36/05/09


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 5 )، مسألة ( 6 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
مسألة ( 5 ):- يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المحرّمة مثل التسميد بالعذرات والإشعال والطلي بدهن الميتة النجسة والصبغ بالدم وغير ذلك.[1]
..........................................................................................................
مضمون المسألة واضحٌ وهو أنّ الأعيان النجسة حتى إذا لم نجوّز بيعها ولكن يجوز الانتفاع بها في المجال الذي لا يشترط فيه الطهارة.
وقبل ان نذكر المستند في ذلك نشير إلى نكتتين جانبيتين:-
الأولى:- إنّ هذه المسألة لا ترتبط بكتاب التجارة فإنّه يبحث عن التجارة يعني البيع والشراء وهذه المسألة تبيّن جواز الانتفاع فلابد وأن تذكر في كتابٍ آخر، ولكن من باب الكلام يجرّ الكلام أشير إليها ههنا.
الثانية:- إنّ الفقيه كما هي العادة يذكر في الرسالة العملية الأمور التي فيها جنبة إلزامٍ فعلاً أو تركاً كالوجوب والحرمة أو بنحو الرجحان كالكراهة والاستحباب أمّا الامور الجائزة فلا يبينه وإلا فكلّ شيءٍ هو جائز - وهذا بناءً على أنّ الأصل الأصيل في عندنا الاشياء هو الاباحة - أمّا على المدرسة المقابلة التي تقول إنّ الأصل في الأشياء هو الاحتياط أو الحرمة فحينئذٍ يكون ذكر الأمور الجائزة ضرورياً أمّا بعدما كان الأصل عندنا هو الجواز وهذا أصلٌ جرى عليه حتى العرف وليس الشرع فقط فيحتاج العرف إلى بيان الأشياء الواجبة والمحرّمة دون المباحة وإلا لو ذكرنا الأمور المباحة فسوف تصير الرسالة العلمية كبيرة جداً، ولكنه أشار إلى الجواز هنا لشبهةٍ قد تختلج في الذهن - يعني لخصوصيّة في المقام - فقد يتصوّر أنّه مادام هو عينٌ نجسة والأعيان النجسة قلنا لا يجوز بيعها فالانتفاع بها لا يجوز أيضاً فلأجل دفع مثل هذه الشبهة ذكرت هذه المسألة وإلا فالرسالة العملية وهكذا الكتب الفقهية هي تتعرض فقط إلى الإلزاميات دون الأمور المباحة، نعم قد تتعرّض لأمورٍ مباحة لنكتةٍ خاصّة كما في المقام.
عود إلى صلب الموضوع:- ذكر(قده) أنّه يجوز الانتفاع بالأعيان النجسة في غير الجهة المشروطة بالطهارة والوجه في ذلك هو عدم الدليل على عدم الجواز، يعني أن الجواز هو مقتضى الأصل الأوّلي وهو أصل البراءة ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون )[2]، والذي يقول بعدم الجواز هو الذي يحتاج إلى إثبات دون من يقول بالجواز.
وقد يتمسّك للقائل بعدم الجواز - ويقول إنّ الأدلة على خلاف الأصل وتخرجنا عن أصل الجواز - بالأدلة التالية:-
الدليل الأوّل:- الآيتان الكريمتان أعني قوله تعالى:- ﴿ والرجز فاهجر ﴾[3]، وقوله تعالى:- ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ﴾[4]، بتقريب:- أنّ الرجز والرجس هما بمعنى واحد يعني النجس، فالنجس لابد من هجره ولابد من اجتنابه، وحيث قد أطلق وجوب الاجتناب والهجر فيدلّ ذلك على أنّ المقصود هو جميع المجالات لا خصوص البيع، فكلّ انتفاعٍ لا يكون جائزاً بمقتضى هاتين الآيتين إذ يجب هجر واجتناب النجس.
والجواب:- من قال إنّ المقصود من الرجز والرجس هو النجاسة ؟ فلعلّ المقصود معنىً آخر يعني الخبيث والقبيح فكلّ قبيحٍ لابد من هجره واجتنابه ؟!! وحتى لو فسرنا الآية بالنجاسة فلا نفسرها بالنجاسة الخبثية بل نفسّر ذلك بالنجاسة والقذارة المعنويّة ولا أقل يحتمل أنّ هذا هو المقصود ومادام يحتمل هذا فالآيتان تكونان أجنبيتين عن الانتفاع بالأعيان النجسة.
ومما يؤيد ذلك حمل الرجس على الانصاب والازلام والميسِر ومن الواضح أنّ هذه الأشياء لا معنى لأن تكون نجسة بالنجاسة الخبثية، يعني إن أمكن النجاسة الخبثية على الخمر لكن لا معنى لحمله على الأنصاب والأزلام والميسر.
ومما يؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى:- ﴿ من عمل الشيطان ﴾[5]فإنّ عمل الشيطان يتناسب مع القبيح دون النجاسة الخبثية الشرعيّة.
بل ربما يقال:- إنّ المناسب للقرآن الكريم أن يتعرّض إلى ما هو القبيح فالأشياء القبيحة أيها الناس اهجروها واتركوها، فهذه تحتاج إلى تجديدٍ في الخطاب أمّا النجاسة الشرعيّة الخبثيّة فلا معنى لأن تأتي آيتان تنهى عنها فإنّ هذا في حدّ نفسه قد يكون ركيكاً وضعيفاً، فهذا يؤيد أنّ المقصود هي الخباثة والرجس المعنوي.
وعلى أيّ حال التمسّك بالآيتين الكريمتين شيءٌ مشكل.
