها وتدل على أن المقصود باليمين فيها [3] هي اليمين المذكورة فيها [4] المعلّلة بأنها اليمين التي لأجل نفي احتمال الوفاء في حقّ الميت وهي المسماة عندهم باليمين الاستظهارية ولعل هذا هو السرّ في أن الأصحاب - بملاحظة كلمات المحققين منهم يقصرون نظرهم على رواية البصري فيأخذون التعليل الوارد فيها على أنه قضية مسلّمة في دليل هذا الاستثناء وإن كانوا قد تعرّضوا لصحيحة الصفار وذكروها دليلاً أيضاً وقد اعترف السيد الماتن (قده) بأن مقتضى العمل بها هو الالتزام بالحاجة إلى ضم اليمين إلى كل ما يُثبت الحق على الميت سواء كان بينة أو إقراراً أو علماً أو شياعاً أو نحو ذلك لعموم التعليل بالنحو الذي ذُكر سابقاً .
 ومن هنا يظهر أن الصحيح تعيّن الالتزام بالحاجة إلى ضم اليمين في محلّ الكلام باعتبار وجود العلة وشمولها لما إذا كان إثبات الحق بالإقرار ونحوه .
 هذا .. وتنبغي الإشارة إلى أن ما تقدّم كله كان في إقرار الورثة بالدين على مورّثهم ، وأما إذا فرضنا أن الإقرار صدر من الميت في حياته فاعترف بأنه مدين لشخص مّا فالظاهر أنه لا إشكال في نفوذ هذا الإقرار وترتُّب الأثر عليه بلا حاجة إلى ضم اليمين لقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، نعم .. ثمة إشكال يرتبط في ما إذا كان الإقرار في مرض الموت وكان المقرّ موضع تهمة فإن مفاد بعض الروايات عدم الأخذ بإقراره .
 هذا كله في ما إذا كان المثبت للحق قائماً على إثبات أصل الحق كما هو المفروض في محلّ الكلام وأما إذا كان الإقرار - وغيره من المثبتات - قائماً على بقاء الدين إلى حين الموت فقد تقدّم أن الظاهر أن الحكم في المقام هو عدم الحاجة إلى ضم اليمين بل ذلك جارٍ حتى في البيّنة التي هي مورد النصّ فإن العلة كما تعمّم تخصّص فيُخصّص بها مورد النصّ بخصوص البيّنة القائمة على أصل الدين فلا يشمل الاستثناء البيّنة القائمة على بقاء الدين إلى حين وفاة المُدّعى عليه .
 فالنتيجة أنه لا فرق في الحقيقة بين البيّنة من جهة وبين الإقرار والعلم والشياع من جهة أخرى في أن كلاً منها إذا قام على أصل الدين فيُحتاج معه إلى ضم اليمين وإذا قام على بقاء الدين إلى حين الموت فلا يُحتاج معه إلى ضم اليمين .
 نعم .. قيل بأن هذا التعميم إلى غير البيّنة من الإقرار والشياع والعلم ونحو ذلك إنما يتم في موارد احتمال الوفاء من قبل الميت وحينئذ يجري في هذا الموارد الاحتياج إلى اليمين ، وأما إذا عُلم بعدم الوفاء لكن احتُمل شيء آخر يقوم مقامه [5] في سقوط الحق عن الميت من قبيل الابراء [6] أو الاحتساب عليه من الخمس أو الزكاة فيكون الاحتمال في هذه الحالة شيئاً آخر غير الوفاء ولكن على تقدير ثبوته يكون موجباً لسقوط الحق عن الميت فهل يشمله التعليل وبالتالي يثبت فيه الاستثناء والحاجة إلى ضم اليمين أم لا ؟
 ومنشأ التساؤل هو أن الوارد في رواية البصري التي هي العمدة وهي المفسرة لصحيحة الصفار كما تقدّم هو التعليل باحتمال الوفاء ولا إشكال معه في التعدي إلى غير البيّنة من المثبتات كالإقرار والشياع وعلم الحاكم ، وأما مع احتمال غير الوفاء - كالإبراء مثلاً فقد قال بعضهم بأنه لا يمكن التعدي حينئذ .
 ولكن هذا الكلام ليس واضحاً وذلك لأنه إذا تم فلا بد من الالتزام في مورد النص - أعني البيّنة - بعدم ثبوت الاستثناء في ما إذا احتُمل غير الوفاء للملاك نفسه فيقال حينئذ إنه في مورد احتمال الوفاء يُحتاج إلى ضم اليمين وفي مورد العلم بعدم الوفاء واحتمال غيره كالإبراء فلا يُحتاج إلى ضم اليمين وبالنتيجة لا يكون النص شاملاً لكل موارد ثبوت الحق بالبيّنة ، ولا مشكلة في هذا لو قام عليه دليل والذي يُدّعى في المقام أن الدليل عليه هو أن العلة في رواية البصري هي احتمال الوفاء بما هو وفاء أي أن خصوصية الوفاء تكون مأخوذة في هذا الحكم في مقابل الابراء والاحتساب من الحقّ الشرعي ونحو ذلك .
 وفي مقابل هذا الفهم أن يقال بعدم وجود خصوصية للوفاء بل المقصود مطلق ما يُسقط الحق الثابت بالبيّنة أو الإقرار أو نحو ذلك فهنا يُحتاج إلى اليمين من جهة أن المُدّعى عليه في مفروض البحث لا لسان له لينفي هذا الاحتمال فيُتدارك ذلك بضم اليمين فيعمّ التعليل حينئذ الابراء أو الاحتساب من الحقّ الشرعي ونحو ذلك فضلاً عن الوفاء ، وهذا التعدي إلى غير الوفاء من الابراء ونحوه يكون على القاعدة بل هو في حقيقة الأمر ليس تعدياً وإنما هو من باب تنوّع المصاديق لشيء واحد وهي العلة التي هي احتمال مطلق ما يُسقط الحق عن الميت .
 والحاصل أنه على الفهم الأول - وهو الاختصاص باحتمال الوفاء فلا بد من الاقتصار حتى في مورد النصّ وهو البيّنة على صورة احتمال الوفاء فلا يكون احتمال الابراء ونحوه مشمولاً لهذا الاستثناء ، وأما على الفهم الثاني أي عدم الاختصاص باحتمال الوفاء فيُتعدى حينئذ إلى احتمال مطلق ما يُسقط الحق عن الميت سواء كان هو احتمال الوفاء أو غيره .
 وأيهما الأصح من هذين الوجهين ؟
 هذا ما يأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى .
 


[1] أي البيّنة والإقرار .
[2] أي كونه من وسائل الإثبات في باب القضاء .
[3] أي في صحيحة الصفار .
[4] أي في رواية البصري .
[5] أي مقام الوفاء .
[6] أي بأن يكون الدائن قد أبرأه من الدين .