32/04/22


تحمیل

وبعد اتضاح الروايات نقول :- لو أردنا أن نوضح تشخيص العلاج بشكل مختصر فيمكننا أن نقول إن الرواية الثانية نحذفها من الحساب لأنها ضعيفة السند ، فنبقى مع الرواية الأولى والثالثة ، والمفروض أن الوارد في الرواية الثالثة هو كلمة ( إبط ) من دون ترديد ، بينما الوارد في الرواية الأولى مردد بين ( الإبط ) و (الإبطين) فتكون النتيجة هي أن في نتف الإبط الواحد شاة فضلا عن نتف الإبطين بمقتضى الصحيحة الثالثة ، فان الوارد فيها كلمة (إبط) والمفروض أن الرواية الأولى لا تأبى عن ذلك فانه بعد ترديد الوارد فيها بين الإفراد والتثنية لا تأبى عما تذكره الثالثة ، فالنتيجة تكون هي ثبوت الشاة في نتف الإبط الواحد بل في الإبطين كما انتهى إليه السيد الماتن . إن هذا علاج مختصر للموقف.

 وأما إذا أدخلنا الرواية الثالثة في الحساب ولم نقطع النظر عنها، فما هو المناسب آنذاك ؟

 المناسب أن يقول المشهور هكذا :- إن الصحيحة الأولى ورد فيها كلمة (الإبطين) فتدل على أن الثابت في نتف الإبطين هو الشاة ، والرواية الثالثة التي ورد فيها كلمة (الإبط) مفردة لا تأبى عن ذلك لوجاهة حملها على الجنس الصادق على الإبطين فتكون الرواية الأولى والثالثة متفقتين بحسب النتيجة على أن الثابت في نتف الإبطين هو الشاة ، وأما نتف الإبط الواحد فيبقى تحت رواية ابـن جبلة التي قالت ( في محرم نتف إبطه ، قال : يطعم ثلاثة مساكين) فنحمل الإبط هنا على الواحد دون الجنس فتصير النتيجة هي ما انتهى إليه المشهور .

وقد تسأل :- إن كلمة (الإبط) في الرواية الثانية والثالثة كلمة واحدة فكيف نحملها على الإفراد في الثانية وحملناها على الجنس في الثالثة ، فهل أن هناك ضابط يمكن التفريق من خلاله أو أنها مسألة لا ضابط لها ؟

والجــواب :- انه في الرواية الثالثة إن الحكم قد فرض انه دم شاة ، والرواية الأولى أيضا حكمت بأن الثابت هو دم شاة ، فكلتاهما حكمت بذلك ، وحيث أن الوارد في الرواية الأولى حسب الفرض هو كلمة (إبطين) بالتثنية ، فتحمل الثالثة على إرادة الجنس ، بمعنى أن العرف يصنع ذلك ، فحينما يسمع أن الثابت هو دم شاة في نتف الإبطين ثم يسمع أن الثابت في نتف الإبط دم شاة أيضا فيحمله على الجنس توفيقا بين اللفظين .

 وأما في الرواية الثانية فقد ورد فيها وجوب إطعام ثلاثة مساكين فيحمل اللفظ المذكور على الإفراد دون الجنس ولا تحصل معارضة بل يحصل توفيق عرفي.

 وهذا الكلام تيم بمقدمتين :-

الأولى :- أن يكون الوارد في الرواية الأولى كلمة (إبطين) بالتثنية وعليه يتعين أن نحمل كلمة (الإبط) الواردة في الرواية الثالثة على الجنس من باب التوفيق العرفي .

 وطبيعي هذا إشكال يسجل على المشهور حيث يقال لهم إن الشيخ الصدوق قد رواها بالإفراد دون التثنية.

والثانية :- أن نبني على أن رواية ابن جبلة صحيحة سندا ، وإلا فلا معنى لإدخالها في الحساب .

 ومن هنا قال صاحب الحدائق (ويمكن الجمع بحمل الصحيحة المذكورة على الإبطين بإرادة الجنس من المفرد المذكور فيها فتكون منطبقة مع صحيحة حريز على معنى واحد إلا أن المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في الوسائل نقل أن الصدوق روى أيضا صحيحة حريز بلفظ إبط بدون تثنية ، ويشكل ذلك بخلو القول المشهور من الدليل إذ المستند في وجوب الشاة في الإبطين إنما هو صحيحة حريز المذكورة كما عرفت وعلى هذه الرواية فيشكل الحكم في المقام )[1]

 إذن اتضح من خلال هذا أن التفصيل الذي ذكره المشهور يكون وجيها إذا تمت المقدمتان المذكورتان وإلا يشكل توجيهه .

 هذا ولكن السيد الخوئي (قده) ذكر[2] أن تفصيل المشهور يحتاج إلى مقدمة ثالثة كما اعترف بذلك صاحب الجواهر .

تلك المقدمة هي :- أن تكون الرواية الأولى صحيحة حريز دالة على المفهوم وان الشاة تختص فقط وفقط بالإبطين ، وأما في الإبط الواحد فلا توجد شاة أبدا ، فنلاحظ من جديد صحيحة حريز حيث قالت ( إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم ) انه لو استفدنا منها المفهوم - يعني وأما إذا لم ينتف إبطيه بل نتف إبطا واحدا فليس عليه شاة أبدا فانه يتم ما ذهب إليه المشهور ، لأنه بناءً على هذا المفهوم سوف لا تثبت الشاة في الإبط الواحد ويتعين أن يكون الثابت هو إطعام ثلاثة مساكين وهو ما دلت عليه رواية ابن جبلة .

ولكن يمكن أن يقال :- هي ليس فيها مفهوم - أو لها نصف مفهوم ، وهذا التعبير من عندي بمعنى أنها بالمنطوق دلت على أن الناتف للإبطين يتعين عليه الشاة ، وأما من لم ينتف إبطيه بل نتف إبطا واحدا فلا تتعين في حقه الشاة بل يمكن أن تثبت هنا على نحو التخيير دون التعيين ، فتعين الشاة مختص بالإبطين وأما الواحد فيمكن ثبوت الشاة فيه بنحو التخيير بينها وبين إطعام ثلاثة مساكين .

فتصير النتيجة هكذا :- إن من نتف الإبطين تثبت الشاة في حقه بنحو التعيين ، وأما في الإبط الواحد فيثبت التخيير بين الإطعام والشاة . وهذا التفصيل غير تفصيل المشهور .

  إذن إذا أراد المشهور الوصول إلى تفصيلهم فلا بد أن يقولوا ان الرواية الأولى تدل على المفهوم بنحو كامل وليس بنحو ناقص ، أي لابد أن يقولوا أن مفهومها هو إذا لم ينتف الإبطين معا فلا شاة أبداً ، إذا استفدنا هذا فسوف يتم ما ذكروه ويبقى نتف الإبط الواحد كفارته الإطعام ، ونحن نقول لهم لا يمكن لكم إثبات ذلك أي أن صحيحة حريز ليس لها مفهوم بهذا النحو بل من الوجيه أن المفهوم هو إذا لم ينتف الإبطين بل نتف واحداً فثبوت الشاة بنحو التعيين منتفٍ ، ولكن لا يعني انتفاءه أبدا ، بل لعله ثابت بنحو التخيير . وهذه نتيجة أخرى غير ما ذكره المشهور.

[1] - الحدائق ج15 ص523

[2] المعتمد ج4 ص205