37/04/06


تحمیل

الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

أمّا بالنسبة إلى الدليل الأوّل - أعني التمسّك بما دلّ على حرمة اللهو -:- فقد أشرنا في محاضرات سابقة في نفس مبحث الغناء تحت عنوان ( هل اللهو بعنوانه محرّم أو لا ) ، أنّه حتى لو فرضنا وجود رواية تامّة السند والدلالة وفيها إطلاقٌ تدلّ على حرمة كلّ لهوٍ من قبيل رواية المجالس التي تقول ( كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر )[1] ولكن رغم هذا يلزم أن نرفع اليد عن دلالتها في العموم ، فإنها تدلّ على أن كلّ ما يلهي كمسك المسبحة أو الجلوس على الانترنيت والتحدّث بأحاديث عبثيّة وغير ذلك يلزم أن يكون هذا من الميسر وهو محرّمٌ وهذا لا يمكن الالتزام به كما هو واضح.

إذن الدائرة الوسيعة من العموم ليست مقصودة ، والدائرة الثانية لا دليل عليها لعدم تعيّنها فنقتصر على القدر المتيقّن الذي هو الغناء فإنّه من مصاديق اللهو الواضحة . هذا خلاصة ما ذكرناه في المحاضرة السابقة.

وهذا يستند إلى قضيّة ينبغي أن تبحث في علم الأصول وهي أنّ العموم على سعته إذا لم يمكن العمل به فهل المصير إلى الدائرة الثانية أو أنّنا نصير إلى الفرد المتيقّن.

والذي نريد أن نقوله:- هو أنه حيث إنّه لا دليل على مرتبةٍ ثانيةٍ متعينةٍ فإنها تحتاج إلى قرينة ولا قرينة عليها فينبغي الاقتصار على القدر المتيقّن وهو مثل الغناء.

إذن مثل هذه الرواية لا يمكن التمسّك بها.

وأمّا بالنسبة إلى الدليل الثاني - أعني حرمة استعمال آلات اللهو -:- فقد تمسّك الشيخ الأعظم(قده)[2] لذلك برواية سماعة حيث قال:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- لما مات آدم شمت به إبليس وقابيل فاجتمعا في الأرض فجعل إبليس وقابيل المعازف والملاهي شماتة بآدم عليه السلام فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به الناس فإنما هو من ذاك )[3] .

وذكر الشيخ(قده) تعليقاً عندما ذكر هذه الرواية وقال:- ( فيه إشارة إلى أنّ المناط هو مطلق التلهّي والتلذّذ )[4] .

ومقصوده بهذا الكلام - يعني من عبارة ( فكلّ ما كان في الأرض من هذا الضرب الذي يتلذّذ به ) - أنّه أراد أن يستفيد أنّ كلّ ما يتلذّذ به يكون حينئذٍ من ذلك الذي جاء به قابيل وإبليس فيكون حراماً ، فاستفاد الشيخ(قده) من هذه الرواية حرمة آلات اللهو.

والإشكال عليه واضح:- فإنّه لا دلالة لها على الحرمة؛ إذ لا يوجد لفظٌ يمكن أن نستفيد منه الحرمة ، اللهم إلا أن تقول إنَّ كلّ ما جعله إبليس يلزم أن يكون محرّماً ، فإن قلنا بهذا فهو مقبولٌ ، ولكن هذه القاعدة لا نعلم بصحتها ، ولكن قل يلزم أن يكون مبغوضاً مثلاً أمّا أن يكون مبغوضاً بدرجة الحرمة فهذا أوّل الكلام.

والأجدر التمسّك لحرمة استعمال آلات اللهو بالدليلين التاليين:-

الأوّل:- الارتكاز ، بالبيان المتقدّم ، فإن المرتكز في أذهان المتشرعة أنّ آلات الموسيقى التي تناسب مجالس الطرب والفسوق والفجور محرّمة ، والارتكاز المذكور مرتكزٌ في أذهان المتشرّعة أعني الفقهاء فيأتي ما ذكرناه سابقاً من أنّه لابد له من منشأ ....... الخ.

