جلسة 136

كفارات الصوم

وفيه: أن الصحيحة قد اشتملت على تشبيهين، ففي التشبيه الأوّل بُيّن أن من هلّ عليه هلال الشهر الثاني عشر فهبة ماله بعد ذلك لا ترفع عنه وجوب الزكاة، وهو شبيه بالصائم إذا أراد السفر بعد الزوال، فإنه بتحقق الزوال يستقر وجوب الصوم ولا ينفع السفر بعد ذلك في رفع الوجوب.

وأمّا التشبيه الثاني فقد أُريد أن يقال: إن من وهب ماله قبل هلال الثاني عشر فلا وجوب للزكاة عليه ثم أخذ الإمام ـ عليه السلام ـ بالتشبيه، والمناسب أن يشبّه ذلك بمن سافر قبل الزوال ثم أفطر بعد سفره فإنه لا كفّارة عليه؛ باعتبار أن السفر قد تحقق قبل أن يستقر وجوب الصوم في حقه.

والذي نريد أن نقوله هو: إن التشبيه بنفسه قرينة على كون المقصود من الخروج في التشبيه الأوّل هو الخروج بعد الزوال، وفي التشبيه الثاني هو الخروج قبل الزوال، ومجرد أنه أُريد من الخروج الأوّل الخروج بعد الزوال لا يصلح لأن يكون قرينة على كون المقصود من الخروج الثاني ذلك، بعد فرض أن نفس التشبيه قرينة على تغاير المقصود من الخروجين، وعليه فلا غموض في الصحيحة من هذه الناحية ولا إشكال عليها، ويكون التمسك بها لإثبات وجوب الكفارة على من أفطر متعمّداً أوّلاً ثم سافر بعد ذلك ثانياً أمراً وجيهاً، غايته هي خاصة بمن أفطر ثم سافر، وإذا أردنا التعدي فبإمكان الفقيه التعدي إلى الأسباب الأُخرى الاختيارية الرافعة للوجوب باعتبار عدم الخصوصية للسفر من هذه الناحية، ولا يمكنه التعدي إلى الأسباب غير الاختيارية كما إذا طرأ المرض أو الحيض والنفاس على المرأة، وعلى هذا الأساس ينبغي التفصيل بين الأسباب الاختيارية فلا يرتفع وجوب الكفّارة بها لو حصل الإفطار العمدي قبلها، وبين ما إذا كان الطارئ سبباً غير اختياري فيرتفع، ومدرك التفصيل المذكور هو التمسك بالصحيحة المتقدمة في الشق الأوّل، وبمقتضى القاعدة في الشق الثاني.

(مسألة 1013: إذا كان الزوج مفطراً لعذر فأكره زوجته الصائمة على الجماع لم يتحمل عنها الكفارة، وإن كان آثماً بذلك، ولا تجب الكفارة عليها) [1].

تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:

النقطة الأُولى: أن الزوج إذا لم يكن صائماً لعذر وأكره زوجته على الجماع فلا تثبت الكفّارة عليه بلحاظ نفسه، وأيضاً لا تثبت عليه بلحاظ زوجته، كما لا تثبت عليها الكفّارة.

أمّا أنه لا تثبت عليه بلحاظ نفسه فلأنه مفطر لعذر.

وأمّا أنه لا تثبت على زوجته الكفّارة فلأنها مكرهة والمكره لا كفّارة في حقه تمسكاً بحديث الرفع [2] .

وأمّا أنه لا كفّارة عليه بلحاظ زوجته فباعتبار أن تحمل الزوج للكفّارة أمر على خلاف القاعدة، فكل إنسان يتحمل الكفّارة عن نفسه، وأمّا تحملها عن غيره فأمر يحتاج إلى دليل، والدليل مختص بما إذا كانا صائمين حسبما تقدمت الإشارة إليه[3]، والتعدي لا وجه له بعد احتمال الخصوصية لكونهما صائمين.

