33/07/30


تحمیل
 الموضوع:- مسألة ( 341 )/ أحكام السعي/ الواجب الرابـع من واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 البيان الأول:- ان الروايتين هما من قبيل الخاص والعام فصحيحة معاوية التي قالت يرجع ويأتي بالسعي هي مقيدة بالقدرة وهذا الشرط شرط من الشروط العامة البديهية فكل واجب هو مشروط بالقدرة عليه ولا يحتاج إلى دليل على ذلك.
 إذن وجوب المباشرة مشروط بالقدرة فيصير ذلك بمثابة الخاص وتصير صحيحة بن مسلم التي قالت ( يستنيب ) بمثابة العام فتخصّص صحيحة معاوية صحيحة ابن مسلم وتصير النتيجة هي أن صحيحة ابن مسلم التي قالت ( يستنيب ) يعني ان لم يكن قادراً على المباشرة.
 وفيه:-
 أولاً:- نسلّم أن وجوب المباشرة مقيّد بالقدرة فان كل تكليف مقيد بالقدرة على متعلقه ، ولكن نقول:- ان الأمر كذلك هو بالنسبة إلى لرواية الثانية التي قالت ( يستنيب ) فان وجوب الاستنابة مقيّد بالقدرة ككل تكليفٍ . إذن كلاهما مقيّد بالقدرة على متعلقه فلماذا صارت صحيحة معاوية وصحيحة ابن مسلم بمثابة العام والخاص وهذا الخاص يخصص العام ؟ ان هذا لا وجه له بعدما كان كل منهما مقيّد بالقدرة على متعلقه.
 وثانياً:- لو سلمنا أن صحيحة معاوية هي مقيّدة بالقدرة دون صحيحة ابن مسلم ولكن نقول ان هذا المقدار لا يكفي لإثبات التخصيص - أي لا يكفي للوصول إلى التفصيل المنسوب إلى المشهور - فان القيد المذكور - أي ان كانت المباشرة مقدورة - لا يكفي لحصول عملية التخصيص وإنما الذي يوصلنا إلى التخصيص هو ( إن لم يكن متعلق الآخر ممكناً ومقدوراً ) كما لو فرض أن دليل النيابة - أعني صحيحة ابن مسلم - كان مقيداً بعدم القدرة على المباشرة والذي هو الواجب في صحيحة معاوية فهنا لا تحصل عملية التخصيص فنقول ان النيابة مشروطة بعدم القدرة على المباشرة فتصير المباشرة هي الواجب في المرحلة الأولى وإذا لم يقدر عليها فينتقل إلى النيابة ، ان القيد بالشكل المذكور هو الذي يوصلنا إلى عمليّة التقييد ، أما أن التكليف في صحيحة معاوية بالمباشرة هو مقيّد بالقدرة على المباشرة فهذا لا يوصلنا إلى عملية التخصيص ، وعلى أي حال هذا ينبغي أن يكون من المطالب الواضحة ولعله لأجل ذلك صار إلى البيان الثاني فهو لعله يقصد البيان الثاني.
 البيان الثاني:- أن نقول:- هناك قاعدة عقلائية تقول ( كلما كان لدينا اطلاقان - إطلاق في هذه الرواية واطلاق لتلك الرواية - وكان أحدهما كاذبا حتماً ولا يمكن قبوله بينما كان الإطلاق الثاني قابلاً للقبول والتصديق فنأخذ بالإطلاق القابل للتصديق والقبول ) ، وتعال إلى مقامنا فان صحيحة معاوية تقتضي بإطلاقها أن المباشرة واجبة سواء تحققت النيابة - أي أمكنت وتحققت - أو لم تتحقق فان اللازم هو المباشرة ولا تكفي النيابة حتى لو تحققت النيابة وهذا إطلاق يمكن الأخذ به ، وهذا بخلاف الإطلاق صحيحة ابن مسلم الدالة على وجوب النيابة فانها بإطلاقها تقتضي أن النيابة واجبة حتى لو أمكنت المباشرة وتحققت من قِبَل المكلف فرغم ذلك يلزمه النيابة في السعي ، وهذا إطلاق نجزم ببطلانه فان النيابة ان كانت واجبة حقاً وواقعاً فوجوبها هو في طول عدم تحقق المباشرة فإذا لم تتحقق المباشرة تعيّنت النيابة ولا أقل قُل هما في عرض واحدٍ - أي بنحو التخيير - أما أن تكون النيابة هي المتعيّنة بنحو الإطلاق فهو شيء غير محتمل . إذن هذا الإطلاق الثاني لا يمكن الأخذ به بينما الإطلاق الأول يمكن الأخذ به فنأخذ بالإطلاق الأول - أي المباشرة -فالمباشرة تكون هي الواجبة ، ولكن نضمّ إلى هذا مقدمة وهي أن من الواضح ان كل تكليف مشروط بالقدرة على متعلقه - وهذا من الأحكام العقلية الواضحة - وبذلك تكون المباشرة واجبة ولكن بشرط القدرة عليها . الى هنا انتهى كلامه(قده).
 ولكنه كما ترى كلام ناقص ، فانّا نسلم أن المباشرة هي المقدمة وهي مشروطة بالقدرة عليها ، ولكن إذا لم تكن مقدورة فمن قال ان النوبة تصل إلى النيابة ؟ بل هناك احتمال الحكم بصحة العمل بلا حاجة إلى سعيٍ مثلاً فكيف تصل النوبة آنذاك إلى النيابة ؟ فلابد أن نكمل نحن ونقول:- انه في حالة عدم القدرة على المباشرة لا يعود لدينا مانع من الأخذ بصحيحة ابن مسلم الدالّة على النيابة فنأخذ بمضمونها ، وبذلك تكون النتيجة هي تفصيل المشهور.
