36/01/24


تحمیل
الموضـوع:- أحكام المصدود - مسألة ( 439 ).
الرواية الثانية:- صحيحة معاوية بن عمّار:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً، قال:- يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث صدَّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة )[1]، وموضع الشاهد هو الذيل فإنه جاء فيه أنّ رسول الله حيث صده المشركون يعني القصود في عمرة الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة فيدلّ هذا على أنّ التحلّل من الاحرام عند الصدّ يلزم فيه الهدي، ببيان:- أنّ الإمام عليه السلام أراد أن يبيّن الوظيفة الثابتة في حقّ المصدود وفي مقام بيان هذه الوظيفة استشهد واستدل بفعل الرسول فيستفاد آنذاك اللزوم من فعل الرسول بعدما فرض أنّ الإمام كان في مقام بيان الوظيفة والاستشهاد على الوظيفة، إنّه بضمّ هذه الضميمة ذكر فعل جدّه فيثبت بذلك الوجوب.
ومعه لا يشكلن مشكل ويقول:- بأن فعل النبي أعمّ الوجوب، فإن هذا لا يأتي هنا باعتبار هذه الضميمة التي أشرنا إليها وهي أنّ الإمام في صدد الاستشهاد على الوظيفة والاستدلال عليها فحينما ذكر فعل الرسول يثبت بذلك الوجوب.
إذن ينبغي أن نميّز بين حالتين بين ما إذا فرض أنّ الرواية تذكر فعل الرسول ابتداءً بأن قالت:- ( النبي في صلح الحديبية نحر بدنة ) فهنا يقال إنّ الفعل أعم من اللزوم، وبين ما إذا فرض أنّ الإمام أراد أن يستشهد للوظيفة وجعل الشاهد فعل الرسول فيستفاد آنذاك من فعل الرسول اللزوم . هكذا قد تقرّب الدلالة ويدفع بهذا التقريب الإشكال بأنّ فعل الرسول أعم من الوجوب.
بيد أنه يمكن أن يشكل ويقال:- إنّ الاستشهاد على الوظيفة بفعل الرسول إنّما يدلّ على اللزوم لو كان الإمام في صدد بيان الوظيفة الواجبة - بقيد الواجبة – فهنا يكون استشهاده بفعل جدّة دالاً على الوجوب وإلا فلا يصير شاهداً ولكن من قال إنّ الإمام بصدد بيان الوظيفة الواجبة وإنما هو في مقام بيان الوظيفة الشرعية التي هي أعمّ من الواجبة أو المستحبة، فهنا نسلّم أنّ الإمام الصادق عليه السلام كان في مقام بيان الوظيفة ولكن من قال أنّه في صدد بيان الوظيفة الواجبة ؟ إنّه أوّل الكلام وإنما هو في صدد بيان أصل الوظيفة الأعم من الواجبة أو بالمستحبّة فكيف يكون فعل الرسول دالاً آنذاك على الوجوب ؟!!! وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
إذن هذه الرواية لا يمكن أن يستفاد منها لزوم الهدي في حصول التحلّل.
وهناك قضيّة جانبية:- وهي أنّ هذه الرواية جاء في صدرها مطلبٌ قد يقال بأنّا لا نعرف وجه ارتباطه بالذيل فلاحظ هل يوجد ربط بينهما حيث قالت:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا، قال:- يواعد أصحابه يوماً ... ) فالإمام ماذا يقول وما هو الاستشهاد بصلح الحديبية وما ربط هذا بذاك ؟
والجواب:- نحتمل أنّ صدر الرواية يشير إلى قضيّة أنّ الشخص الذي لم يوفّق للذهاب إلى الحج - إمّا لأنه لا يتمكّن أو لغير ذلك - وأراد أن يدرك ثواب الحج فهناك طريقة شرعيّة وهي أنّ أصحابه إذا أرادوا أن يسافروا فيرسل معهم هدياً ويتواعد معهم على يومٍ معيّن - كيوم السابع من ذي الحجة مثلاً - أن يُشعِروا أو يقلّدوا هذا الحيوان في وقتٍ معين ضحىً أو ظهراً مثلاً فإذا صار هذا اليوم وحلّ ذلك الوقت فحينئذٍ يمتنع مرسل الهدي من محرّمات الاحرام وهؤلاء يطوفون عنه أيضاً – فقط طواف - فإذا صار يوم النحر فسوف يذبحون الحيوان فيحلّ آنذاك من محرّمات الاحرام ويجوز له أن يرتكب ما يرتكبه المحلّ آنذاك وبذلك يحصل على ثواب الحج إن شاء الله تعالى، وهذه قضيّة لعلها ليست مذكورةفي كلمات الفقهاء، وهو شيء لطيفٌ وقد دلّت عليه مجموعة من الروايات ولعلّها ست روايات وقد عقد صاحب الوسائل باباً خاصاً بهذا العنوان .