إذن نفس الارتكاز الذي تمسّكنا به فيما سبق في موارد متعدّدة والتي منها كلّ ما يثير الشهوة يمكن التمسّك به هنا أيضاً.

الثاني:- إنّ المسألة عامّة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً - والمقصود من كونها عامّة البلوى ليس أنَّ الجميع يستعمل آلات اللهو بل الجميع يريد أن يتعرّف على حكمها ، فهي إذن مسألة تتوق النفوس إلى معرفة حكمها فيلزم أن يكون حكمها واضحاً - فيأتي نفس ما ذكرناه سابقاً في المسائل المتقدّمة ولا نكرّر.

نعم هناك مؤيّدان:-

المؤيد الأوّل:- رواية - أو موثقة - السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله:- أنهاكم عن الزَّفَن والمزمار وعن الكوبات والكَبَرات )[5] ، والزَّفَن فُسّر بالرقص ، ولذلك من يريد أن يحكم بحرمة الرقص يتمسّك بهذه الرواية ، كما فسّر أيضاً باللعب ، وفي الخبر كما ينقل في مجمع البحرين:- ( " كانت تزفّن الحسن عليه السلام " أي ترقّصه كما تفعل الأم بالنسبة إلى طفلها وأصله اللعب والدّف ) ، وفي الصحاح والمصباح والقاموس فسّر الزَّفَن بالرقص ، لكن في مجمع البحرين توجد إضافة حيث قال:- ( الزفن الرقص واللعب وفي الخبر " كانت تزفِّن الحسن عليه السلام " ) [6] ، وهذا ليس محلّ كلامنا ومتى ما وصلنا إلى مبحث الرقص فسوف نتوقّف عنده.

والكوبة فسّرت بالنرد ، وفسّرت ايضاً بالطبل ، والكَبَر - بفتحتين - فسّر بالطبل الذي له وجهٌ واحد وجمعه كِبار مثل جبل وجِبال .

وموضع الشاهد هو قوله عليه السلام:- ( والمزمار ).

وتقريب الدلالة يتوقّف على مقدّمات:-

الأولى:- إنّ الوارد في الرواية التعبير بكلمة ( أنهاكم ) وهي إنشاءٌ فتدلّ على التحريم ، والذي كنا نشكك فيه هو قول ( نهى ) أو ( نهاكم ) وليس ( أنهاكم ) ، فهي إذن ظاهرة في التحريم.

الثانية:- الوارد في الرواية هو المزمار ونتعدّى منه إلى غيره باعتبار عدم احتمال الخصوصيّة للمزمار ، فكلّ ما كان على وزان المزمار وأحسن منه في إخراج الصوت الموسيقي يكون حينئذٍ مشمولاً للرواية.

الثالثة:- لابد وأن يكون المقصود من المزمار ليس كلّ مزمارٍ كمزمار الأطفال فتلك مجرّد آلة يزمّر فيها الطفل للّعب ولعلّ صوتها كريه ، فلابد وأن يكون المقصود من المزمار هو ذلك الذي يكون مناسباً للّهو والطرب الذي يكون في أثناء الغناء وما شاكل ذلك.

الرابعة:- إنّ النهي هو عن المزمار وهذا النهي تعلّق بالذات فلابد من مقدّرٍ وذلك المقدّر هو الأثر البارز ، والأثر البارز هو إمّا هو السماع ، أو الاستعمال ، أو الاثنين معاً ، ولا يبعد أن يكون الأثر البارز هو الاثنين ، فاستعماله وسماعه كلاهما أثران بارزان ، وعلى تقدير الشكّ في أنّ الأثر ما هو هل هو هذا أو ذاك فيحصل علمٌ إجماليٌّ بحرمة أحدهما ، فيثبت تحريمهما من باب العلم الاجمالي لا من باب دلالة الرواية على ذلك ابتداءً ، وبهذا يثبت أن السماع والاستعمال كلاهما محرّمٌ من خلال هذه الرواية إمّا بضمّ فكرة العلم الاجمالي أو من دون حاجةٍ إلى ذلك.

وقلنا وإنَّ كان موردها خاصاً بالمزمار ولكن العرف يلغي الخصوصيّة من هذه الناحية ويتعدّى إلى كلّ وسائل اللهو التي من هذا القبيل.