 ويرد عليه:-
 أولاً:- انه ذكر أن صحيحة معاوية مطلقة وهذا الإطلاق يمكن قبوله - أي تجب المباشرة حتى ولو تحققت النيابة - وهذا لا تعليق لنا عليه ، ولكن ذكر بالنسبة إلى رواية ابن مسلم حيث قال انه لا يمكن الأخذ بإطلاقها فان النيابة لا يمكن أن تكون واجبة حتى لو تحققت المباشرة.
 ونحن نقول:- ان صحيحة ابن مسلم التي دلّت على النيابة لا تقصد أن النيابة هي المتعينة بل تقصد أنها مجزية وكافية ، فحينما قال الامام عليه السلام في صحيحة ابن مسلم ( ينيب ) لا نفهم منه أنه يتعيّن عليك النيابة ، كلا بل المقصود أنه يكفيك أن تنيب شخصاً والعرف ببابك وهذا التعبير اشارة إلى اجزاء النيابة ومقتضى الإطلاق هو ( أنه حتى لو أمكنك المباشرة فان النيابة تكفيك ) وهذا الإطلاق يمكن قبوله فان الذي لا يمكن قبوله هو ما إذا فسرنا جملة ( ينيب ) بالوجوب النفسي التعييني - أي يتعين عليك النيابة - أما إذا فسرناه بإجزاء النيابة كما هو المفهوم عرفاً فالإطلاق إذن يمكن الأخذ به وسوف تصير النتيجة آنذاك بشكل آخر كما سوف نبيّن بعد قليل.
 وثانياً:- سلمنا أن الرواية الأولى مطلقة ويمكن التصديق بإطلاقها - يعني أن المباشرة واجبة حتى لو أمكنت النيابة وتحققت ولكنه ذكر أن كل حكم مقيد بالقدرة على متعلقه وهذا سلمنا به أيضاً ، فإذا لم يمكن المتعلق فحينئذ ماذا يكون ؟ نحن تبرعنا له وقلنا إنّا نأخذ بالرواية الثانية التي تقول ( ينيب ).
 وهذا ليس أمراً فنيّاً وإنما هو مجرد كلام خالٍ من السند العلمي والعرفي والعقلائي ، بل فلنقل:- تسقط المباشرة ولا شيء عليه لا أن ننتقل إلى النيابة . اللهم إلا أن تقول:- ان الجمع بين الدليلين مهما أمكن ولو بهذا الشكل أولى من الطرح والإلغاء ، وهذا كما ترى فانه ليس بشيءٍ علمي.
 والأولى أن يقال:- ان لدينا اطلاقين في المقام وكلاهما مقبولٌ في حدِّ نفسه الأول يقول ( تلزم المباشرة ) والثاني يقول ( تجزي وتكفي النيابة ) - أي حتى لو أمكنت المباشرة وكلاهما مقبول فيجمع بينهما عرفاً بالتخيير ، أي إنك مخيّر بين الأمرين فلذلك نصير إلى التخيير ، وهذا ما يقتضيه الجمع العرفي فانه متى ما جاء أمران - كما هو الحال في باب الكفارة - أحدهما قال مثلاً ( إذا أفطرت في شهر رمضان فعليك الإطعام ) والثاني قال ( إذا أفطرت في شهر رمضان فعليك صيام شهرين ) فماذا نعمل هل نجمع بينهما بلزومهما معاً بنحو الوجوب التعييني أو نجمع بينهما بالتخيير والامام عليه السلام اقتصر في الرواية الأولى على أحد فردي التخيير وفي الرواية الثانية على الفرد الثاني فهنا ماذا تصنع ؟
 ذكر السيد الخوئي(قده) في مثل هذا المجال في غير موضع من كلماته أنه نجمع بالتخيير ولكن بشرط أن يثبت من الخارج أن لزوم الجمع بينهما ساقط وغير محتمل وباطل فإذا ثبت هذا من الخارج صرنا إلى الجمع بالتخيير ، وأما إذا لم يثبت ذلك من الخارج بأن كان احتمال الجمع بينهما احتمالاً وجيهاً فنصير إلى لزوم الجمع بينهما.
 ونحن نقول:- بل نصير إلى التخيير حتى لو لم يثبت من الخارج بطلان الجمع ، والوجه في ذلك هو أن الإنسان العرفي قد يتساهل ويختصر على أحد فردي التخيير كما لو جاءنا شخص وسألنا عن الكفارة فنذكر أحد الفردين ولا يلزم أن نذكر له الفرد التخييري الثاني وهذا شيء عرفي مقبول وعقلائي ، ولكن الإنسان العرفي لا يتساهل فيذكر أحد جزئي الواجب ويسكت عن الجزء الثاني كما هو مقتضى لزوم الجمع بينهما ، وعليه يكون المناسب في أمثال هذا المورد الجمع بالتخيير حتى لو كان وجوبهما التعييني معاً شيئاً مقبولاً وليس باطلاً.
 وفي المقام حيث أنّا نعلم من الخارج أنه لا يجب كلا المطلبين - أي المباشرة والنيابة - فيكون المناسب على رأيه وعلى رأينا معاً هو التخيير ، هذا هو المناسب فنيّاً وقد صار إليه الشيخ النراقي(قده) [1] .
 إذن المناسب هو الحكم بالتخيير وفاقاً للشيخ النراقي.


[1] مستند الشيعة 12 176.