ولكن يبقى التساؤل والإشكال:- وهو أنّه ما الربط بين هذا المضمون وبين صلح الحديبية ؟
والجواب:- أنّه قد يشكل مشكلٌ ويقول:- إنَّ ذبح الهدي لا يكفي وحده لحصول التحلّل بل لا بد من الحلق أو التقصير فإنّ المحرم بعد الذبح يحلّ بالحلق أو التقصير فهذا الرجل يلزم أن يحلق أو يقصّر بعد الهدي الذي يذبح عنه والإمام عليه السلام استشهد بفعل جدّه لدفع هذا الإشكال، يعني لبيان أنّ النبي صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية اكتفى في الإحلال بذبح الهدي، فحينئذٍ صار ترابطٌ بين الصدر والذيل.
ونقرأ بعض تلك الروايات التي بهذا المضمون ثم نأتي ونطبّق ما بيّناه من جديد على روايتنا:- والموجود في الوسائل[2] بابٌ عنوانه:- ( باب أنه يستحب لمن لم يحج أن يبعث هدياً أو ثمنه ويواعد أصحاب يوماً لإشعاره أو تقليده ويجتنب من ذلك اليوم ما يجتنبه المحرم ولا يلبي ثم يحلّ يوم النحر ويأمرهم أن يطوفوا عنه )، وذكر ستّ رواياتٍ مع اختلافٍ جزئيّ في مضمونها.
وعنون الشيخ الصدوق(قده) في كتاب الفقيه[3] الباب هكذا:- ( باب الرجل يبعث في الهدي ويقيم في أهله )، وذكر قريب من ذلك الشيخ الطوسي(قده).
ونعود إلى روايتنا فلنقرأها من جديد حيث جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوّعاً، قال:- يواعد أصحابه يوماً يقلدون فيه فإذا كانت تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه فإن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة ).
وعلى أيّ حال ما ذكرناه إن لم يكن هو الظاهر فلا أقل هو شيءٌ وجيهٌ لتوجيه الربط بين الصدر والذيل.
ولكن يبقى شيء:- وهو أنّ هذا هل نستفيد منه في ردّ الرواية ومناقشة الاستدلال بها أو أنه يبقى ردنا السابق وهو أنّ الإمام وإن كان في صدد بيان الوظيفة إلا أنّه من قال إنّه بصدد بيان الوظيفة الواجبة ؟ فهل يبقى إشكالنا ذاك أو يزداد إشكالاً ثانياً ؟
الظاهر إنّ بيان هذا المطلب لا يصلح لأن يكون منشأً لمناقشةٍ ثانيةٍ إضافة إلى تلك المناقشة الأولى، ولكن ما بيّنته شيءٌ جميلٌ في توجيه المقصود من الرواية.
وخلاصة ما ذكرناه في مجموع هذه النقطة الأولى - وهي أنّه هل يلزم في التحلّل عند الصدّ الهدي أو لا بل تكفي النية مثلاً -:- إنّه قد اتضح أنّه نعم نحتاج في التحلّل إلى الهدي ولكن مدرك ذلك هو الآية الكريمة بعد تفسير ( أحصرتم ) بمطلق الحبس حيث إنّه هو المعنى اللغوي، والاشكالات الثلاثة على الاستدلال بالآية الكريمة قد ناقشناها ودفعناها، وأمّا هاتان الروايتان فقد اتضحت مناقشتهما.
النقطة الثانية:- هل يلزم ضمّ الحلق أو التقصير إلى الهدي لحصول التحلّل ؟
والجواب:- نقل صاحب الجواهر(قده)[4] أنّ الأكثر ذهب إلى عدم لزوم ذلك، ثم نقل ثلاثة أقوال في المسألة غير رأي الأكثر، قولٌ بلزوم الحلق، وقولٌ بلزوم ضم التقصير، وقول بلزوم ضمّ أحدهما سواء كان الحلق أم التقصير.