37/03/02


تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 24.
البحث الرابع: الذي ينبغي بحثة في مسألة التسليم يقع في تساوي الصغير والكبير في التسليم وعدم تساويهما, فهل يدفع المد إلى الصغير والكبير ولا فرق بينهما؟؟ أم لا؟
الظاهر تساوي الصغير والكبير في باب التسليم فيجوز اعطاء الصغار كالكبار مداً واحداً, والدليل على ذلك هو اطلاق الادلة فأن مقتضى الاطلاق تساوي الصغار والكبار فالأدلة تقول يجب التصدق على ستين مسكيناً أو اطعم ستين مسكين (الاطعام بمعناه العام الشامل للتسليم) أو اعطي ستين مسكيناً فالمأخوذ في الادلة هو المسكين وهو يشمل كل من الصغير والكبير ويصدق على كل منهما بلا اشكال هذا هو مقتضى اطلاق الادلة وهذا هو عمدة الادلة على تساوي الكبار والصغار في باب التسليم.
استدل السيد الحكيم (قد) في المستمسك _ وتبعه غيره_ مضافاً إلى الاطلاق بصحيحة يونس بن عبد الرحمن( عن أبي الحسن ( عليه السلام )، قال : سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين، أيعطي الصغار والكبار سواء والنساء والرجال، أو يفضل الكبار على الصغار، والرجال على النساء ؟ فقال : كلهم سواء . الحديث)[1]
والرواية تامة سنداً لأنها يرويها الشيخ الطوسي في التهذيب بأسناده عن يونس بن عبدالرحمن وسنده إليه تام.
وهي من حيث الدلالة صريحة في التساوي بين الصغار والكبار والنساء والرجال وسندها تام لكن المشكلة التي تواجهنا في الرواية أن هذه الرواية فيها نسختان كما تقدمت الاشارة إلى ذلك فالموجود في الوسائل نقلاً عن التهذيب وهكذا الموجود في الاستبصار المطبوع هو (أيعطي الصغار والكبار سواء والنساء والرجال) واستدلال السيد الحكيم (قد) مبني على هذه النسخة وتقدم سابقاً من أن الاعطاء لا يخلو من الظهور في التسليم لا في الاشباع فتكون ناظرة إلى التسليم الذي هو محل الكلام وحينئذ يمكن الاستدلال بها في محل الكلام على التساوي لكن الموجود في التهذيب المطبوع وغيره هو (ايطعم الصغار والكبار) وهذه النسخة وان لم نقل بأنها متعينة في مسألة الاشباع التي هي خارجة عن محل كلامنا لكن يحتمل أن تكون ناظرة إلى الاشباع وحينئذ قد يستشكل في الاستدلال بالرواية بناءً على أن النسخة هي (ايطعم).
قد يقال بأنه لا وجه للاستشكال لأنه تقدم سابقاً بأن الاطعام كما يصدق على الاشباع يصدق على التسليم ايضاً لأنه في كل منهما يصدق عليه أنه اطعم ستين مسكيناً وحينئذ لماذا لا نتمسك بأطلاق الرواية ولا اقل من الاطلاق الناشئ من سكوت الامام عليه السلام وعدم تفصيله بين الحالتين على أن هذا الحكم المذكور فيها شامل لكلتا الحالتين فمن المحتمل أن يكون مقصود السائل هو الاشباع ومن المحتمل أن يكون مقصوده التسليم فعدم الاستفصال في مقام الجواب قد يكون فيه اطلاق يشمل كلتا الحالتين وحينئذ يصح الاستدلال بالرواية في محل الكلام.
لكنه في نفس الوقت ايضاً تكون دليلاً على التساوي بين الصغار والكبار والرجال والنساء في مسألة الاشباع وحينئذ تكون داخلة في الادلة المتقدمة للإشباع والنتيجة التي وصلنا اليها وهي أنه في حالة الاجتماع لابد من دفع المقدار الذي يدفعه إلى الكبير يدفعه إلى الصغير وانه في حالة الافتراق لابد أن يحسب كل صغيرين بكبير وحينئذ تكون هذه الرواية معارضة لتلك النتيجة عند شمولها للإشباع لأنها سوف تكون دليلاً على تساوي الصغير والكبير ومقتضى اطلاقها هو تساويهما سواء اجتمعا أو افترقا, وحينئذ يقال بأن استبعاد التساوي بلحاظ الادلة السابقة قد يكون قرينة على أن هذه الرواية ناظرة إلى مسألة التسليم, وعلى كل حال الظاهر _والله العالم_ أن الاستدلال بهذه الرواية يمكن أما على نسخة ايعطي فأن الاستدلال بها يكون واضحاً وإما على نسخة ايطعم فلما قلناه من أن اطعام المساكين المفروض أن يكون اعم من الاشباع والتسليم فيدل على التساوي في باب التسليم, أما دلالتها على التساوي في باب الاشباع فأنه بناءً على الروايات السابقة لابد من تقييده بصورة الاجتماع فإذا اكل الصغير نصف ما اكله الكبير لابد من اعطائه النصف الاخر وهذا موافقاً للنتيجة المتقدمة في حال اجتماعهم.