إذن دلالة الرواية جيّدة ، فلماذا نعدها مؤيدة وليست دليلاً ؟ ذلك باعتبار أنّ السند هكذا ( الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السوني ) ، فإن بنينا على وثاقة النوفلي فسوف تصير حينئذٍ موثقة ودليلاً ، وأمّا إذا لم نبنِ على وثاقته فحينئذٍ سوف تصير مؤيداً ، وحيث إنّا فيما سبق ملنا إلى عدم وثاقته فلذلك تصلح أن تكون مؤيداً.

الرواية الثانية:- رواية أبي الربيع الشامي:- ( سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الخمر فقال:- قال رسول الله صلى الله عليه وآله إنّ الله عزّ وجلّ بعثني رحمةً للعالمين ولأمحق المعازف والمزامير وأمور الجاهلية والأوثان )[7] ، إنّه قد يستدلّ بهذه الرواية بتقريب أنّه صلى الله عليه وآله بعث ليمحق المعازف والمزامير وهذا يدلّ على تحريم هذين الأمرين.

ولكن يمكن أن يقال:- إنّه حتى لو تمّ سندها يمكن أن يقال هي لا دلالة لها على التحريم ، لأنّه بعث ليمحق هذه الأمور ، ومحقّ هذه الأمور لا يلازم أن تكون هذه الأمور محرّمة ، فلعلّها مبغوضة لكن لا بدرجة الحرمة.

وقد يقال أيضاً:- سلّمنا أنّه صلى الله عليه وآله بعث ليمحقها يعني أنَّ أيجادها محرّم ، أمّا أنّ استعمالها وسماعها محرّمٌ فهنا لا توجد ملازمة في ذلك.

إذن دلالة الرواية ليست واضحة من هذه الناحية ، ولذلك غاية ما يمكن هو عدّها مؤيدةً لا أنها دليلاً على الحرمة.

إذن الدليل المهم هو الارتكاز وكون المسألة عامّة البلوى.

وعلى هذا الأساس نقول:- هل كلّ موسيقى محرّمة أو بعض أنحائها ؟

والجواب:- يمكن أن نقول إنّ القدر المتيقّن هو الموسيقى الموجبة للطرب التي تكون مع الغناء ، أما إذا كانت الموسيقى عسكرية مثلاً أو مع النشيد فهذه قد لا تكون مطربةً ويمكن أن يقال بأنها ليست مشمولةً لذلك الارتكاز ، يعني نحن نشكّ هل هي مشمولة لذلك الارتكاز ولكون المسألة عامّة البلوى أو لا ؟ فيمكن الحكم بحلّيتها من باب التمسّك بأصل البراءة حيث لا دليل . نعم قد يحتاط الفقيه في ذلك من باب التحفّظ.

وهل يفرّق بين استعمالها وبين الاستماع إليها فيقال إنّ استعمالها حرامٌ مطلقاُ وأما سماعها فهو محرّم إذا كان موجباً للطرب - ولعلّ الموجود في بعض العبائر هو ( استعمال آلات اللهو بأيّ شكلٍ من الأشكال لا يجوز ) - ؟

والجواب:- اتضح من خلال ما ذكرناه أنّ المستند مادام هو أحد هذين الأمرين فحينئذٍ القدر المتيقّن منه هو الاستعمال الطربي لا مطلق الاستعمال ، كما أنّ المحرّم هو السماع الطربي لا مطلق السماع.

نعم من استند إلى مثل رواية السكوني التي تقول:- ( أنهاكم عن المزمار ) ، أو يقدّر كلمة ( استعمال ) فيتمسّك حينئذٍ بالإطلاق آنذاك ، أمّا إذا كان المستند المهم كما صنعنا نحن فالتفرقة المذكورة لا وجه لها.

إذن المدار في الموسيقى وفي استعمال الآلات على ما كان مشابهاً ومناسباً لمجالس اللهو والطرب فذلك هو المحرّم ، وأمّا ما لم يكن كذلك فلا دليل على تحريمه فيتمسّك بأصل البراءة.