34-01-26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/01/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 358 ) / إحرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وتقريب دلالتها:- إن الذي يريد أن يأتي بعمرة مفردة سوف يخرج إلى خارج مكة لأجل أن يحرم من أدنى الحلّ والمفروض أن الخروج من مكة لا يجوز لمن اعتمر عمرة التمتع ولمّا يقضي الحج ، وعليه فلا تجوز العمرة المفردة للزوم هذا المحذور المحرّم.
 إن قلت:- إن التنعيم أصبح في زماننا جزءاً من مكة فالخروج إليه لأجل الإحرام لا يعدّ خروجاً من مكة حتى يكون محرّماً وعليه فلا محذور من هذه الناحية في زماننا ، نعم هو ثابت في الزمن القديم حيث كانت مكة صغيرة لم يطرأ عيلها التوسع.
 قلت:- إن المدار عندنا على مكة القديمة وليس على مكة الجديدة ، وعليه فلا يجوز الخروج إلى التنعيم لأنه خارج عن مكة القديمة.
 هذا ما أفاده(قده) في الوجه الثاني على عدم جواز العمرة المفردة بين عمرة التمتع وحج التمتع.
 وفيه:-
 أولاً:- إن هذه الرواية وإن دلت على حرمة الخروج من مكة ولكن لا يبعد أن يستفاد منها أن المحرَّم هو الخروج إلى الأماكن البعيدة عن مكة دون ما يكون قريباً منها كمنى وعرفات والمشعر الحرام ومنه محل كلامنا - أعني التنعيم - والوجه في ذلك هو أن الإمام عليه السلام بعد أن منع من الخروج من مكة أخذ بذكر بعض الأمثلة وقال:- ( إن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق ) فمثّل بهذه الأمثلة الثلاثة التي هي من الأمكنة البعيدة عن مكة فلو كان المنع يعمّ الأماكن القريبة أيضاً لكان من المناسب له أن يمثّل بها باعتبار أنها هي الفرد الخفي أو لا أقل يذكر مثالاً من هذا ومثالاً من ذاك أما أن يذكر جميع الأمثلة من أمثلة البعيد فهذا يدل على أن المنع يختص بالخروج إلى الأماكن البعيدة
 وإذا قلت:- صحيح أن هذه الرواية بقرينة الأمثلة المذكورة يستفاد منها ذلك بيد أن الروايات الأخرى حيث لم يذكر فيها أمثلة فيعود التمسك بالإطلاق فيها بلا مقيّد ومعارض من قبيل صحيحة زرارة حيث جاء فيها ( وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج ) [1] فإنه مطلق وليس هناك أمثلة حتى تكون موجبة للتقييد.
 قلت:- صحيح أن هذه الرواية وما شاكلها مطلق إلا أنه إذا استفدنا من صحيحة حمّاد اختصاص المنع بالأماكن البعيدة فيكون ذلك مقيداً لإطلاق هذه الصحيحة وبالتالي لا يعود لدينا مانع من الخروج إلى التنعيم لأجل النكتة المذكورة - وهي أن المنع من البداية يختص بالخروج إلى الأماكن البعيدة - وهذه قضية تستحق التأمل لأنه لو بنينا على ذلك فسوف تحل لنا بعض المشاكل منها الخروج إلى التنعيم أو إلى منى أو إلى غير ذلك ، وعلى هذا الأساس لا مانع من هذه الناحية بناءً على الاستظهار المذكور.
 ولكن قد لا يقبل البعض مثل هذا الاستظهار ويقول إن هذه الأمثلة ليس إلا من باب المصاديق للخروج ولا يستفاد منها ما ذكر.
 وثانياً:- إنه بنى على أن المدار في الخروج من مكة على مكة القديمة وليس على اسم مكة الذي يختلف سعةً وضيقاً باختلاف الأزمنة فإنه في زماننا قد اتسعت مكة وصار التنعيم جزءاً منها ، وما هو الوجه بالتقيد بخصوص مكة القديمة ؟ إنه لا مستند له في ذلك سوى ما ذكره(قده) في مسألة أن المتمتع إذا عقد إحرامه من مسجد الشجرة مثلاً فيستحب له أن يلبّي في الطريق إلى أن يرى بيوت مكة فيقطع التلبية ، ولكن هل المدار على بيوت مكة القديمة أو الحديثة أيضاً ؟ اختار في هذه المسالة أن المدار على بيوت مكة القديمة وتمسك لذلك بصحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فإن الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن ) [2] فانها قالت ( وحدّ بيوت مكة .... عقبة المدنيين ) فيستفاد من هذا أن المدار في تحديد مكة هو على مكة القديمة من دون خصوصية لهذا الحكم - وهو قطع التلبية - وعلى هذا الأساس بنى على أن التظليل الذي يجوز في مكة يختص بخصوص مكة القديمة أيضاً وهكذا الإحرام للحج الذي يجوز من مكة إنما يجوز من خصوص مكة القديمة وهكذا بقية الآثار المترتبة على عنوان ( مكة ) فإنه يخصص تلك الآثار بخصوص مكة القديمة.
 وحيث أن إرادة هذا المعنى ليست ظاهرة بنحو الجزم - أي أن مكة التي حدّها عقبة المدنيين هي موضوع لجميع الآثار وقد ذكرها الإمام عليه السلام كموضوع لكل الآثار صار(قده) إلى الاحتياط الوجوبي في كل هذه الآثار.
