36/04/19


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وربما تضاف رواية أخرى:- وهي ما راه الشيخ الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الكاهلي قال:- ( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن قطع أليات الغنم، فقال:- لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك، ثم قال:- إنّ في كتاب عليّ عليه السلام أنّ ما قطع بها ميت لا ينتفع به )[1]، بتقريب:- أنّ قوله عليه السلام:- ( ميت لا ينتفع به ) يدلّ على عدم جواز البيع بأحد بيانين:-
الأوّل:- إنّه مادام لا ينتفع به فهو ليس بمال، وإذا لم يكن مالاً فلا يصحّ بيعه فإنّ البيع هو مبادلة مالٍ بمال.
الثاني:- أن نتمسّك بالإطلاق فإن قوله عليه السلام:- ( لا ينتفع به ) يعني أبداً إذ لم يقيّده بجهةٍ دون أخرى فلو كان يجوز بيعه فذلك يعني أنّه يمكن الانتفاع به فنفي الانتفاع به من دون قيدٍ وبنحو الإطلاق يدلّ على بطلان البيع.
ولكن يمكن أن يورد على البيان الأوّل بما تقدّم:- من أنّ كون البيع يشترط فيه الماليّة هو أوّل الكلام، فأنت تفترض في مرحلةٍ مسبقةٍ أنّه يشترط في صحّة البيع وتحقّق عنوانه الماليّة وهذا أوّل الكلام.
وأما البيان الثاني:- فله وجاهة ولكن قد يدّعى الانصراف، يعني حينما قال عليه السلام ( لا ينتفع به ) يعني لا يمكن أن تستفيد منه في الأكل حيث إنّ الفائدة المقصودة من الألية هي الأكل فهو عليه السلام يقول إنّه بعد أن قطعتها لا تستفيد منها يعني الفائدة المعهودة وسكت عن تعيين الفائدة باعتبار أنّ الفائدة المذكورة هي المعهودة.
وخلاصة ما تقدّم:- توجد عندنا رواياتٍ أربع أو خمس دلالة جملة منها - كالأربع الأولى - جيدة إلّا أن سندها ضعيف فماذا نصنع فهل نطرحها ؟
يمكن أن يقال:- مادامت الروايات أربع والدلالة تامّة فيحصل للفقيه الاطمئنان بكون المقتضي لبطلان البيع تامّاً فيفتي بالبطلان - لولا المعارض الذي سوف تأتي -، وإذا فرض أنّه لم يحصل له الاطمئنان فلا أقل من حصول الظنّ بالدرجة الجيدة بالصدور والحقّانية وهذا يكفي لأن يحتاط في الفتوى.
ولكن هذه القضيّة تتمّ إذا فرض أنّ دلالة الروايات كانت تامّة ولكن كان الضعف في سندها، أمّا إذا فرض أنّ الدلالة كانت ضعيفة فلا نقبل مثل هذه الطريقة فإنّ ضمّ الضعيف دلالةً إلى الضعيف دلالةً لا ينتج قويّ الدلالة، نعم ضمّ السند الضعيف إلى السند الضعيف قد ينتج سنداً لا بأس به.
وعلى أيّ حال يمكن أن نقول الآن إنّ المقتضي لبطلان بيع الميتة تامّ إمّا على مستوى الفتوى أو على مستوى الاحتياط الوجوبي ولولا المانع.
ولننظر الآن في المانع:- فتوجد روايات ثلاث يمكن أن يستفاد منها جواز بيع الميتة:-
الرواية الأولى:- رواية الصيقل التي رواها الشيخ الطوسي بإسناده عن الصفار عن محمد بن عيسى بن عبيد عن أبي القاسم الصيقل وولده قال:- ( كتبوا إلى الرجل عليه السلام:- جعلنا الله فداك إنّا قومٌ نعمل السيوف ليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها ونحن مضطرون إليها وإنما علاجنا جلود الميتة والبغال والحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحلّ لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسّها بأيدينا وثيابنا ونحن نصلي في ثيابنا ونحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا ؟ فكتب:- اجعل ثوباً للصلاة .. )[2]، بتقريب:- أنّه قد فرض أنهم يعملون السيوف ويصنعون غلافها من جلود الميتة فسألوا هل يحلّ عملها وشراؤها وبيعها والأمام عليه السلام في مقام الجواب أمر بجعل ثوبٍ للصلاة وسكت عن البيع والشراء والسكوت يدلّ على الامضاء، وبذلك تثبت دلالة الرواية على جواز بيع وشراء جلود الميتة فتكون معارضة للروايات السابقة.