والظاهر أن لا خلاف في التساوي في باب التسليم.
قال الماتن
(نعم إذا كان للفقير عيال متعددون ولو كانوا أطفالا صغارا يجوز اعطاؤه بعدد الجميع لكل واحد مدا( يستظهر من هذه العبارة جواز اعطاء الفقير المعيل بقدر عدد عياله سواء كان وكيلاً عنهم أو لم يكن وكيلاً عنهم اذا كانوا كباراً وسواء كان ولياً عليهم أو لم يكن ولياً عليهم اذا كانوا صغاراً.
ولكن من الواضح أن هذا الكلام ليس تاماً على اطلاقه وذلك بأعتبار أن الاعطاء للمعيل على عدد عياله إنما يحتسب ويصدق أنه اطعم ستين مسكيناً في خصوص ما اذا كان وكيلاً عن الكبار اذا كانوا كباراً وولياً عن الصغار اذا كانوا صغاراً لكي يصدق أن الدفع للمساكين الستين لأن دفع المد إلى الوكيل كدفعه إلى الموكِل ودفعه إلى الولي كدفعه إلى الصغير وقبض الوكيل قبض الموكِل وقبض الولي قبض المولى عليه فحينئذ يصدق أنه دفعه إلى ستين مسكيناً فيكون مبرءاً لذمته أما اذا كان اصل القبض ليس صحيحاً لأنه ليس وكيلاً عنهم ولا ولياً عليهم فلا تبرأ الذمة, ولعل ما ذكرنا هو مقصود السيد الماتن أي اذا كان المعيل وكيلاً عن الكبار وولياً على الصغار فلا يرد عليه الاشكال.
إلى هنا ينتهي الكلام عن البحث الرابع في المقام وتبقى بعض المسائل المتفرقة التي تظهر من خلال مطالعة المتن.
قال الماتن
مسألة 24 : (مصرف كفارة الاطعام الفقراء) ذكرنا أن مقتضى الاحتياط الاقتصار على المسكين الذي هو اجهد من الفقير بأعتبار أن الادلة كلها مجمعة على التعبير عنه بالمسكين.

( إما باشباعهم وإما بالتسليم إليهم كل واحد مدا) وهذا صحيح على ما تقدم. ( والأحوط مدان .( احتياط استحبابي ولا بأس به بأعتبار وجود قائل بذلك كالشيخ الطوسي ومن تبعه, وقد حملنا الزيادة على المد في مقابل ما يذهب في طبخه وخبزه وغير ذلك, وكما ورد في زيادة حفنة ويمكن زيادة ذلك إلى ما هو اكثر من حفنة وهو المدان ويكون المد الثاني استحبابياً ولا ضير في ذلك.
(من حنطة أو شعير أو أرز أو خبز أو نحو ذلك) والكلام في هذه العبارة يقع في أنه هل يمكن تعميم المقدار الذي يعطى لجميع انواع الطعام؟ أم هناك طعام معين محدود لابد من دفعه في باب الكفارات؟؟ فالذي يظهر من السيد الماتن عدم وجود شيء معين.
وفي البداية لابد أن نذكر مقتضى اطلاق الادلة الواردة في المقام والتي تأمر بإطعام ستين مسكيناً, فمقتضى اطلاقها هو عدم الفرق بين انواع الطعام فكل ما يصدق عليه أنه طعام يكون مجزياً عند الاشباع, كما أنه اذا دفع مقدار مد لستين مسكيناً ليأكلوه فأنه يصدق عليه أنه اطعم ستين مسكيناً من أي نوع من الطعام كان ذلك المدفوع اليهم, ولا يوجد ما يشير في ادلة المقام _ كفارة افطار شهر رمضان عمداً _ إلى اختصاص المدفوع بنوع معين من الطعام, إذن مقتضى اطلاق الادلة في المقام هو عدم الفرق بين انواع الطعام في محل الكلام وهناك دعوى الاجماع على ذلك كما نقل ذلك عن الشيخ الطوسي في الخلاف, نعم في بعض كتب اهل اللغة _مصباح المنير_ يذكر أن الطعام يختص بالحنطة ويقول أن الطعام عند اهل الحجاز يراد به خصوص الحنطة وسُمع بعضهم يقول (ليس عندي طعام ولا شعير) ومقصوده من الطعام الحنطة, وقد يقال بأنه بما أن محل صدور الروايات هو الحجاز فحينئذ لا يكون شمول هذه الروايات لغير الحنطة واضحاً فيقتصر على الحنطة ولابد من دفعها لأن الوارد في الادلة هو الاطعام وهو مشتق من الطعام واذا كان الطعام يراد به خصوص الحنطة فالإطعام ايضاً يكون المقصود به اشباعهم من الحنطة أو دفع الحنطة اليهم.