النقطة الثانية: أن الزوج بعد ما لم تثبت عليه الكفّارة لما تقدمت الإشارة إليه، فهل يثبت في حقه الإثم بفعله المذكور أم لا؟

وقع الخلاف بين الأعلام في ذلك على قولين:

القول الأوّل: عدم ثبوت الإثم في حقه باعتبار أنه مفطر، ويكون إكراهه آنذاك إكراهاً على مباح، إذ الجماع في حقه مباح لفرض الإفطار، وفي حق الزوجة كذلك لفرض الإكراه.

وممن احتمل هذا العلامة في (القواعد) وجزم به المحقق الثاني في شرحه له، فقد قال العلامة ـ قدّس سرّه ـ: المسافر إذا أكره زوجته وجبت الكفّارة عليه عنها لا عنه، ويحتمل السقوط لكونه مباحاً له غير مفطر لها.

وعلّق المحقق الثاني ـ قدّس سرّه ـ بقوله: الأصح لا كفّارة إذ لا يتصوّر الكفّارة عنها، إذ لا شيء من قبلها يقتضيها ولا من قبله؛ لأنّه مباح له[4] .

فإن التعليل بقوله لكونه مباحاً، أو لأنه مباح له يدل على أن الزوج لا إثم عليه.

القول الثاني: ثبوت الإثم في حقه وكون فعله محرماً؛ باعتبار أن إكراهه آنذاك إكراه على ما ليس بحق، فليس من حق الزوج مطالبة زوجته بالجماع ما دامت صائمة.

وممن اختار هذا القول صاحب (المدارك) قدّس سرّه، حيث قال: والأصح التحريم لأصالة عدم جواز إجبار المسلم على غير الحق الواجب عليه [5].

وعلى أي حال، قد يستدل على التحريم بالوجهين التاليين:

الوجه الأوّل: ما أشار إليه صاحب (المدارك) قدّس سرّه، وتبناه السيد الحكيم [6] ـ قدّس سرّه ـ وحاصله: أن الزوج لا حق له في مطالبة زوجته بالجماع ما دامت صائمة، فإكراهه آنذاك على ذلك يكون إكراهاً على ما ليس حقاً له.

وكأنّ هناك كبرى مقدرة لم تذكر لوضوحها، وهي أنه كلما كان الإكراه على ما ليس بحق فهو محرم.

والتأمل في ذلك واضح، إذ الكبرى المذكورة قابلة للمناقشة؛ فإن الإكراه يكون محرماً لو كان إكراهاً على الحرام أو كان إكراهاً على المباح، ولكن كان الجزاء المترتب أمراً محرماً.

مثال الأوّل: ما إذا أكره شخص غيره على شرب الخمر أو سائر المحرمات.

ومثال الثاني: ما إذا أكرهه على شرب الماء وتوعده إذا لم يشرب بالسجن مثلاً، فإنه في مثل هاتين الحالتين يكون الإكراه محرماً، وأمّا إذا لم يكن الأمر كذلك فلا دليل على الحرمة، كما لو قال الزوج لزوجته: اسقطي حق المبيت عندك وإلاّ طلقتكِ أو تزوجت عليكِ، وكان طلاقها أمراً صعباً عليها بشدة، وهكذا الزواج بالأُخرى، فإنه هنا يكون إكراهها على ما ليس بحق، إذ ليس من حقه مطالبتها بإسقاط حق المبيت، ولكنه هل ذلك محرم؟ كلا لعدم الدليل على ذلك، ومقامنا من هذا القبيل.

_________________________

[1] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم فصل الكفارات ص271.

[2] الوسائل 15: 369، أبواب جهاد النفس وما يناسبه، ب56، ح1.

[3] تقدم ذلك في مسألة 1010.

[4] جامع المقاصد في شرح القواعد ج3 كتاب الصوم ص76.

[5] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ج6 كتاب الصوم، بعض أحكام الصائم ص119.

[6] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص365.