33/07/08


تحمیل
 الموضوع:- الواجب الرابع من واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الـسـعي
 وهو الرابع من واجبات عمرة التمتع . وهو أيضا من الاركان فلو تركه عمدا بطل حجه سواء في ذلك العلم بالحكم والجهل به . ويعتبر فيه قصد القربة . ولا يعتبر فيه ستر العورة ولا الطهارة من الحدث أو الخبث والأولى رعاية الطهارة فيه.
 يشتمل المتن المذكور على مجموعة نقاط:-
 النقطة الأولى:- ان السعي واجب في العمرة ووجوبه بنحو الركنية بمعنى أنه يبطل العمل إذا ترك عمداً . فهنا إذن دعويان الأولى أنه واجب والثانية أنه واجب بنحو الركنية.
 أما بالنسبة إلى الدعوى الأولى [1] :- فلا خلاف بين المسلمين في ذلك ، ويمكن أن يستدل له بالوجهين التاليين:-
 الوجه الأول:- ان سيرة المسلمين القطعية قد جرت على الإتيان به بنحو اللزوم ومثل هذه السيرة لا نحتمل أن أحداً يشكك فيها كما لا نحتمل أنها متجددة في عصرنا بل هي ممتدة إلى الزمن السالف فيحصل آنذاك الاطمئنان بكونها متلقاة من معدن العصمة والطهارة والّا يلزم صدور المعلول بلا علّة - أي يلزم أن يتحقق هذا الارتكاز من دون علّة - وهو شيء غير محتمل.
 ان قلت:- لعل المنشأ هو فتاوى الفقهاء.
 قلت:- ننتقل إلى نفس الفقهاء ونقول:- ان المرتكز في ذهن كل فقيه هو ذلك - أي لزوم الإتيان بالسعي - فمن أين له هذا الارتكاز ؟ فإذاً ثبوت هذا الارتكاز في اذهان جميع المسلمين بما فيهم الفقهاء كاشف عن التلقي من معدن العصمة والطهارة.
 ان قلت:- لعل منشأ هذا الارتكاز في اذهان الفقهاء هو الروايات التي يستفاد منها الوجوب.
 قلت:- ان هذا الارتكاز أوضح من دلالة الروايات وأقوى منها فلا يحتمل استناده إليها فان الضعيف لا يولّد القوي ، وعليه فهذا الارتكاز ليس في طول الروايات وإنما هو في عرضها . وهذه طريقة ظريفة يمكن الاستعانة بها في جميع الموارد التي من هذا القبيل.
 الوجه الثاني:- الروايات الكثيرة الواردة في أحكام السعي والتي يستفاد منها بشكل واضح أنه واجب ، ونذكر من باب المثال صحيحة معاوية بن عمار ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- من ترك السعي متعمداً فعليه الحج من قابل ) [2] ودلالتها واضحة ، وعلى منوالها غيرها.
 إذن لا مجال للتشكيك في أصل الوجوب.
 وأما بالنسبة إلى الدعوى الثانية:- فذلك لا خلاف فيه أيضاً كما ذُكر في المدارك [3] والحدائق [4] والجواهر [5] .
 ولكن كيف نستدل على بطلان العمل إذا ترك عمداً ؟
 والجواب:- يمكن أن يستدل على ذلك بالصحيحة السابقة فانها واضحة الدلالة في ذلك ، وقد يستدل أيضاً بأن ذلك لازم الجزئية فالحكم يكون على طبق القاعدة بلا حاجة إلى نصّ خاص فانه ما دمنا قد سلّمنا بكون السعي جزءاً فلازم جزئيته أنه لو ترك عمداً بطل العمل والّا لم يكن جزءاً إذ كيف يكون جزءاً ولا يختل العمل بتركه العمدي !!
 وهو وجيه فيما إذا فرض أن الجزئية قد ثبتت في المرحلة السابقة اذ لازم ثبوتها البطلان بالترك العمدي ، أما إذا فرض أن الذي ثبت في مرحلة أسبق هو أصل الوجوب لا الوجوب بنحو الجزئية فلا يمكن آنذاك أن نتمسك بهذا البيان فان أصل الوجوب لا يلازم الجزئية إذ لعله من باب الواجب ضمن الواجب ولا يبطل آنذاك العمل بالإخلال بالواجب ضمن الواجب كما قد يقال بذلك في طواف النساء فانه ليس جزءاً بل هو واجب ضمن واجب - أو بعد واجب - فبتركه العمدي لا يبطل العمل وهنا كذلك أيضاً فانه لو كان الثابت أصل الوجوب فلا ينفعنا ذلك.
