36/04/24


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
ويرد عليه:-
أما بالنسبة إلى ما افاده في كلامه الأول[1] فيرد عليه:-
أولاً:- إنّه يوجد فارقٌ بين المقيس والمقيس عليه، ففي المقيس عليه - أي إنّ في الشرع محرّمات - يكون الحديث عادةً مع غير المسلم فيراد إخباره عن تشريعات الإسلام وحيث لا يمكن بيان تلك التشريعات بالتفصيل فتبين له بالإجمال، فمن المناسب أن يقال له الكذب حرام أمّا في بعضها دون بعضٍ فالمتكلم ليس بصدده ولا يسع المجال لبيان ذلك إنما نريد أن نعطيه صورةً مصغّرةً عن الإسلام فلابد وأن نبيّن له العناوين.
وأما في المقيس فالحديث ليس مع غير المسلم وإنما هو مع المسلم ونريد أن نبيّن له أن بيع الكلب باطل ولكن بلسان ( ثمن الكلب سحتٌ ) ومادام المتكلّم بصدد بيان حكمٍ شرعيّ والمفروض أنّ بيان ذلك الحكم الشرعي لا يحتاج إلى تفاصيل فحينئذٍ ينعقد الإطلاق ولابد وأن يقيّد لو كان السحت في بعضٍ دون بعضٍ . إذن قياس هذا على ذاك في غير محلّه لما أشرت من الفارق.
ثانياً:- لو تنزّلنا وسلّمنا بأنه لا فرق بين المقامين فنقول توجد بعض الروايات التي ليس فيها الإمام صدد بيان أنواع السحت وإنما هو يتكلّم بالخصوص بالنسبة إلى الكلب بعنوانه، كرواية الوشاء:- ( سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام عن شراء المغنيّة، قال:- قد تكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلّا ثمن كلبٍ وثمن الكلب سحتٌ والسحت في النار)[2]، إنّ هذه الرواية تقول ( وثمن الكلب سحت ) وفيها إطلاقٌ فيتمسّك به حينئذً وهي ليست بصدد بيان أفراد السحت كتلك الروايات السابقة.
وعلى منوالها ما رواية إبراهيم بن أبي البلاد قال:- ( قلت لأبي الحسن الأوّل:- جعلت فداك إنّ رجلاً من مواليك عنده جوارٍ مغنيّات قيمتهن أربعة عشر ألف دينار وقد جعل لك ثلثها، فقال:- لا حاجة لي فيها إنّ ثمن الكلب والمغنيّة سحتٌ )[3]، وهنا لا بأس بالتمسّك بالاطلاق، والرواية ليست بصدد بيان أنواع السحت حتى يقال هي ليست بصدد بيان التفاصيل.
وأمّا بالنسبة إلى كلامه الثاني[4]فيرد عليه:-
أوّلاً:- لو كان المقصود من عبارة ( الذي لا يصيد ) الواردة في موثقة ابن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبد الله التي جاء فيها:- ( ثمن الكلب الذي لا يصيد سحتٌ ) يعني أنَّ جميع أنواع الكلب هي جائزة ما عدى الهراش فمن المناسب أن يعبّر ويقال ( ثمن كلب الهراش سحتٌ ) فيفهم منه أنّ غير الهراش لا بأس به لا أن يعبّر ويقال ( ثمن الكلب الذي لا يصيد ) !! إنّ هذا التعبير ليس عرفياً بل هو تعبيرٌ غير صحيح، وعلى هذا الأساس من المناسب لو كان المقصود ما أفاد(قده) لكان يعبّر بكلب الهراش وعدم تعبيره بذلك واقتصاره على تعبير ( يصيد ) و ( لا يصيد ) يفهم منه أنّ المقصود هو الإشارة إلى كلب الصيد.
ثانياً:- هناك رواية تعبّر بكلب الصيد، يعني ليست كلّ الروايات تعبر بعبارة ( لا يصيد )، وذلك من قبيل رواية أبي بصير:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن كلب الصيد، قال:- لا بأس بثمنه والآخر لا يحلّ ثمنه )[5]، والمقصود من الآخر يعني غير كلب الصيد .
إذن إذا أمكن أن نوجّه تلك الروايات ونقول إنّ عبارة لا يصيد إشارة إلى خصوص كلب الهراش فهذه الرواية لا يأتي فيها هذا المعنى.
إن قلت:- إنّه جمعاً بين تلك الرواية وهذه الرواية نحمل كلب الصيد هنا على ذلك المعنى الوسيع الذي دلّت عليه تلك الرواية، فنحمل كلب الصيد على أنّ المقصود منه هو الكلب الذي يصيد والذي يشمل جميع أنواع الكلب عدى كلب الهراش فبقرينة تلك الرواية لنوسّع من معنى كلمة كلب الصيد هنا ونقول إنَّ المقصود من كلب الصيد هو الكلب الذي يصيد فيشمل حينئذٍ جميع انواع الكلب ما عدى الهراش وبذلك تحصل ملائمة بين هذه الروايات.