الدليل الثاني:- رواية تحف العقول المتقدّمة حيث جاء في بعض فقراتها أنّ التقلّب في النجس بجميع أشكاله حرام، ونصّها:- ( فجميع تقلبه في ذلك حرام )[6]، ودلالتها واضحة جداً ولكن تقدّم أنّها ضعيفة السند والانجبار لم يثبت عندنا.
الدليل الثالث:- ما ورد في الميتة كقوله عليه السلام في صحيح الكاهلي الوارد في إليات الغنم ما نصّه:- ( .... إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ ما قطع منها ميّت لا ينتفع به )[7]، فإن قوله ( لا ينتفع به ) يدلّ على أنّ النجس لا يجوز الانتفاع به وحيث لم يقيّد بمجالٍ دون مجال فيثبت بذلك أنّ مطلق الانتفاعات لا تجوز.
وكموثقة سماعة:- ( سألته عن جلود السباع فقال إذا رميت وسميت فانتفع بجلده وأما الميتة فلا )[8] فإنها دلّت على أنّ الميتة لا ينتفع بجلدها ومقتضى الاطلاق هو عدم الجواز بأيّ شكلٍ من أشكال الانتفاع.
وفيه:- إنّه لو تمّت الدلالة فهي خاصّة بالميتة أو بالجلد ولا يفهم منها أنّ مطلق النجس لا يجوز الانتفاع به، اللهم إلا أن يجزم بعدم الخصوصيّة لعنوان الميتة وهو مشكلٌ.
هذا مضافاً إلى إمكان أن يقال:- إنّ المقصود من ( أنه لا ينتفع به ) يعني أنَّ ذلك الانتفاع الذي كان يجوز على تقدير كون الحيوان مذكّى هو لا يجوز الآن، فالمنفي هو ما كان ثابتاً على تقدير التذكية لا أنّ المقصود هو نفي الانتفاع بأيّ شكلٍ، وهذا شيءٌ واضحٌ خصوصاً على مسلكنا في باب الإطلاق فإنه لو ظهر المتكلّم هنا وقال إنّ مقصودي من ( لا ينتفع به ) هو ذلك الانتفاع الذي كان يجوز على تقدير التذكية فلا يستهجن منه ذلك ولا يقال له لماذا اطلقت إذن فالإطلاق منك قبيح ؟ فإنه يمكن أن يعتذر ويقول إنّ هذا شيءٌ يصحّ الاتّكال عليه عرفاً فالإنسان العرفي يصحّ له أن يقول الميّت لا تنتفع به يعني ذلك الانتفاع الثابت على تقدير التذكية، فالصلاة به مثلاً لا يجوز وجعله زقّاً لللبن لا يجوز أو ما شاكل ذلك من التصرفات المشروطة بالطهارة.
إذن لا يستفاد التعميم من هذين الحديثين.
مضافاً إلى أنّه لو صار البناء على التمسّك برواياتٍ من هذا القبيل فتوجد رواياتٍ معاكسةٍ تدلّ على جواز الانتفاع بالميتة وقد تقدم بعضها:-
من قبيل:- رواية البزنطي عن المستطرفات:- ( قال:- سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال:- نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها )[9] فإنها دلّت على جواز الاستفادة منها بالإسراج بها.
ومن قبيل:- رواية عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام:- ( سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال:- لا ولو لبسها فلا يصلّ فيها )[10]، إنها قالت ( ولو لبسها فلا يصلّ فيها ) فقد يستفاد من هذا التعبير أنّ اللبس جائزٌ ولكن لا يفعلنَّ ذلك أثناء الصلاة.
ومن قبيل رواية الصيقل:- ( إنّا قومٌ نعمل السيوف ...وإنما علاجنا جلود الميتة فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها ؟ فكتب:- اجعل ثوباً للصلاة )[11]، إنّ جوابه عليه السلام بقوله ( اجعل ثوباً للصلاة ) يدلّ على أنّ لبس هذه الأشياء وتداول جلود الميتة أمرٌ لا محذور فيه بيد أنه يجعل ثوباً خاصاً لأجل الصلاة يجعل وإلّا فالتصرف فيها جائز في غير الصلاة.
وقد يستفاد ذلك من الروايات الواردة في الدهن للاستصباح به تحت السماء كما سيأتي.
والخلاصة:- لا يمكن أن نثبت المنع من الانتفاع بالأعيان النجسة بالدليلين المتقدّمين فيبقى الأصل بلا معارض فيكون جارياً.
وإذا سألت عن حكم المتنجّسات، قلت:- إذا ثبت الجواز في الأعيان النجسة جاز في المتنجّسات بالأولويّة.

مسألة( 6 ):- يجوز بيع الأرواث الطاهرة إذا كانت لها منفعة محلّلة معتدّ بها كما هي كذلك اليوم وكذا الأبوال الطاهرة.[12]
..........................................................................................................
إنّ النكتتان الجانبيتان اللتان أشرنا أليهما في المسألة السابقة لا تأتي الأولى منهما هنا لأنّ الكلام هنا عن البيع وبينما هناك كان عن الانتفاع، ولكن تأتي النكتة الثانية إذ أنّ هذا جوازٌ والجواز لا يحتاج إلى بيانٍ غايته لنكتةٍ خاصة بالمقام أشير إلى ذلك.
والدليل على الجواز:- هو أنّه حيث لا دليل على المنع فنتمسّك بالأصل كما ذكرنا في المسألة السابقة، وإذا كان يوجد ما يوحي بالمنع في المسألة السابقة فهنا لا يوجد مثل ذلك.
وقد اشترط(قده) بأن تكون لها منفعة محلّلة معتدّ بها، وقد اشرنا إلى هذا القيد فيما سبق وسيأتي في المسألة التالية وأنّ ذلك مبنيّ على الاحتياط الوجوبي.