37/05/28


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

ثم إنه قد يعترض على كلا الاشكالين اللذين وجّهناهما لما أفاده الشيخ الأعظم(قده):-

الاعتراض على الاشكال الأوّل:- وهو أنّ نسبة الدليل الثاني إلى الثالث ليست نسبة الأخص إلى الأعم مطلقاً حتى يكون الثاني مخصّصاً للثالث وإنما هي نسبة العموم والخصوص من وجه ، فإنّ الولاية لمصالح العباد قد تجتمع مع الأمر بالمعروف وقد لا تجتمع ، فهي تجتمع كما إذا تصدى للولاية للأمر بالمعروف ، ولا تجتمع كما إذا تصدى للولاية لمصالح العباد في غير مجال الأمر بالمعروف ، وهكذا من هناك فإنّ دليل الأمر بالمعروف قد يجتمع مع الولاية لمصالح العباد كما قد يكون من دون ذلك كأن يأمر بالمعروف وينهى عن النكر ولكن من دون تولٍ ، فالنسبة بين الثاني والثالث هي نسبة العموم والخوص من وجه ، لا أنّ الثاني أخصّ مطلقاً من الثالث حتى يخصّص الثالث كما نحن أوردنا وذكرنا في الاشكال الأوّل على الشيخ الأعظم(قده).

وفي ردّه نقول:- إنّ الشيخ الأعظم(قده) قد أدخل مادّة الاجتماع والمعارضة في الدليل الثاني - أي دليل رجحان الولاية لمصالح العباد - وقال إنّ ذلك فردٌ من أفراد مصالح العباد - أي التولي للأمر بالمعروف بل من أولاها - ، فإذن هو أدخل مورد الاجتماع في الدليل الثاني فصار الدليل الثاني أخصّ حكماً وإن لم يكن أخص بالمعنى الاصطلاحي ، يعني أنّ مادّة الاجتماع دخلت بالتالي في الدليل الثاني فصار الدليل الثاني بمثابة الأخصّ فإنّ الأخص هو الذي يكون الفرد داخلاً فيه وبالتالي يكون مقدّماً على ذلك الدليل الآخر ، فالدليل الثاني أخرج حالة الأمر بالمعروف من الدليل الثالث وأدخلها فيه - أي الدليل الثاني - فثبت رجحان الولاية لأجل الأمر بالمعروف ، فإذن صار الدليل الثاني بمثابة الأخصّ ، فهو أخصّ حكماً وإن لم يكن أخصّ حقيقةً وموضوعاً ، وهذا بحسب اعتراف الشيخ الأعظم وتسليمه ، فنحن حينما نقول إنَّ الثاني أخصّ فهذا حسب ما اعترف به هو من أنّ مورد الاجتماع داخل حتماً في الدليل الثاني ، فإذا كان داخلاً فيه حتماً فيوف يأتي إشكالنا وهو أنه كيف يكون التولي للأمر بالمعروف مستحباً من باب المقدّمة ولكن نفس الأمر بالمعروف الذي هو ذي المقدّمة يكون واجباً ؟ فلابدّ وأن لا يثبت الوجوب للأمر بالمعروف حالة التولي ، وهذا هو ما قلناه سابقاً.

الاعتراض على الاشكال الثاني:- وهو أنه يتم لو لم يكن مقصود الشيخ الأعظم(قده) الاستناد إلى كبرى انقلاب النسبة[1] ، أمّا إذا كان يقصد ذلك فلا يرد هذا الاشكال.

قد يقال:- إنّ الاشكال الثاني الذي أوردناه على الشيخ الأعظم(قده) - وهو أنه لا يمكن أن يكون التولي لمصالح العباد محكوماً بحكمين الاستحباب والوجوب فإن كلا الحكمان هما حكمان مقدّميان لا كما قال الشيخ الأعظم(قده) من أنّ الأوّل من حيث نفسه والثاني مقدّمة - يكون وارداً عليه وصحيحاً إذا لم ندخل كبرى انقلاب النسبة في الحساب ، فيقال له إنه لا يمكن أن يكون التولي لمصالح العباد راجحاً وواجباً معاً لأنّ الرجحان مقدّمي والوجوب مقدّمي أيضاً فلا يمكن ذلك ، أما إذا أدخلنا فكرة انقلاب النسبة فسوف يرتفع الاشكال عنه؛ إذ أولاً نحن خصّصنا الدليل الأوّل - الذي هو دليل حرمة الولاية عن الجار - بالدليل الثاني - الذي هو دليل رجحان التولي لمصالح العباد - فصار التولي لمصالح العباد راجحاً ، وبعد ذلك نلاحظ الدليل الثاني ونخصّصه بالدليل الثالث ، فتصير النتيجة هي أنه يستحب التولي لمصالح العباد إذا لم يكن المورد مورداً للأمر بالمعروف ، وأما إذا صار مورداً للأمر بالمعروف فيجب.

