37/03/09


تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 24.
قال الماتن
(ولا يكفي في كفارة واحدة اشباع شخص واحد مرتين أو أزيد أو اعطاؤه مدين أو أزيد بل لا بد من ستين نفسا . نعم إذا كان للفقير عيال متعددون ولو كانوا أطفالا صغارا يجوز اعطاؤه بعدد الجميع لكل واحد مدا(
مسألة عدم جواز صرف الكفار إلى ما دون العدد الخاص في تلك الكفارة سواء كانت الكفارة في محل الكلام التي هي ستين مسكيناً أو كفارة اليمين التي هي اطعام عشرة مساكين ينبغي أن تكون من الواضحات بأعتبار أن الدليل دل على وجوب اطعام ستين مسكيناً وهو لا يصدق على اطعام شخص واحد ستين مرة أو دفع ستين مداً لشخص واحد سواء كان ذلك دفعة واحدة كما لو كان ذلك في التسليم أو يدفع إليه في كل يوم مداً, فأنه لا يصدق على ذلك اطعام ستين مسكيناً أو عشرة مساكين, واذا شككنا في هذا والوضوح فهناك رواية يفهم منها ذلك (أي عدم جواز صرف الكفارة إلى ما دون العدد) والرواية هي موثقة إسحاق بن عمّار (قال : سألت أبا إبراهيم ( عليه السلام ) عن إطعام عشرة مساكين، أو إطعام ستين مسكيناً، أيجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه ؟ قال : لا، ولكن يعطي إنسانا إنسانا كما قال الله تعالى، قلت : فيعطيه الرجل قرابته إن كانوا محتاجين ؟ قال : نعم . الحديث)[1] والرواية معتبرة سنداً , وهي واضحة في أن يكون الدفع إلى تمام العدد (إنسانا إنساناً), وحينئذ يجب على المكلف اكمال العدد ولا يجوز الصرف إلى ما دون العدد, ولا يجوز ذلك حتى وان راعى العدد في الدفع كما لو دفع إلى مسكين واحد ستين مداً في ستين يوماً فضلاً عما لو دفعه إليه في يوم واحد دفعة واحدة, خلافاً للمنقول عن ابي حنيفة حيث جوز الدفع إلى واحد في ستين يوماً, نعم ظاهره المنع من أن يدفع إليه ستين مداً دفعة واحدة وفي يوم واحد.
لكن مقتضى الادلة هو المنع من كل منهما فالاقتصار على ما دون العدد غير جائر, وهذا الكلام كله اذا تمكن من العدد, والكلام يقع مع تعذر ذلك أي تعذر الحصول على ستين مسكيناً, والسيد الماتن لم يتعرض لهذه المسألة لكنه محررة في كلماتهم فالمنقول عن الشيخ الطوسي في الخلاف الاتفاق على جواز التكرار على ما تمكن منه, اختار ذلك (التكرار في صورة التعذر) المحقق في الشرائع صريحاً وصرح اكثر من واحد ومنهم الشيخ صاحب الجواهر بأنه لم يقف على مخالف صريح معتد به, واستدل على هذا الكلام برواية السكوني (عن أبي عبدالله ( عليه السلام )، قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فيكرر عليهم حتى يستكمل العشرة، يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غدا)[2]
والرواية معتبرة سنداً بحسب ما نرى بناءً على وثاقة النوفلي, وهي تامة ظاهراً من حيث الدلالة ايضاً وهي تدل على أن المكلف اذا لم يجد عشرة مساكين في كفارة اليمين ووجد مسكيناً واحداً أو مسكينين يجب عليه أن يكرر تمام العشرة امداد التي تجب عليه في كفارة اليمين, فإذا كان رجلاً واحداً يعطيه عشرة امداد واذا كانا رجلين يعطي كل واحد منهم خمسة امداد, والشيء الوحيد في هذه الرواية هو انها واردة في كفارة اليمين وحينئذ يكون التعدي منها إلى محل الكلام على ما تقدم مراراً إما أن