 ولكن استظهار هذا العموم شيء مشكل:- فإن المورد من قبيل العام الذي اكتنف بما يصلح للتخصيص أو للقرينية فإنه يصير مجملاً فيقتصر على القدر المتيقن ، ونحن لا نريد أن نجزم باختصاص هذا التحديد بخصوص مسألة التلبية بل من المحتمل أنه تحديد بلحاظ جميع الآثار ولكن نقول إن المورد من مصاديق المجمل حيث أن الحديث كان عن مسألة التلبية وأن المكلف يقطعها إذا رأى بيوت مكة ثم حدّد الإمام عليه السلام بأن مكة هي عقبة المدنيين وهذا كما يلتئم مع إرادة تحديد مكة بلحاظ جميع الآثار يلتئم أيضاً مع إرادة خصوص مسألة التلبية فاستفادة التعميم يكون شيئاً مشكلاً ، وعليه فبلحاظ بقية الآثار نتمسك بعنوان ( مكة ) من دون مانعٍ خصوصاً إذا التفتنا إلى أن الحجاج في زماننا قد ازدادوا ولعله غداً أو بعده يصير العدد أكثر ومن البعيد - بحدٍّ يحصل الاطمئنان - أن يحدد الشرع الآثار بلحاظ مكة القديمة وإلا فلازمة أن يبقى جميع المتمتعين بعد إكمال عمرة التمتع في مكة القديمة وهذا مشكل إذ أن الظرف لا يسع للمظروف ، فهذا الحكم غير محتمل في حدِّ نفسه - بأن يكون المدار على مكة القديمة -.
 
 وثالثاً:- إنه ذكر لأجل الخلاص من المشكلة التي أشرنا إليها وما شاكلها بأن قال:- إن العزيزية وما شاكلها من المناطق التي يسكن فيها الحجيج في زماننا لا بأس بالخروج إليها بعد عمرة التمتع والمبيت فيها باعتبار أنها من توابع مكة ولا يضر الخروج إلى توابع مكة.
 وقد أشار إلى ذلك فيما سبق في مسألة ( 153 ) ومستنده في ذلك هو العرف فإن من يخرج إلى توابع البلد لا يقال عرفاً أنه قد خرج من البلد ، فلو فرضنا أن النجف في ماننا ينتهي حدّها إلى السيطرة فمن خرج شيئاً يسيرا خارج السيطرة لوجود معملٍ يعمل فيه أو غير ذلك فلا يقال عرفاً أنه خرج من النجف . هكذا أفاد(قده) وبهذا حلّ مشكلة السكن في العزيزية.
 ويمكن التعليق على ذلك:- بأن تلك المنطقة التي هي خارج السيطرة هل صارت جزءاً من النجف أو لا ؟ فإن صارت جزءاً ولو باعتبار قربها فالخروج إليها خروج إلى نفس النجف وليس إلى التوابع ، وأما إذا فرض أنها لم تصر جزءاً من النجف فالخروج إليها يُعَدّ خروجاً عن النجف وعدم عدِّهِ خروج من النجف تسامح عرفي وليس اطلاقاً حقيقياً ، والغريب أنه يعدّ العزيزية من توابع مكة والحال أن مكة القديمة هي ضيقة بكثير والعزيزية بعيدة عنها فكيف يعدها من توابعا ؟!
 وعلى أي حال بعد جعل المدار على مكة القديمة يشكل الخروج إلى العزيزية ، ودعوى أن الخروج إلى تابع الشيء لا يعد خروجاً عن الشيء عهدتها عليه ما دام لا يعدّ ذلك جزءاً من البلد . نعم قد يعدّ ذلك جزءاً فالخروج إليه يكون خروجاً إلى نفس البلد.
 ورابعاً:- لو تنزلنا وسلمنا أن الخروج إلى التنعيم لا يجوز ، ولكن نقول:- إن حرمة الشيء لا تستدعي حرمة ضده الخاص أو حرمة مقارنه فإن الإحرام من التنعيم إما أن يكون ضداً للكون في مكة - أو قُل مقارناً للخروج من مكة - ولا يلزم من حرمة الخروج حرمة كل ما يقارن ذلك الخروج الذي منه الإحرام من التنعيم ولا بأس أن يكون المورد من باب الترتب فيقال ( لا تخرج من مكة فإن خرجت فلا بأس بأن تحرم للعمرة من التنعيم ) إذ أن النهي مطلق عن الخروج والأمر بالعمرة مطلق أيضاً فإذا عصى المكلف الأمر الأول فلا بأس من التكليف بالأمر الثاني بنحو الترتّب . إذن لا يلزم من ذلك بطلان العمرة والمنع منها ، اللهم إلا أن يكون مقصوده المنع من العمرة بنحو يكون الفعل بكامله مباحاً من دون أن يقترن بمحرّم وهذا لا بأس به ولكن الظاهر أنه لا يقصده .
 وعلى أي حال إن حرمة الخروج لا تلازم حرمة كل ما يلازمه.


[1] المصدر السابق ح1.
[2] الوسائل 12 388 43 من أبواب الاحرام ح1.