38/01/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 25 ) التنجيم ، مسألة(26) الغش - المكاسب المحرمة.

والجواب:- إنه في المورد الأوّل - يعني التفويض إلى الكواكب - يوجد نصّ قرآني يدل على أنَّ الله عزّ و جلّ خالق كلّ شيءٍ في أكثر من مورد من القرآن ، فإذا أردنا أن نقول إنَّ الكواكب هي المؤثرة وهي الخالقة للأشياء فيلزم أن يكون لدينا نصٌّ يدلّ على ذلك ، فلو كان هناك نصٌّ قطعي يدلّ على ذلك لجمعنا بينه وبين قوله تعالى ﴿ الله خالق كلّ شيء ﴾ بشكلٍ وآخر ، وكيف نجمع ؟ سوف نبيّن طريقة الجمع بعد ذلك ، ولكن لو كان موجوداً لقبلنا وبالتالي جمعنا بالشكل المناسب الذي سوف أشير إليه ولا تعود هناك مشكلة ، بيد أنه لا توجد هناك نصوص تدلّ على ذلك - أي على أنّ الكواكب هي خالقة ومدبرة ومكوّنة - ، فالإيمان بهذه الفكرة إنكار للنصّ القرآني الذي يقول ﴿ الله خالق كلّ شيءٍ ﴾ ، ولذلك هذا لا يجوز ، وهو محرّمٌ ، ويستلزم الكفر.

وهذا بخلافه في مسألة تفويض الحساب إلى أهل البيت عليهم السلام ، فإنَّ القرآن الكريم وإن دلّ على أنَّ الله عزّ وجلّ إليه ينتهي الحساب ﴿ إنَّ إلينا إيابهم ثم إنَّ علينا حسابهم ﴾[1] فهذا شيء مسلّم ، ولكن توجد نصوصٌ ولو على مستوى الروايات كثيرة تدلّ على أنَّ مسألة الحساب قد أوكلت إلى أهل البيت عليهم السلام ، فإذا دلّت النصوص على ذلك وواضحٌ أنه قد اختلف أنا ذاك الطرف في أنَّ النصوص تدلّ أو لا تدلّ على هذا المعنى ، ولكن إذا آمنّا بأنها تدلّ على ذلك فسلّمنا دلالتها وسلّمنا سندها وأنها روايات متعدّدة أو متواترة تدلّ على هذا المعنى ونحن نعتقد بذلك وأنه توجد نصوص كثير على هذا المعنى[2] ، نعم قلت لك قد نختلف في دلالتها أو في عددها ولكن هذه قضية ثانية ، لكن لو رأينا أنَّ العدّد كان كافياً بحيث يقبل الجمع ولو للاطمئنان - استفاضة - وآمنا بدلالتها فلا مانع آنذاك من أن نجمع بينها وبين ذلك النصّ القرآني الذي يقول ﴿ إن إلينا غيابهم ثم إلينا حسابهم ﴾ ، لكن لا بطريقة الجمع الأصولية أعني بذلك التخصيص ، كلا بل بطريقة الجمع في مثل ( فتح الأمير البلاد ) و (فتح الجيش البلاد ) ، وهذه استعمالات مسلّمة موجودة حيث نقول فتح الجيش البلاد وهذا صحيح فإنّ الجيش هو الذي غزى وفتح البلاد ، وفي نفس الوقت نقول الأمير الفلاني أو القائد الفلاني هو الذي فتح الكوفة والبصرة مثلاً وهذا صحيح أيضاً ، فنحن ننسب فتح البلاد إلى كليهما في نفس الوقت وما ذاك إلا باعتبار أنَّ الجيش هو الذي يباشر عملية الفتح فتصحّ النسبة إليه ، والقائد هو الذي أمر بفتح البلاد وسبّب إلى أن يفتح الجيش البلاد فينسب إليه فتح البلاد ، هذه طريقة للجمع ليست جمعاً أصولياً وإنما هي جمع عرفي مسلّم مقبول ، وهو نظير ما جاء في القرآن الكريم ﴿ الله يتوفّى الأنفس حين موتها ﴾ ، وفي آية أخرى نقرأ ﴿ قل يتوفّاكم ملك الموت الذي وكِّل بكم ﴾ ، وهذا قد يعدّ من تناقضات القرآن الكريم ، ولكن حينما سئل الإمام عليه السلام أجاب في الرواية بأنَّ الله عزّ وجلّ أعزّ وأشرف من أن يتصدّى هو لقبض الأرواح ، فهو الآمر والمسبِّب والملَك يكون هو المباشر بقبضها ، بهذا الاعتبار تصحّ النسبة وكلتا الآيتين تكون صحيحة ولا مشكلة فيها ، كذلك في مسألة الحساب فيمكن أن نقول إنََّ الله عزّ وجلّ هو المحاسب بمعنى أنه أجلّ وأعظم من أن يتصدّى وإنما من طريق المدبّرات أمراً من الملائكة أو غير الملائكة ، فلا مانع من أن يوكِل هذا الأمر إلى أهل البيت عليهم السلام ، فالحساب عليه باعتبار أنَّ الكلّ بإشرافه وهو المطّلع على العملية بشكلٍ كامل ولكن متولّي الحساب بالمباشرة هم أهل البيت عليهم السلام ، فكما يعطي مقام الشفاعة لأشخاصٍ وهذا بنصِّ القرآن فأيّ مانعٍ من أن يعطي عملية الحساب إلى أشخاص معيّنين أيضاً ؟! ، وترتفع حينئذٍ المنافاة مع الآية الكريمة وتحصل عملية الجمع التي قلنا هي ليست أصولية وإنما طريقة جمع عرفية بشكلٍ آخر.

