36/11/09


تحمیل
الموضوع: الصوم , كفارة افطار صوم النذر المعين.
هناك تفاصيل غير القولين السابقين من جملتها(التفصيل الاول) _ ما ذهب إليه جماعة من فقهائنا وهو منسوب إلى السيد المرتضى والشيخ الصدوق واختاره الشهيد وابن ادريس الحلي في السرائر والعلامة في بعض كتبه_ التفصيل بين الصوم وغيره, فتكون كفارة افطار شهر رمضان على من نذر الصوم وكفارة اليمين على من نذر غير الصوم, فيجمع بين الروايات بذلك حيث تحمل ادلة القول الاول(الروايات الاربع) على نذر الصوم كما صرح في بعضها ذلك وتحمل ادلة القول الثاني على غير الصوم.
ويظهر أن هذا الجمع بلا شاهد من نفس الروايات مع صعوبة حمل جميع ادلة القول الاول على ما اذا نذر الصوم, وان امكن ذلك في بعضها حيث أن موردها الصوم المعين.
نعم يكون لهذا التفصيل وجه اذا تمت رواية واحدة من روايات القول الاول سنداً ودلالةً مع فرض كونها واردة في نذر الصوم المعين, فالملاحظ أن مورد الرواية الاولى والثانية والثالثة كذلك (في نذر الصوم المعين) لكنا ناقشنا في دلالة كل منها, فلولا هذه المناقشة لتعين الاخذ بهذا التفصيل, لأن هذه الروايات تكون اخص مطلقاً من روايات القول الثاني, فروايات القول الثاني تقول (اذا قال لله علي فكارة يمين) وهي تشمل نذر الصوم المعين بالإطلاق, بينما تلك الروايات موردها نذر الصوم المعين وتقول بأن كفارته كفارة افطار شهر رمضان (على فرض تمامية الدلالة), ومقتضى الصناعة تقييد المطلقات بتلك الروايات, فنلتزم بهذا التفصيل.
لكن تقدم سابقاً أن روايات القول الاول ليس فيها ما هو تام دلالة, فرواية عبدالملك بن عمر غير تامة سنداً ودلالة, وان تطبيقها على نذر الصوم المعين بعيد جداً, كما انها ليست واردة فيه, والروايات الثلاث الاخرى واردة في الصوم المعين الا انها ليست ظاهرة ظهوراً واضحاً في أن الكفارة هي كفارة افطار شهر رمضان, ومن هنا يكون هذا التفصيل غير تام.
التفصيل الاخر: وهو الذي اختاره الشيخ الطوسي وقيل أنه ظاهر السيد المرتضى في الانتصار وحاصله التفصيل بين القدرة على كفارة افطار شهر رمضان والعجز عن ذلك, فالقادر عليها تجب عليه والعاجز عنها تجب عليه كفارة اليمين.
وحينئذ تحمل الروايات _بناءً على تماميتها_ التي تقول بكفارة افطار شهر رمضان على القادر والروايات التي تقول بأن الكفارة كفارة اليمين على العاجز.
والشيخ الطوسي يصرح بذلك حيث يقول (قد بينا الوجه في اختلاف ما ورد في هذه الكفارات في كتاب الصوم، وجملته ان الكفارة إنما تلزم بحسب ما يتمكن الانسان منه فمن تمكن من عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا كان عليه ذلك، فمتى عجز عن ذلك كان عليه كفارة يمين حسب ما تضمنه الخبر الأخير[1]، والذي يدل على ذلك ما رواه : الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه قال : كل من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين)[2]
لكن هذا الخبر الذي استدل به الشيخ الطوسي ليس ناظراً إلى التفصيل الذي ذكره, وإنما هو ناظر إلى القدرة على المنذور وعدمها لا إلى القدرة على الكفارة وعدمها.
وقد حمل جماعة هذه الرواية على الاستحباب بأعتبار أنه من الامور المسلمة عندهم أن العاجز عن المنذور يسقط عنه النذر, وعلى كل حال فهي لا تدل على هذا التفصيل الذي ذكره الشيخ الطوسي.
وهناك تفاصيل اخرى لا داعي لذكرها ويتضح وجه الخلل فيها مما ذكرنا.
يتضح من جميع ما تقدم أن مقتضى الصناعة الالتزام بالقول الثاني (أي أن الكفارة في محل الكلام كفارة يمين) لعدم تمامية الادلة الدالة على القول الاول وتمامية الادلة الدالة على القول الثاني كصحيحة الحلبي الاولى بل الثانية ايضاً على ما ذكرنا.
نعم قد يقال أن المشهور افتى بمضمون روايات القول الاول كما نسب ذلك إليه بل ادعى الاجماع عليه جماعة كالسيد في الانتصار والشيخ في الخلاف والسيد ابن زهرة في الغنية, وحينئذ يقال بأن هذه الشهرة أو دعوى الاجماع توجب ترجيح القول المشهور على القول الاخر.
وهذا الكلام اذا كان المقصود به اثبات صحة روايات القول الاول _لأن معظمها ضعيف سنداً _ فيقال بأن عمل المشهور يجبر ضعفها.
يرد عليه:
اولاً: أن كبرى الجابرية غير مسلمة .
ثانياً: على فرض التسليم بالجابرية فأنها لا تنفع في المقام لأن المشكلة في هذه الروايات ليست سندية فقط لكي يجبرها عمل المشهور, بل توجد مشكلة دلالية فيها, والجابرية لا تنفع بلحاظ الدلالة عند ضعفها.
واذا كان المقصود اثبات اعراض المشهور عن روايات القول الثاني, وان الاعراض يوجب سقوطها عن الاعتبار وان كانت صحيحة.
وهذا الكلام وان كان مسلماً من حيث الكبرى, لكن يرد عليه:
أن صغرى الاعراض غير متحققة فأن الظاهر أن الكثير من الفقهاء قد عمل بهذه الروايات, فكل من يقول بالقول الثاني أو القول الثالث(التفصيل الاول) أو الرابع(التفصيل الثاني) وغير ذلك من الاقوال ( التفاصيل) التي لم نتعرض لها يعملون بروايات القول الثاني, وغاية الأمر انهم يحملونها على محمل آخر, كما في التفصيل الاول الذي يحملها على ما اذا كان المنذور ليس صوماً والتفصيل الثاني الذي يحملها على العاجز عن كفارة افطار شهر رمضان وهكذا بقية التفاصيل.
مضافاً إلى أنه لو سلمنا تحقق كبرى الاعراض وصغراه, فأن نتيجته سقوط هذه الروايات_ الدالة على القول الثاني_ عن الاعتبار, ولا يثبت بذلك قول المشهور لأنه يتوقف على تمامية رواياته دلالة وسنداً.
كما أن مسألة الشهرة غير واضحة ايضاً من خلال الاقوال والتفاصيل في المسألة.
ومن هنا يظهر أن الاقرب وفاقاً لكثير من المحققين خصوصاً المتأخرين هو أن الكفارة كفارة يمين لا كفارة افطار شهر رمضان.


[1] ومراده بالخبر الاخير (الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن قلت لله علي فكفارة يمين .).