33/01/18


تحمیل
  (بحث يوم الأربعاء 18 محرم الحرام 1433 ه 45)
 كان الكلام في توثيقات الشيخ المفيد والملاحظة المهمة عليها هي ما أشار إليها المحقق الشيخ محمد مما نقله عنه الشيخ الوحيد في فوائده وهي أن الشيخ المفيد ذكر في توثيقاته أشخاصاً لم يوثّقهم غيره بل قد ضعّفهم غيره بل بعضهم قد اتفقوا على ضعفهم .. بل لو فُرض عدم الاتفاق على تضعيفهم إلا أن صدق العناوين [1] التي ذكرها عليهم محلّ منع ، ومن هنا لا يمكن الاطمئنان بهذه التوثيقات ولا الركون إليها .
 ويمكن أن يقال في مقام الجواب عن ذلك هو أن الموثَّقين في الرسالة العددية ليس فيهم من هو معروف بالضعف بل ولا من صُرّح بضعفه حتى مثل أبي الجارود بل قد تقدّم في عبارة الغضائري ما قد يُفهم منه الاعتماد عليه من أن الأصحاب وإن كانوا لا يعملون برواياته عن طريق محمد بن سنان ولكنهم يعتدّون برواياته المروية عن طريق الأرجلي بل إن الشيخ الطوسي في الفهرست عندما ذكر طريقه إلى تفسير أبي الجارود نصّ على ضعف الراوي عنه وسكت عن النصّ على ضعفه فقال عن كثير بن عيّاش الذي يروي عن أبي الجارود : (كان ضعيفاً وخرج أيام أبي السرايا فأصابته جراحة) [2] لكنه سكت عن أبي الجارود مما قد يُفهم منه أنه ليس واضح الضعف .
 فإذاً ليس في من ذكرهم الشيخ المفيد من هو متسالَم على ضعفه بل ليس فيهم من هو منصوص على ضعفه بل الظاهر أن معظم من ذكرهم أو كلهم هم من الثقات الذين ثبتت وثاقتهم .
 نعم .. قد يُتأمّل في صدق العناوين التي ذكرها في كلامه على بعضهم إلا أن هذا مندفع بملاحظة أنه ليس ثمة جزم بعدم انطباقها عليهم بل من المحتمل صدقها عليهم باعتبار أن الرجاليين لا يلتزمون بذكر كل خصوصيات الراوي في كلماتهم وإنما جلّ تركيزهم على بيان الوثاقة وعدمها وأما كونه من الرؤساء الأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام ... إلخ فليس عدم ذكرهم لها يعني عدم صدقها عليهم بل من المحتمل أنهم كانوا كذلك غاية الأمر أنها لم تُذكر بحقهم ولعل الشيخ المفيد كان قد أحرز انطباقها عليهم .
 ولكن مع ذلك لا بد لتحرّي الجواب عمّا ذُكر من استعراض الرواة الذين ذكرهم الشيخ المفيد في الرسالة العددية حيث قال فيها :
 " وأما رواة الحديث بأن شهر رمضان شهر من شهور السنة يكون تسعة وعشرين يوماً ويكون ثلاثين يوماً فهم فقهاء أصحاب أبي جعفر محمد بن علي وأبي عبد الله جعفر بن محمد وأبي الحسن موسى بن جعفر وأبي الحسن علي بن موسى وأبي جعفر محمد بن علي وأبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي بن محمد (صلوات الله عليهم) والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا مطعن عليهم [أو لا يُطعن عليهم] فلا طريق إلى ذمّ واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدوّنة والمصنّفات المشهورة وكلّهم قد أجمعوا نقلاً وعملاً على أن شهر رمضان يكون تسعة وعشرين يوماً نقلوا ذلك عن أئمة الهدى (عليهم السلام) وعرفوه في عقيدتهم واعتمدوه في ديانتهم ثم يقول وقد فصّلت أحاديثهم بذلك في كتابي المعروف بمصباح النور في علامات أوائل الشهور وأنا أُثبت من ذلك ما يدل على تفصيلها إن شاء الله فممن روى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أن شهر رمضان شهر من الشهور يُصيبه ما يُصيبه الشهور من النقصان أبو جعفر محمد بن مسلم أخبرني بذلك أبو غالب أحمد بن محمد الزراري (رحمه الله) عن أحمد بن محمد .. " إلى أن يصل بالسند إلى محمد بن مسلم ثم ينقل الرواية ، ثم يقول :
 " وروى محمد بن قيس مثل ذلك ومعناه أخبرني أبو القاسم .. " ثم يذكر طريقه إلى محمد بن قيس عن أبي جعفر ثم يذكر الرواية ، ثم يقول :
 " وروى محمد بن سنان عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر .. " ثم يذكر روايةً لأبي الجارود ، ثم يقول :
 " وروى مصدّق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) .. " ثم يذكر رواية عمار ، ثم يقول :
 " وروى الحسن بن الحسين بن أبان عن أبي أحمد عمر بن الربيع قال : سئل جعفر بن محمد عن الأهلة .. " ، ثم يقول :
 " وروى الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) .. " ثم يذكر روايته .. وهكذا إلى آخر كلامه (قده) .