فالاستحباب إذن هو ثابتٌ إذا لم ندخل الدليل الثالث ونجعله مخصّصاً للدليل الثاني ، أمّا بعد أن جعلناه مخصّصاً له فصار الاستحباب في موردٍ والوجوب في موردٍ ثانٍ ، فالاستحباب إذا لم يكن المورد مورد تولٍّ لمصالح العباد من دون أن يكون أمراً بالمعروف ، ويصير واجباً إذا كان التولي مورداً للأمر بالمعروف ، فارتفعت المنافاة بين المطلبين.

وعند مراجعة عبارات الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب نجد أن بعضها قد يتلاءم مع كبرى انقلاب النسبة ، فمثلاً قالما نصّه :- ( ثم دليل الاستحباب أخصّ لا محالة من أدلة التحريم فتخصّص به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم بل لابد من ملاحظة النسبة بينه وبين أدلة وجوب الأمر بالمعروف )[2] ، فهذه العبارة تتلاءم مع كبرى انقلاب النسبة.

ولكن يرد:-

أوّلاً:- هذا يتم إذا فرض أن الدليل الثالث أخص مطلقاً من الدليل الثاني ، فالدليل الثالث يخصّص الثاني وحينئذٍ يخرج مورد الأمر بالمعروف من الدليل الثاني ، ولكن النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه لأنّ التولي لمصالح العباد قد يكون مع الأمر بالمعروف وقد يكون بدونه ، والأمر بالمعروف قد يكون مع التولي لمصالح العباد وقد يمكون من دونه ، فالنسبة هي العموم من وجه لا أنّ الثالث أخصّ مطلقاً من الثاني.

ثانياً:- إذا قلنا بالتخصيص - يعني أنّ مورد التولي للأمر بالعروف يصير واجباً بلا استحباب - فالاستحباب سوف يرتفع والحال أنّ الشيخ الأعظم(قده) يظهر منه أنه يريد أن يقول بأنهما مجتمعان ولكن الاستحباب ذاتي نفسي والوجوب بالعنوان الآخر ، أما لو كانت العملية عملية تخصيص بانقلاب النسبة فالاجتماع بينهما ليس بموجود حتى يحتاج إلى إن يقول إنَّ أحدهما من حيث نفسه والآخر من حيث عنوانٍ عارض.


[1] والمقصود من كبرى انقلاب النسبة باختصار:- إنه يقصد منها أن تكون لدينا أدلة ثلاثة، ونسبة الأوّل إلى الثاني نسبة العموم والخصوص المطلق - يعني أنَّ الثاني أخصّ مطلقاً من الأوّل - ونسبة الثالث إلى الأوّل هي نسبة الأخصّ من وجه، والنسبة بين الثاني والثالث لعلّها نسبة المباينة فلا هذا يخصّص ذاك ولا ذاك يخصّص هذا، وفي مثل هذه الحالة يصير الثاني مخصصاً للأول حتماً لأنه أخصّ منه مطلقاً، ويبقى الكلام إلى الثالث بالنسبة إلى الأوّل، فإذا تغيّرت النسبة بعد تحصيص الأوّل - لأنا قد افترضنا أنّ النسبة في الأوّل هي العموم من وجه - وانقلبت بين الأوّل والثالث فصار الثالث أخصّ مطلقاً من الأوّل - ولكن هذه نسبة جديدة نشأت وطرأت بسبب تخصيص الثاني للأوّل وأمّا إذا أردنا أن نلاحظ النسبة القديمة فهي العموم من وجه كما قلنا - فالسؤال هنا:- وهو أنه وقع كلام بين الأصوليين في أنه هل نلاحظ الثالث مع الأوّل حسب النسبة القديمة بقطع النظر عمّا طرأ من نسبةٍ جديدة وهذا معناه إنكار لانقلاب النسبة كما ذهب إلى ذلك صاحب الكفاية(قده) ؟ أو نلاحظ النسبة الجديدة - المنقلبة إنّ صحّ التعبير - حتى يكون الثالث مخصّصاً للأوّل أيضاً كما ذهب إليه الشيخ النائيني(قده) والسيد الخوئي(قده) حيث ذهبا إلى مراعاة النسبة الجديدة - يعني هما من القائلين بكبرى انقلاب النسبة - ؟.