 إذن لابد وأن نفترض في مرحلة سابقة أن الثابت هو الوجوب بنحو الجزئية ، أي أن نفترض أن الدليلين السابقين اللذين تمسكنا بهما لإثبات الوجوب يدلّان على الوجوب بنحو الجزئية ، أما إذا فرض أن المستفاد منهما هو أصل الوجوب - يعني أن الارتكاز قاض بأنه يلزم الإتيان بأصل السعي أما بحو الجزئية فهو ساكت عن ذلك ، وهكذا إذا فرض أننا فهمنا من الروايات أصل الوجوب - فلا يمكن التمسك بهذا البيان.
 وفي المقام ربما يقال ان الثابت في المرحلة السابقة هو أصل الوجوب أما عنوان الجزئية فلا إذ هو أول الكلام ، وإذا فرضنا هكذا فإثبات البطلان لا يتم بهذا البيان بل نحتاج آنذاك إلى التمسك بالروايات.
 وقبل أن ننتقل إلى النقطة الثانية أشير إلى بعض الأمور الجانبية والتي ان صح التعبير هي أمور فنية:-
 الأمر الأول:- ان المقصود بالركن في المقام يغاير الركن المصطلح عليه في باب الصلاة ، ففي باب الصلاة يراد منه ما تضرّ زيادته ونقيصته ، وأما هنا فالمقصود هو ما تضر نقيصته العمديّة ، وحيث أن كل جزء من أجزاء العمرة أو الحج تضر نقيصته العمديّة فالتعبير بالركن لا داعي إليه فان جميع أجزاء الحج من هذا القبيل ، وعليه يكون المناسب فنيّاً حذف كلمة ( وهو ركن ) فانه مشوِّش.
 الأمر الثاني:- ان المناسب لو أردنا ابقاء التعبير بالركنية هنا ذكر ذلك في صلاة الطواف أيضاً والحال هو لم يذكره فيها فلم يقل ( هي ركن ) ومن الواضح أنها لو تركت عمداً حكم بالبطلان ، فإذن يصدق الركن بالمعنى المذكور بالنسبة إلى صلاة الطواف فمن المناسب ذكر هذا الوصف في جميع أجزاء العمرة وعدم تخصيصه بالسعي.
 الأمر الثالث:- لا معنى لذكر حكم الترك العمدي والتغافل عن حكم الترك السهوي وعدم الإشارة إليه في هذا الموضع وتأخيره إلى مسألة ( 341 ) فانه سوف يأتي فيها حكم الترك السهوي وأنه لا يؤثر على العمل ، فالمناسب الإشارة هنا إلى أنه جزء واجب وأما ما يترتب على الترك العمدي أو السهوي فيذكر في أحكام السعي فانه سوف يأتي منه عقـد عنوان باسـم ( أحكـام السعي ) وهناك يذكر فيه حكم الترك العمدي والسهوي أما أن يذكر حكم الترك العمدي هنا والسهوي هناك فهو شيء ليس فنيّاً.
 النقطة الثانية:- ان من ترك السعي عن عمد يبطل عمله من دون فرق بين أن يكون عالماً بوجوب السعي أو جاهلاً به ، نعم لو كان عالماً بالحكم ونسي فذاك يأتي في مسألة ( 341 ) ولكن هنا نقول ان من ترك عمداً بطل عمله حتى إذا كان جاهلاً بوجوب السعي إذ حتى لو كان جاهلاً فهو بالتالي ترك عمداً لا أنه كان ساهياً عن الإتيان به.
 ولكن كيف نستدل على هذا التعميم ؟
 والجواب:- يمكن أن نستدل له بالصحيحة السابقة فانها قالت ( من ترك السعي متعمداً فعليه الحج من قابل ) بتقريب:- ان الترك العمدي له مصداقان هما من يعلم بالوجوب ويترك السعي ومن يتركه مع الجهل بالوجوب ، ومقتضى الإطلاق الشمول لكلا الفردين.
 وهو وجيه إذا فرض أنه لم يثبت الانصراف ، وأما إذا قيل نحن نسلم أنه يصدق لغةً عنوان الترك العمدي على الاثنين معاً ولكن عرفاً هو منصرف عن الجاهل بالحكم ويختص بالعالم به فمن علم بحكم وتركه يقال انه تركه عمداً أما من جهل بالحكم وتركه فهو لغةً تاركٌ له عمداً ولكن عرفاً ينصرف عنه ذلك.
 وقد يستدل على ذلك:- بأن الحكم ثابت على طبق القاعدة بلا حاجة إلى نصّ نتمسك بإطلاقه فان الجزئية ما دامت ثابتة فلازم ثبوتها أن من ترك الجزء يكون عمله باطلاً لأنه لم يأت بالمأمور به من دون فرق بين العلم والجهل والسهو ، نعم خرج السهو بدليلٍ خاصٍ فتبقى حالة الجهل على طبق القاعدة بلا حاجة إلى نصّ خاص.


[1] أي أصل الوجوب.
[2] الوسائل13 484 7 من أبواب السعي ح2.
[3] المدارك 8 211.
[4] الحدائق 16 275.
[5] الجواهر 19 429.