 فإذا فرضنا أن المقصود بالرواة الذين يروون هذا المعنى عن الأئمة (عليهم السلام) هم الرواة المباشرون عنهم (عليهم السلام) بحسب ما ذكره في عبارته من المدح بقوله : (الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام .. إلخ) وهم ممن قد نُصّ على وثاقتهم وليس فيهم من هو واضح الضعف أو يُتردد في ضعفه فإذا غضضنا النظر عن أبي الجارود ومورد آخر فيه اختلاف بين النسخ لم نعلم المقصود به [3] وهو المورد الثالث عشر الذي يذكره إلا أن ما عداهم مثل محمد بن مسلم وعمار الساباطي وعمر بن الربيع [4] وأبي الصباح الكناني ومنصور بن حازم وعبد الله بن مسكان وزيد الشحّام ويونس بن يعقوب وإسحاق بن جرير وجابر بن يزيد الجعفي وعبد الله بن أبي يعفور وعبد الله بن بكير ومعاوية بن وهب وعبد السلام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين وهارون بن حمزة الغنوي [5] وسماعة بن مهران وعبيد بن زرارة والفضل بن عبد الملك [6] وحمّاد بن عثمان ويعقوب بن سالم الأحمر فكل من ذكرهم ما عدا الموردين المزبورين ينطبق عليهم ما ذكره من العناوين .
 وبما ذكرناه [7] يندفع ما قد يُشكل في المقام بحصول التنافي في كلام الشيخ المفيد إذ في الوقت الذي يمدح رجال السند وفيهم مثل محمد بن سنان بكونهم من الرؤساء الأعلام .. إلى آخر ما ذكره نجده يقول عن محمد بن سنان إنه : " معروف بالضعف واتفقت العصابة على تهمته " ، ويقول أيضاً :
 " محمد بن سنان وهو مطعون فيه لا تختلف العصابة في تهمته وضعفه وما كان هذا سبيله لم يُعمل عليه في الدين " .
 وجه الاندفاع : أن الشيخ لا يريد تطبيق تلك العناوين على جميع رجال السند بل على خصوص الرواة المباشرين في الرواية عن الأئمة (عليهم السلام) فلم يكن الشيخ بصدد توثيق كل من يقع في الطريق إلى أصحاب تلك الروايات مطلقاً .
 وبذلك يظهر أنه لا محلّ لما ذكره المحقق الشيخ محمد من أنه قد ثبت ضعفهم أو اتفقوا على ضعف بعضهم مثل يزيد بن إسحاق الملقّب بشعر فإنه مجهول وإن كان له كتاب ومثل أبي سارة والحسن بن نصر بن قابوس فإنهما مجهولان وعمرو بن شمر الضعيف جداً كما عن النجاشي وأبي جميلة المفضّل بن صالح المتسالم على ضعفه فإنه ناظر إلى مجموع رجال السند وقد عرفت أن نظره إلى خصوص الرواة المباشرين .
 هذا .. والذي يظهر من السيد الخوئي (قده) هو هذا الفهم [8] بدليل أنه استند إلى عبارة المفيد في توثيق أبي الجارود ولم يستند إليها في توثيق عمرو بن شمر المفضّل بن صالح والحسن بن نصر وغيرهم ممن ترجمهم وذكرهم بالضعف ولذلك نراه يلجأ في توثيق من يراه ثقة منهم إلى مثل وروده في كامل الزيارات أو في أسانيد تفسير القمي ومعنى هذا أنه لا يريد أن يفهم توثيق كل من وقع في الطريق إلى أصحاب الكتب وإنما يفهم توثيق الرواة المباشرين عن الأئمة (عليهم السلام) ، وبالبناء على هذا الفهم وهو أمر غير بعيد يندفع إشكال التهافت في كلام المفيد بالنسبة إلى خصوص الرسالة العددية .
 إن قيل : إذا كان الأمر كذلك فكيف يعتمد على الرواية إذا لم يكن يعتمد على الرجال الواقعين في الطريق إليها .
 فإنه يقال : إنه من الممكن افتراض أن الشيخ المفيد يعتمد على أن الرواية واصلة إليه عن طريق كتب الرواة المباشرين فمثلاً يروي عن محمد بن مسلم ما نقله من كتاب محمد بن مسلم نفسه المعلوم الانتساب إليه في ذلك الزمان وحينئذ لا يؤثّر وجود محمد بن سنان في السند حتى لو بنينا على ضعفه ، وكذا يقال في بقية الرواة ، كما أنه من الممكن أيضاً افتراض وجود قرائن متّصلة أورثت للشيخ الوثوق أو الاطمئنان بصدور تلك الرواية .
 يبقى شيء في المقام وهو أن طعنه في محمد بن سنان كما تقدّم ذكر عبارته - قد ينافي توثيقه له في الإرشاد - كما صُرّح بذلك حيث ذكر محمد بن سنان فيه بأنه ممن سمع النصّ على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) وعبّر عنهم بأنهم خواصّ الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته .. إلخ فلم ينحصر إشكال التهافت في خصوص الرسالة العددية حتى ينحلّ بما ذكرناه [9] بل الأمر يطال الإرشاد أيضاً ، ولا بد من نقل عبارته بنصّها لنقف على حقيقة الأمر من اندفاع هذا التهافت هاهنا أيضاً أو ثبوته .. وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى .
 
 
 


[1] من قبيل أنه من الرؤساء الأعلام الذين يؤخذ عنهم الحلال والحرام وأصحاب العلم والورع .. إلخ .
[2] الفهرست ص132 .
[3] هل هو أبو مخلّد أم أبو خالد ، الواسطي أم غيره .
[4] منصوص على وثاقته وله كتاب .
[5] موثّق وله أكثر من كتاب .
[6] وهو البقباق .
[7] أي مِن أن مَن تنطبق عليهم العناوين المذكورة هم الرواة المباشرون عن الأئمة (عليهم السلام) .
[8] أي الرواة المباشرين .
[9] أي من فهم من الرواة المباشرين .