ولعلَّ في القرآن الكريم بعض المؤشرات إلى أنّ عملية الحساب تتم على أيدي بعض الرجال قال تعالى:- ﴿ وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم ﴾ [3] ، والأعراف هي المنطقة العالية - سواء أعالي الجنَّة أو منطقة عالية أعمّ من الجنّة - وفي هذه المنطقة يوجد رجال يعرفون كلاً بسيماهم فيقولون لك أنت إلى طريق الجنّة أما ذاك الآخر فإلى طريق النار ، أوليس هذا تلميح أو أكثر من تلميح لذلك ؟ فالآية الكريمة تقول ( رجال ) ومن هم الرجال ؟ إنهم ليس فلان وفلان بل لا يوجد غير أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام ، إنّ هذا كلّيٌّ منحصرٌ بفردٍ أو أفراد معيّنين وهذا واضحٌ ولا يقبل الخطأ ، وأيضاً ( يعرفون كلاً بسيماهم ) لا معنى لأن يكون المقصود مجرّد المعرفة فإنّ هذا لغوٌ ، بل المقصود أنهم يعرفون كلاً بسيماهم فيقولون لهذا أنت من هذا الطريق ويقولون لذاك أنت من ذاك الطريق.

فإذن لا مشكلة هنا ، وكانت هذه قضية جانبية.

المورد الثالث:- وهو ما إذا كان الاسناد لا بالنحو الأوّل - الاستقلال أو التشريك - ، ولا بالنحو الثاني - أي بنحو التفويض - ، بل بنحوٍ بالتأثير الإلهي فكلّه من الله تعالى ولكن مع إبطال فكرة الدعاء والصدقة أو البداء ، فيقول المنجّم إنّه حتماً سوف يتحقّق الشيء الفلاني بإرادة الله عزّ وجلّ ، فهو في جنبة الإسناد إلى الله صحيح ، ولكن حينما يقول ( وحتماً هذا يقع ولا يتخلّف ) فإنّ هذا إبطالٌ لفكرة الدعاء والصدقة والبداء فهذا يكوون باطلاً ومرفوضاً.

هذه موارد ثلاثة لا يجوز فيها التنجيم كما عرفنا.

