جلسة 87

مفطرات الصوم

ذكرنا في مسألة 999 أن السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ وجماعة فصلوا في الفضلات النازلة والصاعدة بين ما إذا لم تصل إلى الفم فيجوز ابتلاعها لعدم صدق عنوان الأكل، وبين ما إذا وصلت إليه فلا يجوز ذلك لصدق عنوان الأكل آنذاك، وذكر في توجيه عدم الجزم بالمفطرية والكفارة والانتقال إلى الاحتياط أنه لو كنّا نحن وهذا المقدار فالمناسب هو الفتوى بنحو الجزم بالمفطرية، حيث يصدق عنوان الأكل، ومقتضى المطلقات الناهية عن الأكل هو الحكم بمفطرية كلّ أكل، ولكن الذي دعانا إلى الاحتياط هو موثقة غياث المتقدمة التي دلت على نفي البأس عن ازدراد النخامة، فإن كلمة النخامة مرددة بين احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: أنها تعم الفضلة الصاعدة والنازلة معاً كما نقلنا ذلك عن (القاموس).

الاحتمال الثاني: أنها خاصة بالصاعدة كما يظهر من المحقق في (الشرائع).

الاحتمال الثالث: أنها خاصة بالنازلة.

وعلى هذا الأساس فمطلقات مفطرية الأكل تدل على مفطرية النخامة بكلا المعنيين ما دامت وصلت إلى الفم، بينما الموثقة تدل على سبيل الجزم على نفي البأس عن واحد من دون تعيين، فيدخل المقام في كبرى مذكورة في علم الاُصول، وهي أنه متى ما كان لدينا إطلاق أو عموم وورد عليه مخصص منفصل وكان مردداً بين المتباينين فيقسط العام أو المطلق عن الحجية، إذ حجيته بلحاظ أحد المتباينين دون الآخر ترجيح بلا مرجح، ومعه تصل النوبة إلى الاُصول العملية، أي ما دام لا يمكن التمسك بالإطلاق الذي هو دليل اجتهادي فتصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي وهو الأصل العملي، وفي المقام يوجد علم إجمالي بحلية أحد معنيي النخامة، فالحلال إما الصاعد أو النازل، بينما الآخر هو محرم بمقتضى مطلقات حرمة الأكل، ويكون ذلك أشبه بمسألة الإناءين الذي نعلم بحلية واحد وبحرمة الآخر، فإنه ما دمنا نعلم بحرمة واحد فيجب الاجتناب عنهما معاً، وأمّا العلم بحلية واحد فليس منجزاً؛ لأن المنجز هو العلم بالتكليف، والإباحة ليست تكليفاً، ومن هنا لم يجزم ـ قدّس سرّه ـ بمفطرية الفضلات إذا وصلت إلى الفم، بل احتاط لأجل هذا العلم الإجمالي. هذا حصيلة ما ذكره قدّس سرّه.

وفيه: ما تقدمت الإشارة إليه حيث يرد:

أولاً: أننا لا نسلم بصدق عنوان الأكل على الفضلة الواصلة إلى الفم ولا أقل من جهة انصراف ذلك عنها، ومعه فالمطلقات الناهية عن الأكل لا يمكن التمسك بها في المقام كي يقال نحن نعلم بحرمة أحدهما.

ثانياً: لو تنزلنا وسلمنا بصدق عنوان الأكل حتى على الذي لم يأتِ من الخارج فنقول الموثقة إذا دلت على حلية الفضلة بأحد المعنيين فسوف يثبت حليتها بالمعنى الآخر أيضاً؛ لأننا لا نحتمل الفرق بين الصاعد والنازل من هذه الناحية، فالموثقة على هذا الأساس تدل على حلية ابتلاع الفضلة بكلا معنييها، غايته تدل مباشرة على حلية أحد المعنيين، وبضم عدم احتمال الفرق تدل على حلية الآخر، وعليه فالعلم الإجمالي الذي أشار إليه ـ قدّس سرّه ـ لا يمكن التمسك به من ناحيتين:

الاُولى: لا علم لنا بحرمة أحد معنيي النخامة لفرض أنه لا يصدق الأكل ولو بسبب الانصراف، فالمطلقات لا يمكن التمسك بها.

الثانية: أن الموثقة تدل على حلية كلا المعنيين، غاية أحدهما بالمباشرة والثاني بضم عدم احتمال الفرق.

تخليل الأسنان

لم يتعرض ـ قدّس سرّه ـ في (منهاج الصالحين) إلى مسألة تخليل الأسنان للصائم قبيل الفجر، والمناسب أن يبحث عن ذلك من ناحيتين:

الاُولى: هل يجب على المكلف التخليل قبيل الفجر أم لا؟

الثانية: على تقدير عدم التخليل ووصول شيء إلى الجوف من تلك الأشياء الموجودة بين الأسنان فهل يحكم بالمفطرية والكفارة أم لا؟

وفي تحقيق ذلك نقول تارة: نفترض أن المكلف يعلم أنه لو لم يخلل أسنانه فسوف يصل شيء من الطعام إلى الجوف جزماً، واُخرى يحتمل ذلك بدون جزم.

أمّا الحالة الاُولى التي هي نادرة عادة فالمناسب وجوب التخليل تكليفاً؛ لفرض أن المكلف يعلم بنزول شيء إلى الجوف لو لم يخلل فيلزمه التخليل كي لا يرتكب المفطر عن عمدٍ، وهكذا المناسب الحكم بالمفطريةإ بل الكفارة، إذ بعد علم المكلف بالدخول إلى الجوف لو لم يخلل يصدق عليه لو دخل شيء إلى الجوف أنه أكل عمداً، والأكل عمداً مفطر وموجب للكفارة، فالحكم من هذه الناحية واضح.

نعم، هناك تساؤل، وهو أنه هل نحكم بالمفطرية بعد أن يتحقق دخول شيء إلى الجوف أثناء النهار بحيث لو لم يدخل وكان العلم مخالفاً للواقع فلا يحكم بالمفطرية، أو أنه يحكم بالمفطرية حتى لو لم يتحقق دخول شيء إلى الجوف؟

ذكر السيد اليزدي[1] أن المفطرية تختص بحالة الدخول للجوف، أي اختار الاحتمال الأوّل.

والمناسب بناء المسألة على مسألة اُخرى قد تقدمت الإشارة إليها عند البحث عن نية الصوم، وهي أن نية القاطع توجب المفطرية أو لا، فلو نوى المكلف أن يأكل بعد دقائق ولكنه لم يأكل فهل ذلك يوجب بطلان صومه؟ فإن قلنا بأن نية القطع موجبة للمفطرية ولو لم يرتكب القاطع بالفعل ـ باعتبار أن نية القاطع تستلزم الاختلال في استمرار نية الصوم في فترة من النهار، وحيث إن النية يعتبر استمرارها فيحكم بالمفطرية، لو لم يتحقق الاستمرار ـ ففي المقام يحكم بالمفطرية حتى لو لم يتحقق الدخول، لفرض قصد القاطع، إذ هو يعلم أنه في النهار سوف يدخل شيء إلى جوفه، وأمّا إذا لم نبنِ على ذلك وقلنا إن نية القاطع بمجردها ليست مفطرة كما اخترنا ذلك سابقاً، فالمناسب ما اختاره السيد اليزدي قدّس سرّه.

[1] حواش العروة الوثقى 3: 542.