32/06/07


تحمیل

 وبعد عرض هذه الروايات يتضح أن بالإمكان استفادة الحرمة منها .

نعم قد يستدل على العدم أي عدم الحرمة كما هو المنسوب إلى ابن الجنيد وغيره بالوجوه الثلاثة التالية:-

الوجه الأول:- صحيحة الحلبي المتقدمة حيث جاء فيها ( ما يعجبني إلا أن يكوكن مريضاً ) بعدما سئل عن ركوب المحرم في القبة ، بتقريب أن التعبير المذكور يدل على الكراهة فتحمل بقية الروايات الناهية على ذلك.

وفيـه :- أن التعبير المذكور صالح للاثنين معا ، فكما يصح استعماله في موارد الكراهة يصح استعماله أيضاً في موارد التحريم ، فهو يدل على الجامع ، ومعه فلا يكون منافياً للروايات الأخرى الظاهرة في التحريم .

الوجه الثاني :- صحيحة جميل بن دراج المتقدمة حيث جاء فيها ( لا باس بالظلال للنساء وقد رخص فيه للرجال ) بدعوى أن ذلك ظاهر في أن التظليل مباح ومرخص فيه للرجال ، فتحمل الروايات الأخرى على الكراهة .

وفيـه:- أن صياغة التعبير يمكن أن يفهم منها انه رخص في الحالات غير الطبيعية ، أي في حالة العذر ، وإلا لكان من المناسب أن يعبر هكذا ( لا باس بالظلال للنساء والرجال ) بلا حاجة إلى أن يعبر ويقال ( وقد رخص فيه للرجال ) إذن نفس التعبير يوحي بأن هذه الرخصة هي رخصة طارئة بسبب العنوان الثانوي ، وقد دلت على ذلك روايات أخرى وان من اضطر جاز له أن يظلل مع التكفير.

الوجه الثالث:- صحيحة علي بن جعفر ( سألت أخي عليه السلام أظلل وأنا محرم؟ فقال : نعم وعليك الكفارة، قال : فرأيت علياً إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل ) ، بدعوى أن الإمام عليه السلام جوز له التظليل غايته مع الكفارة .

وفيـه:- أن الرواية قضية في واقعة ( أي في واقعة شخصية ) لا تعرف ملابساتها وظروفها ، فعلي بن جعفر سال أخاه الإمام موسى عليه السلام ( مثلي وأنت تعرف حالي وأنت أخي هل أظلل وأنا محرم ؟ ) انه لعل المقصود هو هذا والإمام عليه السلام قال له نعم ولكن مع الكفارة ، ولا يمكن التمسك بفكرة ترك الاستفصال فان ذلك يتم إذا كان السؤال سؤالاً عن شخصٍ كليٍ مجهول الحال ، كأن يعبر هكذا ( شخص محرم هل يجوز له أن يظلل ) فإذا أجاب الإمام عليه السلام بالإيجاب مع الكفارة هنا يمكن التمسك بفكرة ترك الاستفصال ، أما بعدما كان علي بن جعفر يسال عن حال نفسه فلا يمكن التمسك بالرواية لا ثبات الرخصة في الحالات العادية ، أي حالة عدم العذر بعدما كانت قضية في واقعة.

بقيت قضية جانبية في هذه الرواية وهي ليست مهمة:- وهي ما المقصود من ( علي ) حيث قالت ( فرأيت علياً إذا قدم مكة .... ) المناسب أن يكون الفاعل في ( قال ) ضمير مستتر يرجع إلى موسى بن القاسم الذي هو يروي عن علي بن جعفر ، فان الرواية ( بإسناد الشيخ عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر ) وان موسى بن القاسم يقول كنت أرى علي بن جعفر يفعل ذلك ، ولكن صاحب الوافي[1] قال ( بيان: يعني بعلي أبا الحسن الرضا عليه السلام ) وإذا رجعنا إلى الرواية التي نقلها صاحب الوافي رأيناه ينقلها هكذا ( قال فرأيت عليا عليه السلام ) انه توجد كلمة ( عليه السلام ) وبعد وجود هذه العبارة اضطر إلى تفسير (علي ) بأنه الرضا عليه السلام ، ونحن نسلم بما قاله إذا كانت هذه العبارة موجودة ، ولكنه في غير نقله لا توجد هذه العبارة . وهذا شيء لا يوثر وليس بمهم .

 هذه وجوه ثلاثة قد يضاف إليها وجه رابع وهو التمسك بالأصل أي أصل البراءة .

