جلسة 135

كفارات الصوم

وفيه: أن ذلك قابل للمناقشة نقضاً وحلاً.

أمّا نقضاً؛ فباعتبار أن صاحب القصة المشار إليها في الحديث كان فقيراً ولم يمكنه التكفير، فكان من المناسب أن يرشده النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ إلى أن كفّارته الاستغفار باعتبار أنه لا يتمكن من دفع الكفّارة، وبالتالي لا موجب لهذا الاضطراب والخوف، والحال أنه ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ لم يبين ذلك بالرغم من كون الاستغفار هو الكفّارة في حالات عدم التمكن، والسيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ يسلم ذلك، هذا نقضاً.

وأمّا حلاً؛ فلأن مسألة السفر ليست مسألة سهلة في ذلك الزمان كما هي الحال في زماننا هذا، فإن السفر الشرعي كان في ذلك الزمان يعبّر عنه بمسير يوم، ومسير يوم كما نعرف يحتاج إلى بعض اللوازم وليس أمراً سهلاً، هذا مضافاً إلى أن تعليم ذلك ربما يكون موجباً للتجري من قبل بعض الأشخاص، فإنهم إذا عرفوا أنه يوجد طريق لاسقاط الكفّارة عنهم فسوف يتساهلون آنذاك في ارتكاب المفطر، حيث يقول كل واحد مع نفسه إن أقصى ما يترتب عليّ هو الكفّارة ودفعها عني أمر سهل، وذلك بأن اُسافر؛ وذلك غفلة منه أنه قد خالف الله ـ عزّ وجلّ ـ وارتكب معصية وإثماً مبيناً لا يمكن رفعه إلاّ بالتوبة الصادقة.

الوجه الرابع: التمسك بصحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم قالا: قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ «أيّما رجل كان له مال حال عليه الحول فإنّه يزكّيه»، قلت له: فإن وهبه قبل حلّه بشهر أو بيوم؟ قال: «ليس عليه شيء أبداً»، قال: وقال زرارة عنه أنّه قال: «إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته، ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفّارة التي وجبت عليه»، وقال: «إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، ولكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء بمنزلة من خرج ثم أفطر...» الحديث [1] .

وقبل الدخول في تقريب الاستدلال لابدّ من الإشارة إلى توضيح نقطتين جانبيتين:

الأُولى: أنه جاء في صدر الصحيحة: إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته...، واسم الإشارة يرجع إلى ما أُشير إليه في صدر الصحيحة أي إلى قوله: «أيّما رجل كان له مال حال عليه الحول فإنّه يزكّيه...»، فالإمام ـ عليه السلام ـ كأنه يريد أن يقول: إنه بعد ما حال الحول فالزكاة تكون واجبة ولا تنفع آنذاك الهبة، فالهبة لا تسقط وجوب الزكاة ما دامت بعد أن هلّ هلال الشهر الثاني عشر، وذلك أشبه بمن أفطر في شهر رمضان ثم بعد الزوال أخذ بالسفر قاصداً بذلك إسقاط الكفارة، فإن ذلك لا ينفع، إذ السفر بعد الزوال لا يرفع وجوب الصوم حيث استقر وجوب الصوم بمضي الزوال.

الثانية: جاء في الصحيحة ما نصه: «إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوماً في إقامته، ثم يخرج في آخر النهار في سفر...»، فما هو المقصود من قوله ـ عليه السلام ـ آخر النهار؟

المقصود هو ما بعد الزوال كما أشرنا إليه في توضيح النقطة الأُولى، فالسفر بعد الزوال لا ينفع في رفع وجوب الكفّارة إذ قد استقر وجوب الصوم بتحقق الزوال، ولا يحتمل كون المقصود من آخر النهار هو ما قبل الزوال، فإنه لا يصح التعبير عنه بذلك.

وباتضاح هذا نعود إلى موضع الاستشهاد ونقول: إن الصحيحة قد ذكرت في ذيلها «ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شيء، بمنزلة من خرج ثم أفطر»، أي من خرج قبل الزوال بقصد السفر ثم أفطر في سفره، فإنه آنذاك لا تثبت عليه الكفّارة، ومفهوم ذلك أنه لو أفطر أولاً ثم خرج بعد ذلك لم يرتفع عنه وجوب الكفّارة، فالاستشهاد إذن ليس بمنطوق الذيل بل هو بمفهومه كما هو واضح، وعليه فتكون دلالة الصحيحة على المدعى واضحة.

هذا ولكن السيد الحكيم [2] ـ قدّس سرّه ـ ذكر أن الوارد في الذيل كلمة «خرج» والاستشهاد إنما يتم لو كان المقصود خرج قبل الزوال ثم أفطر بعد الخروج، ومفهومها آنذاك لو أفطر أولاً ثم خرج قبل الزوال بعد ذلك لم ينفعه ذلك في رفع الكفّارة عنه، ولكن ليس المقصود هو ذلك بل المقصود هو بمنزلة من خرج بعد الزوال، والقرينة على ذلك هي كلمة «يخرج» في قوله ـ عليه السلام ـ: «... ثم يخرج في آخر النهار في سفر...»، فإن كلمة «يخرج» في هذه العبارة يقصد منها الخروج بعد الزوال، فيتعين أن يكون المقصود من كلمة «خرج» الوارد في ذيل الصحيحة هو ذلك أيضاً، أي خرج بعد الزوال ثم أفطر، وحيث إن هذا الذيل بهذا التفسير لا يمكن الالتزام بمضمونه، إذ لا إشكال في عدم سقوط الكفّارة بالخروج بعد الزوال والإفطار بعده، فيسقط الذيل المذكور عن الاعتبار؛ لأنه يدل على مضمون لا يمكن الالتزام به، وعلى هذا الأساس أسقط ـ قدّس سرّه ـ الصحيحة المذكورة عن صلاحية الاستدلال بها.

_________________________

[1] الكافي 3: 521/ 4، الوسائل 10: 134، أبواب ما يمسك عنه، ب58، ح1.

[2] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص359.