جلسة 155

الكفارات

وفيه: أنّ ما ذكر وجيه لو لم تقترن موثقة سماعة بما يتنافى والتقية، حيث إنّ المناسب لأجواء التقية عدم الإطالة في الجواب من قبل الإمام، في حين أننا نلاحظ أنّ الإمام ـ عليه السلام ـ أخذ ببيان الحكم ـ وهو وجوب القضاء ـ حيث قال: «على الذي أفطر صيام ذلك اليوم...» ثمّ بعد ذلك أخذ ببيان الدليل عليه فقال: «إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يقول: (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل)[1]... ثم أخذ يذكر وجوب القضاء بقوله: «فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه؛ لأنّه أكل متعمّداً»[2]، في حين أنّ المناسب لأجواء التقية أن يُقتصر في الجواب على الفقرة الأولى، فيقال: على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، بلا حاجة إلى ذلك الدليل على ذلك وذكر ما بعد، وهذه نكتة سيّالة في جميع الموارد التي تحمل فيه الرواية على التقية، وعليه إن لم يتمّ الحمل على التقية فلابدّ من المصير إلى الموقف الثالث.

الثالث: الحكم بالتساقط والرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة، والقاعدة تقتضي وجوب القضاء والكفّارة مع عدم قيام الحجّة الشرعية على تحقق الغروب، وعدم وجوب القضاء والكفّارة مع قيامها، وعلى هذا الأساس يكون المناسب فيمن أفطر للظلمة الموهمة ثبوت القضاء والكفّارة عليه بعد عدم قيام الحجّة الشرعية لديه، لا أنّ القضاء هو الثابت فقط دون الكفّارة.

بقي في المقام شيء، وهو أنّ ثبوت القضاء فقط دون الكفّارة هل يختصّ بحالة عدم وجود الغيم؟

ذكر ـ قدّس سرّه ـ في المتن اعتبار وجود الغيم في عدم القضاء، فإذا كان موجوداً وحصل الظنّ بدخول الليل لم يحكم آنذاك بالقضاء، وأمّا إذا لم يكن هناك غيم فيجب القضاء بل الكفّارة أيضاً.

والمناسب على ما اخترناه فيما سبق ـ وهو الاحتمال الثالث الذي قلنا فيه بالتعارض والتساقط ثم الرجوع إلى مقتضى القاعدة ـ عدم التفرقة من هذه الناحية، بل المدار على وجود الحجّة الشرعية، فلا قضاء ولا كفّارة سواءً كان هناك غيم أم لا، وإذا لم تقم الحجّة الشرعية فيثبت القضاء والكفّارة سواءً هناك غيم أم لا، فالتفرقة من هذه الناحية لا مجال لها.

وأمّا على الاحتمال الثاني الذي تبنّاه السيّد الماتن قدّس سرّه ـ الذي حكم فيه بطرح الطائفة الثانية لموافقتها للعامّة والأخذ بالطائفة الأولى النافية للقضاء ـ فقد يقال أن المناسب عدم وجود القضاء سواءً كان غيم أم لا، باعتبار أنّ الطائفة الأولى النافية للقضاء مطلقة من هذه الناحية، فلم تقل لا يجب القضاء إذا كان هناك غيم.

هذا ولكن السيد الماتن ـ قدس سرّه ـ ذكر في التقرير[3] أنّ هناك قرينة تدلّ على تقيّدها بحالة وجود الغيم، فلاحظ صحيحة زرارة حيث جاء فيها: قال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة...»[4]، فعلّق ـ عليه السلام ـ لزوم إعادة الصلاة على انكشاف الخلاف، أي على رؤية قرص الشمس بعد ذلك، ومن الواضح أنّه في باب الصلاة لا يجوز للمكلّف فعلها إلاّ إذا علم بدخول الوقت أو قامت الحجّة الشرعية على ذلك، وأمّا لو دخل الشخص في الصلاة من دون هذين الأمرين فحكمه الإعادة حتى إذا لم يتبيّن الخلاف بل بقي الأمر مبهماً؛ لأنّ الروايات دلّت على أنّ الإتيان بالصلاة لا يكون مسقطاً للتكليف إلاّ إذا علم بدخول الوقت، من قبيل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى ـ عليه السلام ـ: في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر ولا يدري أطلع أم لا، غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع؟ قال: «لا يجزيه حتى يعلم أنّه قد طلع»[5].

وعليه فصحيحة زرارة في مقامنا بعد فرض عدم قيام الحجّة الشرعية على تحقق الغروب يلزم حملها على حالة وجود المانع النوعي، أي الغيم، وإذا ثبت أنّ صحيحة زرارة لابدّ من حملها على حالة وجود الغيم فيلزم أن يكون الحكم بمضي الصوم مختصّاً بحالة وجود الغيم أيضاً، ومن هنا حكم بأنّ من أفطر للظلمة الموهمة لدخول الغروب لا يلزمه القضاء فيما إذا كان هناك غيم، وأمّا إذا لم يكن غيم فيلزم القضاء بل الكفّارة؛ لأنّ صحيحة زرارة النافية للقضاء مختصّة بقرينة ذكر الصلاة بحالة وجود الغيم.

___________________________

[1] البقرة: 187.

[2] الوسائل 10: 121، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب50، ح1.

[3] مستند العروة الوثقى 1: 403 كتاب الصوم.

[4] الوسائل 4: 167، أبواب المواقيت، ب13، ح4.

[5] الوسائل 4: 280، أبواب المواقيت، ب58، ح4.