قلت:- لماذا لا نفعل العكس ؟!! يعني فلتكن الرواية التي عبّرت بــ ( كلب الصيد والآخر لا يحلّ ) هي القرينة على تفسير الكلب الذي يصيد هناك بكلب الصيد، فكما أنّ ذاك الجمع ممكنٌ هذا الجمع ممكنٌ أيضاً، وبالتالي حيث يدور الأمر بين الجمعين تصير مجملة حينئذٍ فنرجع إلى المطلق آنذاك بلا مانعٍ والذي خرج منه يقيناً خصوص الكلب المدرّب على الصيد.
والنتيجة التي انتهينا إليها هي كما عليه المشهور، يعني أنّ كلب الصيد يجوز بيعه أمّا غيره فلا.
إن قلت:- توجد الآن كلاب مدرّبة وهي أحسن فائدةً من كلب الصيد فعلى هذا الأساس نقول حيث جوّز الشرع بيع كلب الصيد لأجل فائدته المهمّة فينبغي بإلغاء الخصوصيّة التعدّي إلى غير كلب الصيد أيضاً نقول فيه ذلك.
قلت:- لو كان النصّ قد بيّن هذه العلّه وهذه النكتة وقال ( يجوز بيعه لوجود هذه الفائدة فيه ) لكان بالإمكان التمسّك بعموم العلّة، ولكن بعد عدم بيان العلّة والمفرض أنّ أنواع الكلاب الأخرى فيها فوائد - ككلب الحراسة والزرع - فحينئذٍ كيف يحصل الجزم بأنّ النكتة بتمامها هي هذه ؟!! فالجزم بالنكتة شيءٌ مشكلٌ.
نعم لو كانت الروايات تمنع الهراش فقط فنقول إنّ الهراش ليس فيه فائدة أمّا تلك الأنواع ففيها فائدة فجوّزها الشرع وبالأولى يجوز بيع الكلاب البوليسية، ولكن المفروض أنا لم نقتصر في عدم الجواز البيع على كلب الهراش حتى نقول بهذه المقالة.
إن قلت:- فإذن ماذا نصنع فالإسلام ينبغي أن يواكب العصر ويلبّي حاجات الناس ؟
قلت:- هناك طريقٌ آخر - كما سيأتي – وهو أنّ هذه الأشياء يجوز نقلها من خلال حقّ الاختصاص أو الهبة أو غير ذلك، فبعض الطرق موجودةٌ لا أنّ جميع الطرق منسدّة.
وهذا نظير ما قد يشكل ويقال:- إنّ الإسلام جعل حقّ الطلاق بيد الرجل ولم يجعله للمرأة وحينئذٍ لو سجن زوجها فتبقى هذه المرأة مظلومة، أوليس هذه ثغرة سلبيّة على الإسلام ؟
والجواب:- والجواب الواقعي في الحقيقة هو أن نقول إنَّ هناك مصالح نحن لا نعرفها والإسلام حينما شرّع هذا فهو يعلم بالمصالح.
ولكن لو أردنا أن نتجارى مع المشكل فنقول إنّ الإسلام فتح لها نافذةً أخرى وذلك بأن تشترط ذلك في عقد الزواج - بأنّه متى ما حُبِسْتَ فأنا وكيلة عنك في الطلاق أو متى ما ساءت أخلاقك فأنا وكيلة عنك في الطلاق -، إنه يوجد مجالٌ لا أن الباب منسدٌ أمامها تماماً.



[1] - أعني أنّ الروايات الدالة على أن ( ثمن الكلب سحتٌ وثمن المغنية سحت ومهر البغي سحت ) هي من قبيل قولنا ( إن في الاسلام أو في الشرع محرماتٍ كالكذب والسرقة وما شاكل ذلك ) فكما لا ينعقد إطلاق هناك لا ينعقد اطلاق هنا إذ المتكلم ليس بصدد بيان التفاصيل وإنما يريد أن يبين انه توجد في الاسلام واجبات ومحرمات أما تفاصيلها وشروطها فهو ليس بصددها.
[4] – أعني أنّ الروايات التي جوّزت بيع كلب الصيد لم تجوّزه بعنوان كلب الصيد وإنما جوزته بعنوان ( الكلب الذي لا يصيد لا يجوز ) وبمفهومها نفهم أن الذي يصيد لا بأس به، وعنوان الصيد غير عنوان يصيد فكلب الصيد خاصّ بالكلب المعلّم للصيد أما عنوان يصيد أو لا يصيد فهو يشمل كلّ كلبٍ عدى كلب الهراش لأنّ جميع انواع الكلاب له قابلية الاصطياد وإن لم يكن معلّماً، وعلى هذا الأساس استنتج(قده) أن جميع أنواع الكلاب يجوز بيعها ما عدى كلب الهراش بمقتضى هذا التعبير.