 وجوابه واضح فانه مع وجود الدليل الاجتهادي لا معنى للتمسك بالأصل ، اللهم إلا أن يقال أن الروايات متعارضة ، وبعد تعارضها وعدم إمكان الجمع بينها فيكون المرجع هو البراءة ، ولكن قد اتضح أن الروايات المعارضة صالحة للجمع بما أشرنا إليه سابقا فلا معارضة مستقرة حتى تصل النوبة إلى الأصل . هذا كله في النقطة الأولى وقد اتضح أن الحرمة ثابتة في حق الرجال ، وأما النساء فيأتي حكمها في المسألة البعدية .

النقطة الثانية :- إذا وصل المحرم إلى منزله - وهو في زماننا شقة السكن ، وفي الزمان السابق هو الخباء - جاز له أن يظلل ، يعني يخرج من الخيمة إلى الدكان أوالى غيره مظللاً ، ومستند ذلك نرجئه إلى فيما بعد لأنه (قده) سوف يعقد مسالة مستقلة[2] لأجل ذلك.

النقطة الثالثة:- أن المحرم إذا لم يصل إلى منزله بعد وكان في حال المسير فيحرم عليه كما عرفنا التظليل ، ولا تختص حرمته بما ذا كان ذلك بمظلة بل يعم التظليل داخل السيارة أو ما شاكل ذلك من وسائل التظليل فلا تختص حرمته بوسيلة دون أخرى ، والوجه في ذلك إطلاق بعض الروايات من قبيل صحيحة عبد الله بن المغيرة ( أظلل وأنا محرم؟ قال : لا ) إن هذه مطلقة أو بالأحرى قل تُرِك فيها الاستفصال في مقام الجواب ، وترك الاستفصال يدل على العموم . إذن من هذه الناحية لا ينبغي التشكيك ، نعم خرج من ذلك فرد واحد وهو التظليل بظل المحمل ، فلو كانت دابة تسير وعليها محمل وكان له ظل فيمكن أن يسير أثناء سيرها عند المحمل وان ألقى المحمل ظلاله عليه ، أن هذا يجوز بعنوانه لرواية خاصة دلت على ذلك ، أما ما سوى ذلك فيتمسك بالإطلاق أو ترك الاستفصال.

 والفت النظر انه حينما قرأت متن المسالة لم اذكر فقرة منها فأضيفوها إليها وهي ( لا باس بالسير في ظل جبل أو جدار أو شجر ونحو ذلك من الأجسام الثابتة ، كما لا باس بالسير تحت السحاب المانع من شروق الشمس ).

النقطة الرابعة:- يجوز للمحرم أن يسير في ظل الأجسام الثابتة غير المتحركة كالسقوف والأشجار والجدران بل وتحت السحاب المانع من الشمس ، والوجه في ذلك هو السيرة القطعية ، فان المحرمين يمرون أثناء إحرامهم تحت السقوف ولا يحتمل أنهم لا يدخلون الزقاق الذي فيه سقف أو يبتعدون عن الشجرة في المكان الذي فيه شجرة ، أو إذا كان هناك سحاب فلا يسيرون في ذلك اليوم ، أن السيرة على خلاف ذلك جزماً ، وإلا لكان ذلك ظاهرة ملفتة للأنظار تستدعي النقل ، وعدم نقلها يدل على أن المسلمين كانوا يسيرون في ظل هذه الاشياء التي أشرنا إليها . هذا كله لو سلمنا وجود إطلاق في روايات حرمة التظليل ولو من قبيل (أضح لمن أحرمت له ) فانه إذا قيل بوجود إطلاق في مثله يشمل مثل هذه الموارد احتجنا آنذاك إلى التمسك بالسيرة ، أما إذا لم يكن هناك إطلاق كفانا في الجواز بعد عدم الإطلاق التمسك بالبراءة .

 والفت النظر إلى أن الروايات التي فيها ( أظلل وأنا محرم ) لا يصح التمسك بها لإثبات الإطلاق ، لان كلمة ( أظلل ) ظاهر في انه هو يظلل بمظلة أو تحت القبة أو الكنيسة ، أما أن يسير تحت السقف أو تحت الشجرة فلا يعبر بـ ( أظلل ) بل يقال ( أسير في ظل هذه ) فالذي قد يقال بوجود إطلاق فيه هو مثل ( أضح لمن أحرمت له ) وأما غير ذلك فيشكل وجود الإطلاق فيه .

[1] الوافي 12 - 603

[2] وهي مسألة رقم - 271