جلسة 104

مفطرات الصوم

الاُولى: رواية زرارة وأبي بصير قالا جميعاً: سألنا أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلاّ أنّ ذلك حلال له؟ قال: «ليس عليه شيء»[1] ، ودلالتها واضحة غايته هي خاصة بالجماع، ولكن يمكن التعدي إلى غيره بعد عدم احتمال الفصل.

لكن الكلام في سندها حيث عبّر عنها في كلمات الأعلام بالموثقة، فقد رواها الشيخ عن علي بن الحسن بن فضّال، عن محمّد بن علي، عن علي بن النعمان، وطريق الشيخ إلى ابن فضّال وإن كان مشتملاً على الزبيري، إلاّ أنه يمكن التساهل من ناحيته، بناء على كفاية شيخوخة الإجازة في إثبات الوثاقة، فتنحصر المشكلة بمحمّد بن علي، وقد فحصنا عنه حيث إنه مردد بين جماعة ولم نتمكن من تشخيصه بالنحو المطلوب، ولأجل هذا عدلنا عن التعبير عنها بالموثقة إلى التعبير عنها بالرواية.

الثانية: صحيحة عبد الصمد بن بشير، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث أن رجلاً أعجميّاً دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه، فقال لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: إنّي كنت رجلاً أعمل بيدي واجتمعت لي نفقة فجئت أحجّ، لم أسأل أحداً عن شيء، وأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قبل رجلي، وأنّ حجّي فاسد، وأنّ عليّ بدنة، فقال له: «متى لبست قميصك، أبعدما لبيت أم قبل»، قال: قبل أن اُلبّي، قال: «فأخرجه من رأسك، فإنّه ليس عليك بدنة، وليس عليك الحجّ من قابل، أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه» [2].

وموردها وإن كان هو باب الإحرام، ولكن القاعدة التي ذكرها الإمام ـ عليه السلام ـ عامة ولا معنى لتخصيص الوارد بالمورد، فالوارد ما دام عاماً يؤخذ بعمومه وإن كان المورد خاصاً. وذكرُ أصحاب الحديث لها في باب الإحرام لا يصلح لأن يكون قرينة على الاختصاص، وعليه فعمومها لغير باب الإحرام لا ينبغي التشكيك فيه، ومعه كيف يمكن التخلص من هاتين الروايتين؟

وأجاب صاحب (المدارك) [3] ـ قدّس سرّه ـ بأنهما تدلان على سقوط الكفارة عن الجاهل، وعلّق على ذلك صاحب (الحدائق) [4] ـ قدّس سرّه ـ بما نصه: إن الرواية التي استند إليها في سقوط الكفارة دالة بعمومها على سقوط القضاء أيضاً، وعليه فعموم الروايتين لنفي القضاء والكفارة معاً لا ينبغي التشكيك فيه، خلافاً لصاحب (المدارك)، فنحتاج على هذا الأساس إلى بيان آخر لنتخلص به منهما حتى يعود مقتضي وجوب القضاء بلا مانع.

وقد أجاب السيد الخوئي [5] ـ قدّس سرّه ـ بثلاثة أجوبة:

الأوّل: أن الروايتين ليستا أخص مطلقاً من مطلقات وجوب القضاء لتكونا مخصصتين له، بل النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه، فإن المطلقات خاصة بالقضاء وعامة من جهة العالم والجاهل، بينما الروايتان خاصتان بالجاهل وعامتان لنفي القضاء والكفارة، ومادة المعارضة والاجتماع هي الجاهل من حيث القضاء، فالمطلقات تثبت القضاء، بينما الروايتان تنفيانه، ومحل كلامنا ونزاعنا هو ذلك، أي الجاهل من حيث القضاء.

وربما يقال تتساقطان في المادة المذكورة ونرجع آنذاك إلى أصل البراءة، وتكون النتيجة في صالح صاحب (الحدائق) ـ قدّس سرّه ـ النافي للقضاء عن الجاهل، ولكن التساقط لا تصل النوبة إليه حيث يلزم تقديم المطلقات، وتكون النتيجة آنذاك وجوب القضاء كما عليه المشهور.

أمّا لماذا يلزم تقديم المطلقات في مادة الاجتماع والمعارضة؟ ذلك باعتبار أننا لو أخرجنا مادة الاجتماع من المطلقات فسوف تنحصر المطلقات بالعالم فيختص وجوب القضاء به، فمن علم بأن هذا مفطر تثبت المفطرية في حقه.

وبتعبير آخر: من علم بوجوب القضاء يجب عليه القضاء، فإن معنى المفطرية وجوب القضاء، فإذا اختصت بالعالم كان ذلك يعني اختصاص وجوب القضاء بالعالم بوجوب القضاء، وهذا لا يمكن المصير إليه، لا لما قد يخطر إلى الذهن من لزوم محذور الدور، فإن ذلك يمكن دفعه بشكل أو بآخر على ما ذكر في علم الاُصول، وإنما ذلك من جهة اُخرى، وهي أن حيثية العلم في نظر العاقل حيثية الكشف دون التوليد، فعلمي بنزول المطر مثلاً لا يولّد نزوله، بل يكشف عنه، وفي مقامنا لو قلنا باختصاص وجوب القضاء بالعالم به فلازم ذلك ألاّ يكون وجوب القضاء ثابتاً قبل العلم به ويتولد بالعلم به، وهذا كما قلنا لا يتقبله عاقل، فاختصاص وجوب القضاء بالعالم هو مرفوض من هذه الناحية، وعليه فمادة الاجتماع والمعارضة يلزم إدخالها في المطلقات حتى لا يلزم محذور اختصاص الحكم بالعالم، وبعد إخراجها من الروايتين وإدخالها في المطلقات تعود الروايتان مختصتين بنفي الكفارة لا بنفي القضاء والكفارة، وهذا لا محذور فيه.

إذاً مادة الاجتماع لو أخرجناها من المطلقات يلزم محذور، بينما لو أخرجناها من الروايتين لا يلزم محذور، وكلما دار الأمر بين إخراج مادة الاجتماع من ذلك الدليل الذي يلزم منه محذور، أو من هذا الدليل الذي لا يلزم منه محذور، تعين إخراجها من الثاني وإدخالها في الأوّل، وهذه من القواعد التي ينبغي التوجه إليها في مسألة المعارضة.

ومن خلال ما ذكره ـ قدّس سرّه ـ يمكن أن نستحصل على دليل جديد لإثبات وجوب القضاء بنحو مطلق وشامل حتى في حق من لا علم له، وحاصله: أن الحكم بوجوب القضاء إذا ثبت في حق العالم ثبت في حق الجاهل أيضاً، وإلا يلزم محذور الاختصاص الذي قلنا هو مرفوض لا لمحذور الدور، بل لمحذور آخر.

_____________________________

[1] الوسائل 10: 53، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب9، ح12.

[2] الوسائل 12: 488 ـ 489، أبواب تروك الإحرام، ب45، ح3.

[3] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 6: 66.

[4] الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة 13: 62.

[5] مستند العروة الوثقى 1: 253.