جلسة 54

المفطرات

النقطة الثانية: أن المفطّرية بناءً على تسليمها تختص بحالة التعمّد، فمن تعمّد البقاء على الجنابة إلى أن طلع الفجر تحقّق منه الإفطار بمعنى وجوب القضاء، أمّا مَنْ لم يتعمّد ولكنه استمر على الجنابة إلى الفجر بدون تعمّد فلا تتحقّق المفطّرية في حقّه.

ومن هنا يحكم بأنّ مَنْ كان يأتي بالغُسل بشكل باطل لفترة طويلة أو قصيرة ثم التفت إلى بطلان غُسله فتجب عليه إعادة الصلاة فقط دون الصوم.

أمّا أنّ الصلاة تلزم إعادتها فلأنّ الطهارة شرط واقعي وحيث لم تتحقّق فيجب قضاءها.

وأمّا الصوم فحيث إنّ المفطر هو تعمّد البقاء على الجنابة ولا تعمّد في الفرض ـ لأنه لا يدري ببطلان غُسله ـ فلا يجب عليه القضاء.

وهكذا الحال لو فرض أنّ المكلّف اشتبه في توقيت الساعة ثم اتضح أن الفجر قد طلع وهو لم يغتسل بسبب اشتباه الساعة فلا يجب عليه القضاء، إذ لا تعمّد في البقاء على الجنابة، وهكذا في بقية الحالات التي لا يفترض فيها التعمّد.

أما لماذا كانت المفطّرية خاصة بتعمّد البقاء دون نفس البقاء؟، ذلك باعتبار أن الروايات السابقة لا يستفاد منها أكثر من ذلك فإنها كانت على طوائف ثلاث:

الاُولى: ما دلَّ على أن تارك الغُسل متعمّداًَ إلى أن طلع الفجر تلزمه الكفارة، وهذا كما ترى مختص بالمتعمّد.

الثانية: ما دلَّ على أن ناسي الغُسل لأيام يلزمه القضاء، وهذا مقتضاه الاختصاص بالمتعمّد لأن الأولوية تقتضي ذلك لا أكثر.

الثالثة: ما دلَّ على أنّ مَنْ نام بعد العلم بالجنابة واستمر نومه إلى الفجر لزمه القضاء، وهذا خاص بالمتعمّد أيضاً لأن الأولوية تقتضي المقدار المذكور أيضاً لا أكثر.

إذاً، لأجل القصور في المقتضي وعدم سعته لأكثر من المتعمّد خُصِّصت المفطّرية بخصوص المتعمّد، وما زاد يتمسك فيه بأصل البراءة.

النقطة الثالثة: أن المفطّر هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر دون ما زاد عن الفجر، فلو فرض أن المكلّف علم بجنابته حين الفجر بحيث لا يتمكن من الغُسل والتيمم، ففي مثل ذلك يحكم بصحة صومه وعدم لزوم القضاء حتى لو تعمد ترك الغُسل إلى الزوال بل إلى المغرب، فتعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر هو المفطّر، وأما ما زاد فحيث لا دليل على مفطريته فيتمسك بأصل البراءة، وهذه مسألة يُسئل عنها كثيراً، فيقال: إذا تحقّقت الجنابة من المكلّف بالاحتلام بعد الفجر، أو اطلّع عليها بعد الفجر فهل تلزمه المبادرة إلى الغُسل؟، كلا، وذلك لعدم الدليل على اعتبار الطهارة حالة الصوم، وإنما المعتبر هو الطهارة حين طلوع الفجر للملتفت.

النقطة الرابعة: أنّ الحكم بالمفطّرية يختص بشهر رمضان وقضاءه دون بقية أفراد الصوم، فمن أراد أن يصوم ندباً، أو وفاء بالنذر، جاز له ذلك وإن تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر.

والمشهور بين الأصحاب هو التعميم لبقية أفراد الصوم من دون تخصيص بشهر رمضان وقضاءه، حيث عُدَّ من جملة المفطّرات تعمّد البقاء على الجنابة إلى الفجر من دون أن يقيدوا ذلك بشهر رمضان وقضاءه، فيفهم من ذلك أن الحكم عندهم عام كما ذكر صاحب (الحدائق) [1] وصاحب (الجواهر)[2]، ولكن ذكر المحقّق في (المعتبر)[3] ما نصه: (ولقائل أن يخص هذا الحكم بشهر رمضان دون غيره من الصيام).

