33/04/13


تحمیل
  (بحث يوم الأربعاء 13 ربيع الثاني 1433 هـ 91)
 الموضوع :- المسألة العاشرة / الصورة الثالثة : سكوت المدعى عليه / فروع متعلقة بقضية لزوم كون إحلاف الحاكم للمنكر بموافقة المدّعي وطلبه / الفرع الثاني : في أن المُدّعى عليه لا يصح منه أن يتبرّع باليمين من دون طلب من المدّعي / كتاب القضاء للسيد الخوئي (قده) .
 
 كان الكلام في فروع متعلقة بقضية لزوم كون إحلاف الحاكم للمنكر بموافقة المدّعي وطلبه وتقدم الكلام على الفرع الأول وهو عدم استقلال المدّعي بتحليف المنكر بل لا بد من أن يكون ذلك بإذن الحاكم وموافقته ومرجع هذا في الحقيقة إلى أن الحاكم هو الذي يطلب اليمين من المنكر لكن بعد موافقة المدّعي .
 الفرع الثاني : في عدم صحة تبرّع المُدّعى عليه باليمين من دون طلب من المدّعي .
 وهذا واضح في ضوء ما تقدّم من الأدلة السابقة حيث ظهر منها أن سقوط الحقّ إنما يترتب على يمين المنكر إذا كان بموافقة المدّعي وطلب من الحاكم فتبرّع المنكر باليمين مما لا يترتب عليه أثر.
 ولكن قد يقال إن مرسلة الصدوق المتقدّمة تدل بإطلاقها على سقوط حقّ المدّعي بيمين الحالف حتى من دون طلب من الحاكم وموافقة من المدّعي فإنها تقول : (من حلف لكم على حقّ فصدّقوه) فإنه يصدق على المنكر - ولو كان متبرّعاً - أنه حلف للمدّعي على حقّ .
 لكن تقدّم أن هذه الرواية سندها ضعيف بالإرسال .. مضافاً إلى احتمال انصرافها كما ذكرنا إلى خصوص اليمين الصادرة من المُدّعى عليه طبقاً للقواعد المقررة في باب القضاء وهذا معناه أن يمينه صدرت بطلب من الحاكم وليست يميناً تبرّعية من قبله فما أُمِرنا بتصديقه من اليمين وفقاً للرواية هو هذا لا مطلق اليمين ولو كان تبرّعياً .
 والظاهر مسلّمية هذه القضية عند الأصحاب حيث أرسلوها إرسال المسلّمات وإن كانوا توقّفوا في الفرع السابق .
 الفرع الثالث : في كفاية شاهد الحال عن تصريح المدّعي بالموافقة على يمين المنكر وطلبه من الحاكم إحلافه .
 
