37/08/10


تحمیل

الموضوع: الصوم, شرائط صحة الصوم: الثاني: العقل.

الوجه الثاني: لبيان الفارق وخروج صوم النائم عن القاعدة تخصصاً هو أن يقال أن الصوم عبارة عن ترك المفطرات مع النية وهذا المعنى موجود في حق النائم, بأعتبار أن عزمه السابق ونيته السابقة على الترك كافٍ, لأنه يكون قد ترك المفطرات عن نية, وقد ذكر المحقق الهمداني (فالذي يجب على من أمر بترك فعل في مقام إطاعة هذا الأمر أن يعزم على ترك ذلك الشيء ولا يفعله، بأن يجعل قصد الإطاعة مانعا عن ارتكابه، بحيث لو حصل سائر أجزاء علَّة وجوده لأثر ذلك العزم في تركه)[1]

ويلاحظ _بناءً على التسليم بتماميته_ أن الوجه يجري في غير النائم كالمجنون كما لو نوى الكف عن المفطرات ليلاً وجن في النهار, فيقال بأن الترك الحاصل حال الجنون يستند إلى نيته السابقة بهذا المعنى التقديري, أي تكون نيته السابقة مؤثرة في الترك عند توفر جميع اسباب تحقق الاكل في الخارج.

وان قيل إن النائم في حال نومه اذا فرض حصول المقتضي للأكل وسائر اجزاء علته فأنه يترك المفطرات ويكون عزمه السابق مؤثراً في الترك وهذا يكفي في عبادية صومه _ ولا يبعد أن يكون هذا هو المدعى_ وهذا المعنى غير موجود في حق المجنون لأنه مع جنونه اذا توفر المقتضي وارتفع المانع يأكل.

يقال أن الكلام في كفاية ذلك في تصحيح الصوم على القاعدة, لأن الترك وان حصل منه الا أنه ليس مقصوداً ولا منوياً له لعدم الالتفات بسبب النوم فكيف يكون عبادة؟؟!

واذا ادعي أن النية السابقة تكفي حتى مع زوالها ارتكازاً حال النوم فهو موجود في المجنون, وان ادعي كفايتها مع بقائها ارتكازاً حال النوم وانها غير موجوده في المجنون, يجاب عنه بأنه بحاجة إلى اثبات.

الوجه الثالث: ما ذكره السيد الخوئي (قد) (فعبادية الصوم بمعنى لا يكاد يتنافى مع النوم ، فإنه بمعنى البناء على الاجتناب عن المفطرات وعدم ارتكابها متعمدا بأن يكون على جانب منها وبعيدا عنها كما دل عليه قوله عليه السلام : لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب . الخ وأن يكون ذلك لله تعالى ، فلو نوى الاجتناب المزبور قبل الفجر لله تعالى فقد أتى بالعبادة وإن نام بعد ذلك ، لحصول هذا المعنى حال النوم أيضا فليست العبادية في الصوم وكذا في تروك الاحرام بالمعنى المعتبر في العبادات الوجودية ، أي وقوع كل جزء بداعي امتثال الأمر حتى ينافيه النوم)[2]

ويلاحظ أنه على تقدير عدم رجوعه إلى الوجه السابق يقال أن تحقق هذا المعنى (الاجتناب عن المفطرات قربة إلى الله تعالى) في النائم اول الكلام, فنية القربة موقوفة على الالتفات والقصد والنائم فاقد لهما, ومع التسليم بذلك يقال بأنه يتحقق في غير النائم كالمغمى عليه والمجنون.

ونكتة المطلب هي أن كل الكلمات السابقة تحوم حول هذا المعنى وهو أن النية باقية عند النائم ارتكازاً وغير موجودة عند المجنون وهذا هو الفارق بينهما والذي يصحح صوم النائم دون غيره.

والى هذا المعنى تشير الكثير من كلماتهم فقد ذكر المحقق النراقي في النائم (فإن عقله باق وإن كانت حواسه الظاهرية مغطاة)[3] بخلاف المجنون حيث لا عقل له, وذكر الشهيد الثاني في المسالك (إعلم أن النوم غير مزيل للعقل اجماعا ، وإنما يغطي الحواس الظاهرة ويزيل التمييز وهو أمر طبيعي سريع الزوال فلا يخرج المكلف به عن أهلية التكليف ، فإذا وقع في عبادة لا يشترط فيها الطهارة الصغرى لم يبطلها كالصوم والاعتكاف والاحرام والسعي والوقوفين وغيرهما ، بل الأمر في الصوم أقوى لأنه أمر عدمي وهو الامساك عن الأمور المخصوصة كما مر تحقيقه . ومثله الاحرام . وهذا بخلاف الجنون والسكر لأنهما يذهبان العقل ويخرجان عن أهلية التكليف ، فيبطلان الصوم وغيره من العبادات)[4]

وبهذا نظر إلى الشيخ ابن ادريس الذي يرى أن النائم غير مكلف بالصيام وعدم شرعية صومه, وذكر صاحب المدارك (وقال ابن إدريس : النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا ومراده أن الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب فلا يوصف بالصحة ، لكنه بحكم الصحيح في استحقاق الثواب عليه ، للإجماع القطعي على أن النوم لا يبطل الصوم)[5] وحينئذ لا فرق بين النائم والمجنون على القاعدة والفارق بينهما هو النص والاجماع.

والشهيد الثاني يقول بأن النائم مكلف تعريضاً بأبن ادريس, وعلى كل حال فالشيخ ابن ادريس وصاحب المدارك وصاحب الجواهر يرون عدم الفرق بين النائم والمجنون والمغمى عليه وان مقتضى القاعدة عدم تكليف غير الشاعر حين عدم الشعور وعدم تبعض الصوم وبطلان صومهما.