ولكن الظاهر أن ما ذكرنا لا يمنع من التسمك بالإطلاق لأثبات جواز دفع كل نوع من انواع الطعام ما دام يصدق عليه أنه اطعام وذلك بأعتبار أن المذكور في الروايات هو الاطعام والمذكور في مصباح المنير _الذي يقول بأنه مختص بالحنطة_ هو الطعام وفرق ما بين الطعام والاطعام فليس هناك قاعدة تقتضي الاتحاد في المعنى وهذا نظير ما يقال في اية الخمس (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى........)[2]
حيث قيل بأن الغنيمة ظاهرة في الغنيمة الحربية فلا تشمل مطلق الفائدة والآية تقول (أَنَّمَا غَنِمْتُمْ) فتختص الآية بخصوص دار الحرب, _ وهذا الكلام بغض النظر عن سياق الآية ونزولها _وكان الجواب هو لو سلمنا أن الغنيمة ظاهرة في الغنيمة الحربية لكن لا مانع من أن تكون غنمتم أوسع من ذلك فتكون غنمتم بمعنى استفدتم وحينئذ لا داعي لتخصيص الآية بغنيمة الحرب بل تشمل مطلق الفائدة وما نحن فيه من هذا القبيل فليكن الطعام مختصاً بالحنطة لكن الاطعام يكون شاملاً لكل نوع من انواع الطعام ويدل على ذلك.
اولاً: أن اصل المسألة واضحة جداً ولا احتمال في اختصاص الاطعام في ادلة المقام بخصوص الحنطة, ويمكن الجزم بعدم ذلك.
ثانياً: إن الاتفاق والاجماع قائم على جواز دفع الشعير ولا يستشكل فيه احد وهذا معناه أن القضية غير محددة بالحنطة.
ثالثاً: ذكرت بعض الروايات دفع التمر ككفارة كما في قضية الذي دخل على الرسول صلى الله عليه واله واعطاه مكتل فيه تمر ليتصدق به. هذا من جهة.
وقد يقال في المقام في قبال هذا القول الصحيح والمشهور والمعروف وهو عدم الفرق بين انواع الطعام قد يقال بالتفصيل بين انواع الكفارات _ وان كان هذا البحث ليس له ثمرة عملية في محل كلامنا_ والتفصيل يقول بأننا نفصل بين كفارة اليمين فلا يجزي فيها مطلق الطعام بل يتحدد خصوص الطعام الذي يطعم به اهله وبين سائر الكفارات فيجزي فيه مطلق الطعام وقد اختار هذا التفصيل بعض فقهائنا والتزم به ونسب إلى الشيخ ابن ادريس الحلي وكذلك العلامة الحلي, والوجه في هذا التفصيل هو أنه في سائر الكفارات غير كفارة اليمين يتمسك بأطلاق الادلة القائلة بالإطعام وهو يصدق على كل طعام ولا يختص بطعام معين, أما في خصوص كفارة اليمين فيقال بأن ادلة كفارة اليمين تقيّد الطعام بأن يكون من نوع خاص وهو مما يطعم به اهله, وقالوا أن الدليل على تخصيص الطعام في كفارة اليمين هو الآية الشريفة (....وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ......)[3]
فالآية تقول (أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) والظاهر الاولي للآية أن هذه الوسطية هي وسطية في جنس المطعوم, وهناك روايات تذكر بعض المصاديق لأوسط ما تطعمون اهليكم كما في رواية الحلبي( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في كفارة اليمين، يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة، أو مد من دقيق وحفنة، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، وهو في ذلك بالخيار، أيّ ذلك شاء صنع (1)، فان لم يقدر على واحدة من الثلاث، فالصيام عليه ثلاثة أيام .)[4]
وكأن الرواية خصصت ما يدفع إلى المسكين في كفارة اليمين بمد من الحنطة أو مد من الدقيق.
صحيحة أبي حمزة الثمّالي ( قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عمن قال : والله، ثمّ لم يف ؟ فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : كفارته إطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة، ( أو كسوتهم )، أو تحرير رقبة، أو صوم ثلاثة أيام متوالية إذا لم يجد شيئا من ذا .)[5]
فيقال بأن الحنطة والدقيق إنما ذكرت كأمثلة لأوسط ما تطعمون اهليكم.