 
 هذا الأمر في مقابل ما تقدّم اشتراطه في ترتب الأثر على اليمين من كونه بطلب والتماس وسؤال من المدّعي - على اختلاف ما عُبّر به - فيقال إنه هل يُكتفى عن ذلك بشاهد الحال وهي القرينة الحالية التي تشهد بأن المدّعي يوافق على طلب الحاكم الحلف من المنكر أم لا بد من التصريح بذلك بواسطة الطلب أو السؤال أو الالتماس ؟
 يمكن أن يقال بدواً إنه يمكن الاكتفاء بشاهد الحال لأن عمدة ما استُدلّ به على عدم استقلال الحاكم بتحليف المنكر وأنه لا بد من موافقة المدّعي هي معتبرة ابن أبي يعفور ومن الواضح أن الشرط المعتبر - بناءً على التقريبات السابقة - هو رضا المدّعي بيمين المنكر وهذا الشرط كما يمكن إحرازه بالتصريح كذلك يمكن استكشافه من شاهد الحال إذ لا فرق بين كاشف وكاشف .
 ولكن بالرغم من هذا فقد ذكر الشيخ الأنصاري (قده) في قضائه أن ظاهر النصّ والإجماع على العدم [1] ولعل مقصوده بالنصّ هو النصوص الواردة في استحلاف المدّعي من قبيل رواية النخعي حيث ورد فيها : (إن استحلفه) ورواية عبد الله بن وضّاح التي ورد فيها : (فأحلفته) فإن المراد بالاستحلاف والإحلاف طلب الحلف كما أن معقد الإجماع على المطالبة والسؤال والالتماس وهي [2] ظاهرة في أنه لا بد من التصريح وعدم كفاية شاهد الحال لعدم صدق طلب اليمين عليه [3] .. مضافاً إلى ما يُلاحظ من كلمات الفقهاء (رض) حيث ورد فيها التعبير بالسؤال والمطالبة كما عن المحقق في الشرايع حيث يقول : (ولا يحلف المُدّعى عليه إلا بعد سؤال المدّعي لأنه حقّ له فيتوقف استيفاؤه على المطالبة) ، وعن العلامة في القواعد حيث يقول : (فإن طلب إحلافه أحلفه الحاكم ولا يتبرع الحاكم بإحلافه) فهذه العبائر واردة بالسؤال والإحلاف وظاهرهما عدم الاكتفاء بشاهد الحال .
 ولكن يمكن أن يقال إنه يمكن حمل ما ورد في النصوص وكلمات الفقهاء (رض) من التعبير بالاستحلاف والإحلاف [4] أو المطالبة والسؤال [5] على أنها واردة من باب المثال باعتبار أن الطريق المتعارف لاستكشاف رضا المدّعي يكون بالتصريح بالطلب والسؤال وليست هناك خصوصية لهما بما هما طلب وسؤال في أنفسهما بل بما هما طريق لمعرفة رضا المدّعي بحلف المنكر فالمناط إذاً على الرضا بل في بعض الروايات التصريح به كما في ذيل رواية ابن وضّاح حيث يقول الإمام (عليه السلام) : (ولولا أنك رضيت بيمينه فحلّفته) فإن الذي يُفهم من هذه العبارة أن المناط على الرضا الذي يُبرَز عادة بالطلب والسؤال .
 وعلى ذلك [6] فلا موجب لرفع اليد عن ظهور المعتبرة [7] في أن المعتبر هو رضا المدّعي وهو مما لا يفرّق فيه بين كاشف وكاشف .
 هذا .. ولكن استشكل في الجواهر في الاكتفاء بشاهد الحال من جهة أخرى وحاصلها : أن ظاهر النصوص - بما في ذلك المعتبرة - هو اشتراط الرضا فلا بد من إحرازه حتى يترتب الأثر على يمين المنكر وإحرازه لا يتم بشاهد الحال لأنه لا يفيد إلا الظن .
 وأقول : لا إشكال في عدم الاعتبار بشاهد الحال حينما لا يكون مفيداً إلا الظن وإنما يعتبر الاكتفاء به حينما يكون مفيداً للعلم حيث يُحرَز به الشرط المعتبر في ترتب الأثر على يمين المنكر وهو رضا المدّعي فمن ذهب إلى الاكتفاء بشاهد الحال فإنما هو من حيث كونه مفيداً للعلم بتحقّق الشرط ، وأما دعوى أن شاهد الحال مطلقاً لا يفيد إلا الظن فغير مسلّمة .
 الفرع الرابع : في أنه هل يكفي تحقق اليمين من المنكر بعد طلب المدّعي والحاكم في ترتب الآثار من سقوط الحقّ وذهاب الدعوى أم يُعتبر انضمام حكم الحاكم إليه ؟
 وتظهر الثمرة في ما لو فُرض عروض ما يمنع الحاكم من إصدار حكمه المستند إلى يمين المنكر الواجد للشرائط فهل يقال حينئذ بسقوط الحقّ والدعوى أم تتوقف القضية إلى حين ارتفاع العارض وصدور الحكم من الحاكم ؟
 جزم الشيخ صاحب الجواهر (قده) بالثاني وقال بعدم كفاية يمين المُدّعى عليه ولو كان واجداً للشرائط بل لا بد من انضمام حكم الحاكم إليه بل نسب الاحتمال الآخر إلى كونه توهّماً من النصوص ودفعه بحملها [8] على أنها في مقام تعليم الحاكم بأن يحكم بالبينة واليمين وليست ظاهرة في الاكتفاء باليمين في ترتب الأثر من دون حاجة إلى حكم الحاكم ، قال (قده) :
 " ثم إنه قد يتوهم من ظاهر النصوص سقوط الدعوى بمجرد حصول اليمين من المنكر من غير حاجة إلى إنشاء حكم من الحاكم بذلك لكن التحقيق خلافه ضرورة كون المراد من هذه النصوص وما شابهها تعليم ما به يحكم الحاكم وإلا فلا بد من القضاء والفصل بعد ذلك كما أومأ إليه بقوله (صلى الله عليه وآله) : (إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان) بل لو أخذ بظاهر هذه النصوص وشبهها لم يحتج إلى إنشاء الحكومة من الحاكم مطلقاً ضرورة ظهورها [9] في سقوط دعوى المدّعي وثبوت الحقّ بالبيّنة ونحوها " [10] .
 والظاهر أن مقصوده (قده) بهذه العبارة الاستدلال على مدّعاه من التوقف على حكم الحاكم بأمرين :
 الأول : قوله (صلى الله عليه وآله) : (إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان) حيث فهم منه أن القضاء لا يكون إلا بالبيّنات والأيمان وهي إنما تنفع حينما يتعقّبها القضاء والحكم .
 والثاني : عدم إمكان الالتزام بظاهر النصوص لأن ظاهرها ثبوت الحقّ بنفس البينة واليمين فإذا ثبت الحقّ بمجرد البينة التي يقيمها المدّعي أو اليمين الذي يصدر من المُدّعى عليه فلا تكون ثمة فائدة في حكم الحاكم بل يُصبح حينئذ لاغياً لأن المفروض انقطاع الدعوى بنفس البينة أو اليمين .
 هذا ما يُستفاد من عبارته (قده) وتكملة الكلام في ما بعد إن شاء الله تعالى .
 
 
 


[1] أي على عدم الاكتفاء بشاهد الحال وأنه لا بد من الطلب والسؤال .
[2] أي هذه التعبيرات أعني المطالبة والسؤال والالتماس .
[3] أي على شاهد الحال .
[4] وقد تقدم ان المراد بهما طلب الحلف .
[5] يعني طلب المدّعي من المنكر الحلف وسؤاله إيّاه ذلك .
[6] أي بعد إمكان حمل ما ورد في النصوص على المثالية .
[7] أي معتبرة ابن أبي يعفور .
[8] أي دفع التوهّم بحمل النصوص .
[9] أي النصوص .
[10] جواهر الكلام مج40 ص175 .