ومن خلال هذا يتّضح المقصود من عبارة السيد الماتن(قده):- فإنه ذكر في عبارة المتن:- ( التنجيم حرام وهو الإخبار عن الحوادث استناداً إلى الحركات الفلكية .... باعتقاد تأثيرها في الحادث على وجهٍ ينافي الاعتقاد بالدّين ) ، وذلك في الموارد الثلاثة التي أشرنا إليها ، يعني كما إذا كان يعتقد المنجّم بتأثير الكواكب بنحو الاستقلال أو بنحو التشريك ، أو يعتقد بأنَّ الحوادث مسندة إليها بنحو التفويض ، أو يعتقد أنَّ المؤثر هو الله عزّ وجلّ ولكن على وجه الحتمية بحيث لا يعتقد أنه لا يزول التأثير من خلال الدعاء أو الصدقة أو البداء ، فيمكن أن نقول هذه موارد ثلاثة هي المصداق لما ينافي الدّين.

ومن خلال هذا أيضاً يتضح:- أنَّ العبارة لو أردنا أن نصوغها فسوف نصوغها بشكلٍ أخصر ولعلّه أوضح ، وذلك بأن نقول:- ( التنجيم - وهو اسناد الحوادث من الرخص والغلاء والحر والبرد ونحو ذلك إلى الحركات الفلكية - حرامٌ إذا كان على وجه ينافي الدّين كما إذا اعتقد بتأثيرها على وجه الاستقلال أو الاشتراك معه تعالى ).

ومن خلال هذا يتضح أيضاً:- أنَّ ما انتهينا إليه - وهو الحرمة في الموارد الثلاثة - هو حكمٌ على طبق القاعدة ، فإنّ القاعدة تقتضي التحريم في هذه الموارد الثلاثة حتى إذا لم تكن لدينا روايات بل هو مقتضى الروايات أيضاً ، فالروايات أيضاً لا نستفيد منها أكثر من هذا ، فإنَّ أحسن الروايات هو الرواية الأخيرة التي ذكرنها والتي تقول ( المنجّم ملعون ) ، ولكن بقرينة اللعن من هو الذي يستحقّ اللعن ؟ إنه الذي يعتقد بأنها مستلّقة في التأثير والله عزّ وجلّ ليس له تأثير أو يعتقد بأنها مؤثرة بنحو التشريك أو يعتقد بالتفويض أو يعتقد ببطلان فكرة الدعاء والصدقة والبداء ، أما الذي لا يعتقد بهذه الأمور بل يقول إنَّ الكواكب فعلت ذلك بإرادة الله تعالى ويمكن أن لا يتحقّق هذا الفعل بالدعاء أو الصدقة فهذا لا يستحق اللعن ، بل اللعن منصرفٌ عن ذلك إذا قلنا بدلالة الروايات على ذلك ، ولكن نحن لم نقل بدلالة الروايات ، ولكن إذا قلنا بدلالتها فهي منصرفة أيضاً عن مثل هذه الحالة.

وبهذا تتطابق القاعدة مع الروايات.

 

مسألة(26):- الغش حرام . قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- من غشَّ أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وسدَّ عليه معيشته ووكله إلى نفسه .

ويكون الغش بإخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الجيّد بالرديء ، وبخفاء غير المراد في المراد كمزج الماء باللبن ، وبإظهار الصفة الجيدة مع أنها مفقودة واقعاً مثل رشّ الماء على بعض الخضروات ليتوهم أنها جديدة ، وبإظهار الشيء على خلاف جنسه مثل طلي الحديد بماء الفضّة أو الذهب ليتوهم أنه فضّة أو ذهب ، وقد يكون بترك الإعلام مع ظهور العيب وعدم خفائه كما إذا أحرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم إعلامه بالعيب فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه فإنَّ عدم إعلام البائع بالعيب مع اعتماد المشتري عليه غشٌّ له.


[2] والذي يريد المراجعة فليراجع بحار الأنوار فإنه توجد روايات كثيرة في هذا المجال باب تفويض الحساب إليهم عليهم السلام.