37/03/24


تحمیل

الموضـوع:- الغناء في الأعراس - مسألة ( 17 ) حكم الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وهكذا الحال بالنسبة إلى المحرّم الثاني الذي ذكروه - أعني دخول الرجال - فإنّه لو دخل الرجال على النساء كان ذلك محرّماً آخر لا ربط له بنفس الغناء ، فنفس الغناء لا يصير محرّماً وإنما المحرّم ما قارنه.

ونفس الشيء نقوله بالنسبة إلى آلات اللهو ، فإنّ نفس الغناء لا يصير محرّماً بل استعمال الآلات يصير محرّماً ، فإنّ استعمال الآلات هو بنفسة من المحرّمات لا أنّ الغناء يصير محرّماً.

ولعلّه من هنا أشكل صاحب الجواهر(قده) بقوله:- ( لكن فيه أنّ ذلك كلّه محرّماتٌ خارجة عنه لا مدخلية لها فيه )[1] ، وأنا أوضحت وقلت من المناسب أنهم لا يقولوا ( يحرم نفس الغناء إذا اقترن بهذه الأمور ) بل المناسب أن يقولوا ( لا تجوز هذه الأمور ) لا أنّ الغناء لا يجوز . وهذا إشكالٌ فنّيٌ وجيه.

وإذا أمكننا أن ندفع الإشكال بلحاظ الأوّلين - أعني الكلام بالباطل ودخول الرجال - لكنه يصعب علينا أن ندفعه بلحاظ الثالث - أعني استعمال آلات الموسيقى -:-

أمّا أنه قد يمكن دفعه بلحاظ الأوّل:- فذلك بتوجيه أنّ الغناء ما هو ؟ هل هو نفس الكيفية المطربة أو هو الكلام ذو الكيفيّة الطربيّة ؟ فإذا قلنا هو نفس الكيفيّة بقطع النظر عن الكلام فالإشكال يكون تامّاً ووارداً ولا مخلص منه ، ولكن لا يبعد أن نقول إنّ الغناء هو الثاني - أعني الكلام ذا الكيفية الطربية - ، وإذا قبلنا بهذا وهو ليس ببعيد فسوف يصير ما ذكروه وجيهاً وفنّياً ولا إشكال فيه ، إذ يصير التقدير هكذا:- ( الغناء في الأعراس جائزٌ ) - يعني أنَّ الكلام الذي له كيفية باطلة ولهوية في خصوص الأعراس يجوز لكن بشرط أن لا يكون كلاماً بالباطل وإلّا صار نفس الكلام محرّماً - ، ولكن هذا موقوفٌ على أن نفسّر الغناء بالكلام الذي له كيفية طربية وقد قلت إنَّ هذا ليس ببعيد . إذن الإشكال على هذا التقدير ريما يمكن دفعه.

وأمّا أنَّه يمكن دفعه بلحاظ الثاني:- فباعتبار أنَّ صحيحة أبي بصير قالت:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- أجر المغنّية التي تزفّ العرائس ليس به بأسٌ وليست بالتي يدخل عليها الرجال ) ، فهنا نفهم أنّ المغنّية التي تزف العرائس لا بأس بأجرها ولكن شريطة أن لا يدخل عليها الرجال ، وأمّا إذا دخل الرجال فيصير المفهوم هو أنّ في كسبها بأسٌ ، وثبوت البأس في كسبها يفهم منه حرمة نفس الغناء ، وعلى هذا الأساس يصير التعبير وجيهاً باعتبار ما أشرت إليه في الرواية.

إذن على الأوّل والثاني ربما يمكن أن نقول إنَّ التعبير فنّي ولا يوجد عليه إشكال.

وأمّا أنّه يبقى الإشكال على الثالث ويصعب دفعه:- فذلك باعتبار أنّه لا يوجد في رواية أبي بصير بنقولها الثلاثة تعبير ( لا يجوز ، أو لا ينبغي أن لا تستعمل آلات اللهو ) بل روايته الأولى ورد فيها:- ( أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال ) ، والثانية ورد فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كسب المغنّيات ، فقال:- التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تُدعى إلى الأعراس ليس به بأسٌ وهو قول الله عزّ وجلّ " ومن الناس من يشتري لهو الحديث .. " ) ، والرواية الثالثة قالت:- ( المغنّية التي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها ).

فآلات إذن لم يشترط عدمها في هذه الرايات حتى نستفيد من التعبير أنّه إذا كانت هناك آلات لهو - كما في دخول الرجال - فيصير حينئذٍ البأس ثابتاً ، فالمحاولة التي ذكرناها في الثاني لا تأتي هنا لما أشرت من هذه النكتة الفارقة ، وهذا شيءٌ ظريفٌ يجدر الالتفات إليه.

ولكن نبقى نؤكد على أنّ الإشكال هو فنيٌّ تعبيريٌّ.

وإذا أردنا أن نعبّر فلابد وأن نغيّر التعبير فنقول:- ( لا بأس بالغناء في الأعراس للنساء ولكن يحرم آلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل ) ، فننسب الحرمة إلى استعمال آلات اللهو وليس إلى الغناء .

الأمر الثاني:- ذكر من جملة شرائط جواز الغناء في الأعراس عدم سماع الرجال صوت المغنّية إذا كان مثيراً.

وهذا شرطٌ وجيهٌ.