نعم يمكن أن يشكل من ناحية الصيقل وولده:- فإنهم مجهولون ولم يثبت في حقهم توثيق، فالكاتب للسؤال مجهول الحال ومن قال أنّه كتب حقّاً وأجاب الأمام حقّاً بهذا الجواب ؟!! فالمناسب أن يقال إنّ السند ضعيفٌ فتكون الرواية ساقطة عن الاعتبار فيبقى ذلك المقتضي بلا مانع.
هذا ولكن قد ترّد هذه المناقشة بما أفاده السيد الخميني(قده)[3]:- حيث ذكر أنّ التعبير الوارد في الرواية هو ( كتبوا ) وليس ( كتبنا ) فلو كان الوارد ( كتبنا ) بصيغة المتكلّم فسوف يكون الناقل لهذه المكاتبة هو نفس الصيقل وأولاده فتأتي المشكلة وهي أنه لعلهم اختلقوا هذه المكاتبة والجواب، ولكن التعبير الوارد في الرواية هو ( كتبوا ) وهذا يعني أنّ الذي ينقل هذه القضيّة هو من ينقل عن الصيقل أعني محمد بن عيسى بن عبيد وهو ثقةٌ، فمحمد بن عيسى يقول ( كتبوا ) يعني الصيقل وأولاده هذه المكاتبة والأمام عليه السلام أجابهم بهذا الجواب ومعه فلا تضرّ جهالة الصيقل إذ المفروض أنّ الناقل هو محمد بن عيسى دون الصيقل.
وهي التفاتة لا بأس بها، وعلى هذا الأساس سوف يتمّ السند.
وواضحٌ أنّ هذه الطريقة غير الطريقة المذكورة في بعض روايات عليّ بن مهزيار فإنّه في بعض رواياته يعبر ابن مهزيار ويقول ( كتب فلان ورأيت الجواب بخطه عليه السلام ) فهنا أيضاً لا تضر جهالة الكاتب لأنّ عليّ بن مهزيار يقول ( رأيت بخطه )، ولكن هذه المحاولة غير تلك فإنَّ هذه لا تتضمّن عبارة ( رأيت الجواب بخطه ) وإنما نفهم ذلك من خلال العبير حيث قال ( كتبوا ) فهو يشهد بأنهم كتبوا ويشهد بأنَّ الجواب هكذا.
وفيه:- من أين اطّلع محمد بن عيسى على أنهم كتبوا وجائهم الجواب هكذا ؟! إنّه لم يقل ( رأيت الكتاب ) فلو كان يقول رأيت الكتاب الذي أرسل والجواب بخطه عليه السلام كما في روايات ابن مهزيار يكون مقبولاً ولكنّه قال ( كتبوا وجاء الجواب كذا ) ويحتمل أن الذي نقل له ذلك هو نفس الصيقل، أي أنّ نفس الصيقل قد حدّثه بأنّه كتبت إلى الإمام وجاء الجواب هكذا فصحّ آنذاك لمحمّد بن عيسى أن يقول ( كتبوا وأجاب عليه السلام بكذا )، وهذا احتمال وجيهٌ، ومعه عادة المشكلة من جديد.
الرواية الثانية:- رواية أبي بصير- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في الفراء، فقال:- كان عليّ بن الحسين عليه السلام رجلاً صَرِداً[4]لا يدفئه فراء الحجاز لأنه دباغها بالقَرَض[5]فكان يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فإذا حضر الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه فكان يسئل عن ذلك فقال إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ويزعمون أنّ دباغه ذكاته )[6]، وتقريب الدلالة على جواز بيع الميتة:- هو أنّ الإمام عليه السلام قال:- ( إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ) فالجلود كانت جلود ميتة وكانت تجلب إليه من العراق والجلب عادةً يكون من خلال البيع والشراء فيثبت بذلك أنّ البيع والشراء صحيحٌ وإلا كيف يلبسها إذ هي باقية على ملك أصحابها وبيعها باطل ؟!! فنفس تقبّل الإمام لها دليلٌ على أنّ بيع الميتة صحيحٌ.
نعم يبقى أنّه لماذا كان ينزع ذلك الفرو أثناء الصلاة ؟ فتلك قضيّة أخرى، فالبيع صحيحٌ ولكنّه لا يريد أن تكون معه أثناء الصلاة إمّا من باب أنّه لا تجوز الصلاة في جلود الميتة أو من جهةٍ أخرى تنزيهيّة.