36/11/20


تحمیل

الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة 11.

قال الماتن

مسألة 11 ) : إذا أفطر متعمدا ثم سافر بعد الزوال لم تسقط عنه الكفارة بلا إشكال وكذا إذا سافر قبل الزوال للفرار عنها ، بل وكذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار على الأقوى وكذا لو سافر فأفطر قبل الوصول إلى حد الترخص وأما لو أفطر متعمدا ثم عرض له عارض قهري من حيض أو نفاس أو مرض أو جنون أو نحو ذلك من الأعذار ففي السقوط وعدمه وجهان بل قولان أحوطهما الثاني وأقواهما الأول)[1]

لا اشكال في خروج من يفطر متعمداً ثم يسافر بعد الزوال عن محل الكلام وانه لا تسقط عنه الكفارة, والسر في ذلك أن السفر بعد الزوال لا يمنع من صحة الصوم ووجوبه, وعليه فمن افطر فيه متعمداً يكون كالحاضر في وجوب الكفارة عليه, ولا يأتي في حقه احتمال عدم وجوب الصوم وبطلانه الذي ينشأ منه احتمال عدم وجوب الكفارة(كما سيأتي في الفروض الاتية).

وفي بقية الفروض اقوال متعددة منها:

القول الاول: عدم سقوط الكفارة مطلقاً.(سواء كان السفر للفرار من الكفارة أو لم يكن كذلك, وسواء كان المانع من صحة الصوم اختيارياً كالسفر أو اضطرارياً كالحيض) وذهب إلى هذا القول الاكثر كما ذكر ذلك صاحب الحدائق وصاحب المدارك.

القول الثاني: السقوط مطلقاً, ونسبه في الشرائع إلى البعض وحُكي عن العلامة في جملة من كتبه, وحُكي عن ولده فخر المحققين.

القول الثالث: التفصيل بين المانع الاختياري كالسفر فلا تسقط فيه وبين غيره كالحيض فتسقط فيه, ويفهم من عبارة الماتن اختيار هذا القول.

القول الرابع: التفصيل بين السفر الذي يقصد فيه الفرار فلا تسقط وبين غيره فتسقط( سواء كان سفراً لا بقصد الفرار أو كان مانعاً اضطرارياً كالحيض)

ويفهم من كلماتهم أن منشأ النزاع هو أن عروض المانع من صحة الصوم _ الذي يوجب بطلان الصوم بلا اشكال_ هل يوجب بطلان الصوم من حين عروضه, بحيث يكون الصوم قبله مشروعاً وصحيحاً, أو أن عروض المانع يكون كاشفاً عن البطلان وعدم المشروعية من بداية الأمر.

فعلى الاول(عدم الكشف) يجب الالتزام بعدم سقوط الكفارة لأنه افطار في صوم صحيح عمداً وهذا هو الميزان في وجوب الكفارة. وعلى الثاني( الكشف) لا تجب الكفارة لأنه يكشف أن هذا الصوم لم يكن صوماً صحيحاً ومشروعاً من بداية الأمر.

ومن هنا يظهر أن الخلاف ليس في سقوط الكفارة وعدمه بعد الفراغ من ثبوتها وإنما الخلاف في اصل ثبوتها.

والكلام يقع في امرين:

الاول: ما اشرنا إليه من أن عروض المانع يوجب بطلان الصوم من حينه أو من الاصل؟ وفيها احتمالان كما تقدم وهما احتمال الكشف واحتمال عدم الكشف.

الثاني: هل أن موضوع وجوب الكفارة هو ابطال الصوم الصحيح واقعاً؟ أو أن موضوعها ابطال الصوم الصحيح ولو كان ظاهراً فقط؟؟

فإذا قلنا بأن موضوع الكفارة هو الصوم الصحيح الاعم من أن يكون صحيحاً واقعاً أو ظاهراً, فأنه لا يكفي مجرد البناء على الكشف لعدم ثبوت وجوب الكفارة, لأن الكشف الذي يبين عدم صحة الصوم من اول الأمر لا يبينه ويكشفه كذلك ظاهراً, لأنه ظاهراً يكون محكوماً بالصحة قبل حدوث المانع وهو في ذلك الوقت مأمور بالصوم ومخاطب بحرمة الافطار, نعم لم يكن كل ذلك واقعاً.

وحينئذ يقال بأن القول بالكشف لا يكفي وحده لأثبات سقوط الكفارة وعدم وجوبها, لأن الكشف واقعي يكشف عن بطلان الصوم في علم الله.

ومن هنا يظهر أن الوصول إلى النتيجة يتوقف على بحث هذين الامرين.

أما الأمر الاول: اختار جماعة أن احتمال بطلان الصوم من البداية وكأنهم قاسوا هذا الأمر على مسألة البينة, كما لو قامت على أن يوم العيد هو اليوم السابق, وقالوا بأن الصائم لو افطر عامداً عالماً في ذلك اليوم ثم قامت البينة عندهم على أنه كان عيداً والصوم فيه غير صحيح, فأن الكفارة لا تجب عليه, لأنه ليس من رمضان.

وقاسوا ما نحن فيه على هذا الأمر وقالوا بأن عروض المانع من هذا القبيل, فيكون كاشفاً عن بطلان الصوم من البداية كالبينة.

ويمكن أن يقال بأن قياس هذا الأمر على مسألة البينة قياس مع الفارق, لأن البينة تكشف أن هذا ليس افطاراً في شهر رمضان, بينما في محل كلامنا لا تكشف الموانع عدم كونه من شهر رمضان, لكي يكون من هذا القبيل, نعم يكشف أن الصوم ليس صحيحاً (كما يدّعى).

والظاهر أن هذه المسألة (عروض المانع هل يبطل الصوم من حينه أو من البداية) مرتبطة ببحث وهو أن هذه الموانع _ كالخلو من الحيض والخلو من النفاس والحضر والعقل _ التي تعرض على المكلف _ التي لا اشكال في كونها شرائط في صحة الصوم هل هي شروط في صحة الصوم حدوثاً أو بقاءاً ؟؟؟

فإذا قلنا بأنها شرائط في صحة الصوم حدوثاً فأن الصوم لا يكون مشروعاً ولا يكون صحيحاً الا مع توفر هذه الامور في تمام الوقت, واذا اختل احد هذه الشروط في جزء من الوقت يكون الصوم ليس صحيحاً من بدايته لأنه مشروط بهذه الشرائط حدوثاً مع استمرارها إلى نهاية الوقت بأعتبار ما يفهم من الادلة من وجود ارتباط _ كأرتباطية اجزاء الصلاة _ بين الامساكات المتعددة في كل آن من الفجر إلى غروب الشمس, فأن هذه الامساكات ليس كل واحد منها واجب مستقل عن الاخر, بل أن امتثال الامساك في الآن الاول مشروط بأمتثال الامساك في الآن الثاني فإذا ابطل الامساك الثاني _ بعروض ما يبطله _يكون الاول كذلك (باطل), وهذا هو معنى الكشف وبطلان الصوم من اول الأمر لا من حين عروض المانع.