يكون بإلغاء الخصوصية بدعوى عدم احتمال خصوصية لكفارة اليمين من هذه الجهة(الاطعام عند تعذر الحصول على العدد ووجوب التكرار) وإما بدعوى عدم الفصل, أما بالنسبة إلى عدم الفصل فهو يتوقف دائماً على اثبات عدم الفصل ولا يكفي مجرد عدم القول بالفصل, أما مع اثبات عدم الفصل فيمكن القول بأن الدليل الوارد في كفارة اليمين بضميمة عدم الفصل نتعدى منه إلى محل الكلام, والظاهر أن اثبات عدم الفصل لا يخلو من صعوبة بعد وضوح أن الكفارات تختلف في كثير من الخصوصيات على نحو يصعب جداً الجزم بعدم الفصل واثباته, نعم الطريق الاخر للتعدي (مسألة الغاء الخصوصية) يمكن تقريبه وذلك بأعتبار أن الواضح من سياق الرواية انها ناظرة إلى مسألة الاطعام عندما يتعذر العدد المعتبر فيه هذا اولاً وثانياً أن الغرض من تشريع الكفارة هو سد حاجة المحتاجين واشباع الجائعين مضافاً إلى اغراض اخرى من التشريع منها مسألة العقوبة وتنبيه الفاعل, وحينئذ لا داعي لتفويت هذا الغرض عندما يكون العدد الذي حصّل عليه خمسين مسكيناً بدلاً من الستين, فلا داعي لتفويت الغرض واسقاط وجوب الدفع عنه اليهم, فأن الأمر يدور بين أن يكرر عليهم وبين أن يسقط عنه التكليف وينتظر فرضة يتوفر فيها تمام العدد ويطعمهم ويشبعهم, فهذا كأنه بعيد عن الغرض الذي شُرعت لأجله هذه الكفارة, وعلى كل حال فإلغاء الخصوصية محتمل في هذه الرواية ومن هنا لا يبعد التعدي من هذه الرواية إلى محل الكلام, كما أن الملاحظ في رواية اسحاق أنها جمعت بين الكفارتين (أي بين اطعام عشرة مساكين وبين اطعام ستين مسكيناً لأن الكلام كان عن غرض آخر ) وهذا يشكل قرينة على أنه في مثل هكذا امور في مسألة تحديد معنى الاطعام ومسألة كيفية الاطعام ومسألة كون الاطعام غير ممكن للجميع ما ذا يعمل؟؟ فالظاهر أنه لا توجد خصوصية لمورد الكفارة فإذا كان موردها هو كفارة اليمين يمكن التعدي إلى محل الكلام.
نعم في ذيل رواية السكوني توجد هذه العبارة (يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غدا) وظاهر هذه العبارة لزوم ملاحظة الايام وعدم جواز الدفع اليهم في يوم واحد, فإذا كان الموجود ثلاثين مسكيناً ووجب دفع مدين لكل واحد منهم فانه لا يجوز دفع المدين في يوم واحد لكل واحد منهم وإنما يدفع لكل فقير منهم مداً في يوم ثم مداً آخر في اليوم الاخر.
السيد الحكيم (قد) في المستمسك حمل الرواية على الاشباع وليس على التسليم ومن الواضح بأن الاشباع يستلزم التعدد بلحاظ الايام بأعتبار أن اشباع شخص واحد اكثر من مرة في يوم واحد قد يقال بأنه صعب جداً واذا حملناه على تعدد الايام يكون طبيعياً جداً, كما لو كانت الكفارة لستين مسكيناً وكان الموجود فعلاً عشرة مساكين فكيف يمكن تصور اشباع كل واحد من العشرة ستة مرات في يوم واحد؟؟!!
ومن هنا كانت مسألة التقسيم على الايام مسألة طبيعية تنساق مع افتراض حمل الرواية على الاشباع, فأنه يريد أن يقول أن مسألة التقسيم على الايام غير مطروحة في مسألة التسليم, وإنما هناك خصوصية في الرواية وهي أنها تعرضت للإشباع ومن هنا قال عليه السلام (يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غدا), وهذه العبارة لا تعني مراعاة تعدد الايام في باب التسليم.