ولكن الذي نريد أن نقوله:- هو أنّ الذي يحرم هو أنّ المغنّية تُسِمعُ صوتها وغناءها بأن نفترض أنها تزفّ العروس في الشوارع وتغنّي أو تغنّي في مكبّرة الصوت ، فهنا صار إِسماعٌ ، فهي أسمعت الرجال صوتها وهذا نتمكن أن نقول إذا كان مثيراً فهو محرّمٌ ولكن المحرّم هو الإسماع ، أمّا إذا فرض أنّ المغنّية والنساء والعروس كُنَّ في حجرةٍ داخل البيت ويغنّين بصوت خفيّ وجاء رجل وأخذ يسمع وحصلت له إثارة فهنا هل يحرم على المغنّية ذلك أو أنّ الحرام عليه فقط ؟

والجواب:- قد يفهم من عبارة السيد الماتن(قده) أنّه إذا سمع الرجل - إذا كان يثار بذلك - فيحرم الغناء.

ونحن نقول:- المناسب أن يقال هو يحرم إذا قصدت المغنّية الإسماع ، كما إذا كان غناءها في مكبّر الصوت أو في الشوارع ، أمّا أن الرجل هو الذي يسمع فهذا لا يحرم ، ونصّ عبارة السيد الماتن(قده) هو:- ( ويستثنى منه غناء النساء في الأعراس إذا لم يضمّ إليه محرّم آخر من الضرب بالطبل والتكلّم بالباطل ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهن على نحوٍ يوجب تهييج الشهوة وإلا حرم ذلك ) ، فإنّ ظاهر هذه العبارة أنّ الرجل إذا دخل وسمع فسوف يصير الغناء محرّماً ، فالعبارة توحي بأنّ نفس سماعه يوجب الحرمة والحال أنّ إسماع المرأة صوتها للرجال هو الذي يوجب الحرمة ، وهذه قضيّة فنيّة يجدر الالتفات إليها.

ولعلّه يقال:- إنّ السيد الماتن(قده) يريد أن يقول إنّه إذا دخل الرجال فسوف يصير الغناء حراماً ، ولكن أيّ دخولٍ هو الموجب للتحريم ؟ هل هو الدخول مع عدم السماع كما لو أغلق الرجل أذنه بشيءٍ ولم يسمع أو الدخول المقيّد بأن يسمع ؟ إنّه يريد أن يقول هو الدخول المقيّد بأنّ يسمع وإن لم تقصد هي إسماعه ، فكأنّ الدخول لم يؤخذ بنحو الموضوعيّة وإنما أخذ بنحو الطريقيّة إلى سماع الرجل أو المجموع المركّب ، فالسماع في هذا المورد - يعني دخول الرجال المقترن بسماعهم - يكون موجباً لتحريم الغناء . وإذا كان هذا مقصوده فلا بأس به.

ولكن الذي يجدر الإشارة إليه:- هو أنّ صوت المرأة هل هو عورة أو ليس بعورة ؟ فهل يجوز للرجل سماعة - أو استماعه - أو لا - وواضحٌ أنّ هذا إذا لم يكن مثيراً ، أمّا إذا كان مثيراً فهو يحرم من جنبة الإثارة أمّا إذا لم يكن مثيراً فسماع صوتها حرام أو لا - ؟

قد تعرض بعض الفقهاء لهذه مسألة منهم المحقّق(قده) في الشرائع حيث قال:- ( الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية لأنّه عورة ) ، فظاهر كلامه أنه لا يجوز التحدّث مع المرأة - غير العجائز - لأنّ ذلك يوجب سماع صوتها وصوتها عورة وهو لا يجوز وإن كان بغير لذّةٍ لأنّه(قده) لم يقيّد بكونه مع اللذّة فظاهره أنّه حرامٌ ولو من دون لذّة.

وقال في جامع المقاصد:- ( والمراد من عدم دخول الرجال عليها عدم سماعهم صوتها[2] للقطع بالتحريم وإن لم يدخلوا عليها وذلك إذا كانوا أجانب ويحتمل العموم[3] لإطلاق النصّ[4] )[5] ، وشاهدنا هو أنه قال ( للقطع بالتحريم ) يعني إذا سمع الرجال صوتها وإن لم يدخلوا عليها ، فهذ العبارة يمكن أن يفهم منها أنّ القطع بالتحريم ليس في حالة العرس بالخصوص وإنما القطع بالتحريم من باب أنّ هذا صوت امرأةٍ أجنبيّةٍ وهو لا يجوز.

ونسب النراقي(قده)[6] الحرمة إلى جماعةٍ مع عدم الضرورة ، ونسب في الحدائق[7] ذلك إلى المشهور بين الأصحاب[8] .

إذن المسالة من حيث الفتوى الفقهية محلّ القال والقيل وليست واضحة في الجواز ولا في الحرمة ، فالرأي في الحرمة موجودٌ.

والمناسب الجواز ولو من غير ضرورة ، ولكن بشرط عدم التلذّذ والإثارة - وهذا شرطٌ عامٌّ ولكن قد نغفل عن ذكره -.


[2] وهذا يؤيد ما ذكرناه أخيراً من ان دخول الرجال ليس مأخوذاً بنحو الموضوعية وإنما هو مأخذ بنحو الطريقية إلى سماع الصوت فإذا حصل سماع الصوت حرم.
[3] أي حتى لو لم يكن أجانب كالأخ.
[4] لأن الرواية فيها إطلاق حيث قالت ( وليست بالتي يدخل عليها الرجال ) ولم يقيد بالرجال الأجانب.
[8] يعني قال إنّ الشهور بين الأصحاب هو حرمة سماع صوت المرأة الأجنبية من دون ضرورة إلى ذلك.