وتردّد العلاّمة في (المنتهى) [4] حيث قال: (هل يختص هذا الحكم برمضان؟ فيه تردّد ينشأ من تنصيص الأحاديث على شهر رمضان من غير تعميم، ولا قياس يدلّ عليه، ومن تعميم الأصحاب وإدراجه في المفطّرات مطلقاً).

وعلى أيّ حال المشهور كما قلنا هو التعميم، بينما النصوص التي مرّت خاصة بشهر رمضان، فما هو الوجه في التعميم؟

ذكر الشيخ الهمداني في (مصباح الفقيه)[5] ما حاصله: أن الأمر متى ما تعلّق بالصوم بنحو الاستحباب أو الوجوب فالمتبادر أنّ المطلوب هو نفس الصوم المعتبر في شهر رمضان من حيث الشرائط والموانع، فلو دلّ الدليل على أنّه يستحب صوم يوم الاثنين مثلاً فالمتبادر أن المطلوب هو نفس الصوم المعتبر في رمضان، وحيث إنّ صوم رمضان يعتبر فيه عدم تعمّد البقاء فيلزم أن يكون ذلك معتبراً في صوم يوم الاثنين أيضاً.

وفيه: أنّ عهدة ما ادّعاه من التبادر عليه قدّس سرّه، فإنّ التبادر المذكور محتمل وليس جزمياً، ومعه يتمسك بالبراءة في بقية الموارد، كما أشار إليه صاحب (المدارك)[6] حيث قال: إنّ مقتضى البراءة عدم التعميم إلاّ أن يدلّ دليل على التعميم وحيث إنّه مفقود فيتمسك بالبراءة.

هذا ولكن صاحب (الحدائق)[7] ذكر أن دعوى الأصل المذكور لا يخلو من مجازفة، فإنه لم يقم لنا دليل على اعتبار هذا الأصل الذي يُكرّر التمسك به في غير مقام.

وما ذكره ـ قدّس سرّه ـ واضح التأمّل لا باعتبار أنّ النصوص قد دلّت على أصل البراءة حتى يقال بأنّها معارضة بنصوص اُخرى وما شاكل ذلك، بل أنّ البراءة مما جرت عليها سيرة المتشرعة والفقهاء من دون تأمّل، فإننا نشك كثيراً في اعتبار اُمور في الصوم كشم الرائحة الطيبة، أو النتنة، أو الجلوس في الماء، أو الاستحمام، أو غير ذلك مما يشك كثير من الناس في مفطّريته، وبناءً على ما ذكره من إنكار الأصل المذكور يلزم الاحتياط في جميع هذه الموارد، فبدلاً من كون المفطّرات عشرة مثلاً سوف تصير عشرين بل أكثر، وعليه فالتعميم لبقية أفراد الصوم لا وجه له لعدم الدليل إلاّ القضاء، فإنّه ورد الدليل الخاص فيه، وهو صحيحة عبد الله بن سنان: أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجيء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع؟ قال: «لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره»[8]، وغيرها من الروايات المذكورة في نفس الباب، وأما الصوم المستحب وغيره فتجري البراءة بلحاظها بل ورد في المستحب ما دل على عدم الاشتراط، وهو صحيحة الخثعمي قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: أخبرني عن التطوّع وعن هذه الثلاثة الأيّام إذا أجنبت من أوّل الليل فأعلم أنّي أجنبت فأنام متعمّداً حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟ قال: «صم»(9)، وغيرها.

_____________________

[1] الحدائق الناضرة 13: 121.

[2] الجواهر 16: 24.

[3] المعتبر 2: 656.

[4] منتهى المطلب 2: 566.

[5] مصباح الفقيه 14: 411.

[6] مدارك الأحكام 6: 55.

[7] الحدائق الناضرة 13: 123.

[8] الوسائل 10: 67، أبواب ما يمسك عنه الصائم..، ب 19، ح 1.