لكن ما قاله السيد الحكيم (قد) لعله ينافيه التعبير بالإعطاء في الرواية في قوله عليه السلام (يعطيهم اليوم ثمّ يعطيهم غدا) وقد تقدم أن الاعطاء ظاهر في التسليم لا في الاشباع, فلعل التعبير بالإعطاء ينافي حمل الرواية على الاشباع, ولعل الغرض مما ذكره الامام عليه السلام_ بعد افتراض انها ناظرة إلى التسليم_ هو احتمال العثور على مساكين اخرين في اليوم الاخر, وعلى كل حال يبدو أنه لا مانع من الالتزام بمضمون هذه الرواية خصوصاً وان الشيخ الطوسي يدعي الاتفاق على ذلك( التقسيم بلحاظ الايام) في حال عدم التمكن من تمام العدد وقد قال في الخلاف (وقال أبو حنيفة : .... وإن أعطى في يوم واحد حق مسكينين لواحد لم يجزئه. وعندنا يجوز هذا مع عدم المساكين ..... ما اعتبرناه مجمع على جوازه، وما قاله أبو حنيفة لا دليل على جوازه)[3]
واعطاء حق مسكينين في يوم واحد لمسكين واحد في حال عدم وجود المساكين الذي جوزه الشيخ في الخلاف بل ادعى عليه الاجماع خلاف ظاهر الرواية ومن هنا تكون مشكلة في المسألة لأن ظاهر الرواية هو اعتبار التعدد بلحاظ الايام بينما الشيخ الطوسي يدعي الاجماع على جواز الاعطاء في يوم واحد, هذا بالنسبة إلى ما لم يتطرق إليه السيد الماتن وهو ما لم يتمكن من تمام العدد والى هنا تتم هذه المسألة.

قال الماتن
مسألة 25 ) : يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر وحاجة بل ولو كان للفرار من الصوم لكنه مكروه)
المشهور بين الامامية جواز السفر اختياراً في شهر رمضان, ولم ينقل الخلاف في ذلك الا عن ابي الصلاح الحلبي حيث منع من السفر الاختياري, والنصوص التي ترتبط بهذه المسألة عديدة فمن الكتاب الكريم توجد ايتان يمكن أن يتسدل بهما في محل الكلام وهما قوله تعالى (أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ...)[4]
وقد ذكر السيد الخوئي (قد) مطلباً في مقام الاستدلال وبيان ما هو المقصود بهذه الآية الشريفة ننقله ثم نتكلم حوله(قال تبارك وتعالى : ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . الخ ) والمستفاد منها تقسيم المكلفين إلى أقسام ثلاثة : قسم يجب عليه الصيام متعينا وقسم يتعين في حقه القضاء وهو المريض والمسافر، وقسم لا يجب عليه لا هذا ولا ذاك وإنما تجب عليه الفدية فقط، وهم الذين يطيقونه أي من يكون الصوم حرجا عليه كما هو معنى الإطاقة كالشيخ والشيخة وبما أن موضوع الحكم الثاني هو المريض والمسافر فبمقتضى المقابلة وأن التفصيل قاطع للشركة بكون موضوع الحكم الأول هو من لم يكن مريضا ولا مسافرا فيكون المكلف بالصيام هو الصحيح الحاضر، فقد أخذ في موضوع الحكمة أن لا يكون المكلف مسافرا فيكون الوجوب مشروطا به بطبيعة الحال لأن الموضوع كما ذكرناه في الواجب المشروط هو ما كان مفروض الوجود عند تعلق الحكم سواء أكان غير اختياري كدلوك الشمس بالإضافة إلى وجوب الصلاة، أم كان اختياريا كالسفر والحضر والاستطاعة ونحوها . فمعنى قولنا : المستطيع يحج أنه على تقدير تحقق الاستطاعة، وعند فرض وجودها يجب الحج فلا يجب التصدي لتحصيله لعدم وجوب تحصيل شرط الوجوب. وعليه فيجوز للحاضر السفر ولا يجب على المسافر الحضر لعدم وجوب تحصيل شرط التكليف لا حدوثا ولا بقاء، فلو كنا نحن والآية المباركة لقلنا بجواز السفر في شهر رمضان ولو لغير حاجة، لأن الواجب مشروط ولا يجب تحصيل الشرط كما عرفت )[5]



[1] وسائل الشيعة , الحر العاملي ,ج22 ,ص386, أبواب الكفارات, باب16,ح2, ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة , الحر العاملي ,ج22 ,ص386, أبواب الكفارات, باب16,ح1, ط آل البيت.
[3] الخلاف, الشيخ الطوسي,ج4, ص557.
[4] البقرة 184.
[5] كتاب الصوم, السيد الخوئي, ج1, ص377.