33-12-04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 350 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة (351 ):- إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط.
 ترتبط هذه المسألة بمن جامع قبل أن يأتي بالتقصير وبعد أن أكمل السعي فإنه فعل محرّم جزماً باعتبار أنه بعدُ مُحرِم وإنما الكلام في أنه هل عليه كفارة أو لا ؟ إذن الكلام في هذه المسألة ليس في إثبات الحكم التكليفي وإذ هو مفروغ عنه وإنما الكلام في الكفارة ، وواضح أن من يفعل ذلك تارةً يكون عالماً عامداً وأخرى يكون جاهلاً أو ناسياً ، فالمسألة لها شقان وكان من المناسب فنيّاً التعرض لحكم كلا الشقين في مسألة واحدة ولكنه(قده) لم يفعل ذلك بل ذكر حكم العالم العامد في باب الكفارات في مسألة ( 220 ) بينما ذكر حكم الجاهل هنا.
 وإذا رجعنا إلى كلمات القدماء علّنا لا نجد تعرضاً إلى حكم الجاهل - أي غير العامد - وإنما يتعرضون إلى العامد فقط ويقولون إن عليه الكفارة أما الجاهل والناسي فيسكتون عنهما الأمر الذي يل ويكشف عن مفروغية عدم ثبوت الكفارة على غير العالم تطبيقاً للقاعدة العامة وأن الكفارة لا تثبت إلّا في حق العالم غايته قد يدعى خروج بعض الموارد المعدودة وقد ذكرنا في مسألة ( 225 ) خمسة موارد.
 وعلى أي حال ما هو الداعي والنكتة في التعرض إلى حكم الجاهل ما دامت القاعدة العامة تقتضي عدم الوجوب إلّا في حق العالم العامد ؟
 والجواب:- إن الذي دعا إلى ذلك هو صحيحة الحلبي المتقدمة التي ذكرت المتمتع الذي اقترب من زوجته فقرضت من شعرها بأسنانها وقال الإمام ( رحمها الله هي أفقه منك عليك بدنة ) فالإمام عليه السلام أثبت في حقّه بدنة وهو جاهل ، إن هذه الصحيحة صارت منشأ للتعرض إلى حكم الجاهل ، أعني من جامع بعد السعي وقبل التقصير هل تجب عليه بدنة أو لا ؟ ونص الصحيحة هكذا ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصر ، قال:- عليك بدنة ، قلت:- إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال:- رحمها الله كانت أفقه منك , عليك بدنة وليس عليها شيء ) [1]
 وهناك سؤالين يرتبطان بهذه الصحيحة:-
 السؤال الأول:- هل يوجد لهذه الصحيحة معارض يدل على أن الجاهل في مسألتنا هذه لا توجد كفارة في حقه ؟ فإذا كان يوجد معارض فيتساقطان وآنذاك تعود الروايات الدالة على أن الجاهل لا شيء عليه مرجعا أو مرجّحاً والنتيجة تبقى كما هي.
 والسؤال الثاني:- هل أن صحيحة الحلبي هذه هي واردة في حق الجاهل ، ولماذا ؟ بعد وضوح أنه لم يفترض فيها كونه جاهلاً فانه لم يقل ( إني جاهل ) فكيف نقول إنها ناظرة إلى الجاهل بل لعلها ناظرة إلى العالم وبذلك يكون ثبوت الكفارة شيئاً على طبق القاعدة وموافقاً لتلك العمومات لا أنه شيء منافٍ لها.
 أما بالنسبة إلى السؤال الأول:- فقد يدعى وجود معارض وهو صحيحة معاوية بن عمار ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصّر ، قال:- ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شيء عليه ) [2] فان موردها هو المتمتع بعمرة التمتع وأما من كان في حج التمتع فلا يقال عنه ( وقع على امرأته قبل أن يقصر ) بل يقال ( وقع على امرأته قبل أن يطوف للنساء ) فموردها إذن هو عمرة التمتع والإمام عليه السلام قال ( فإن كان جاهلاً فلا شيء عليه ) فهي إذن واضحة في نفي وجوب الكفارة في حق الجاهل فتكون معارضة لصحيحة الحلبي المتقدمة فيتساقطان وتبقى القاعدة - أعني نفي الكفارة عن الجاهل - من دون مخصص.
 نعم يبقى في هذه الرواية أنه عليه السلام قال ( وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه ) فماذا يقصد من ذلك ؟ يحتمل أن يكون المراد هو أنه إذا كان عالماً وجامع قبل أن يقصّر يوجد مجال لأن يدّعى بطلان عمرته ومن ثم بطلان الحج ، وسواء كان هذا هو المقصود أم لم يكن فإنه لا يؤثر على مورد الاستدلال فان مورد الاستلال هو في فقرة ( وإن كان جاهلاً فلا شيء عليه ).
 والخلاصة:- قد يقال إن هذه معارضة لما سبق.
 وفي هذا المجال نقول:- إن هذه الرواية لو كانت منقولة بالشكل المذكور أعني ورد فيها تعبير ( وقع على امرأته قبل أن يقصر ) لكانت معارضة لصحيحة الحلبي المتقدمة فيتساقطان ولكن قد اختلف نقل هذه الفقرة فلو رجعنا إلى التهذيب فالموجود فيه في موردين [3] عبارة ( قبل أن يقصِّر ) وهكذا الشيخ الصدوق [4] فإنه في هذه الموارد الثلاثة نقلت ( وقع على امرأته قبل أن يقصِّر ) فتكون معارضة لما سبق فيتعارضان ويتساقطان ونرجع إلى القاعدة ، ولكن إذا رجعنا إلى الكافي المطبوع - أي غير النسخة الحجرية - وجدناه ينقل العبارة هكذا ( وقع على امرأته قبل أن يزُر ) [5] كما نقلها الشيخ الطوسي في التهذيب عن الكليني كذلك [6] ، وإذا رجعنا إلى الوسائل وجدنا نقله مختلفاً فمرّة ينقلها بتلك العبارة وأخرى بهذه فمرة [7] نقلها ( ولم يقصِّر ) بينما في باب آخر [8] وجدناه ينقلها عن الكليني هكذا ( ولم يَزُر ) والزيارة في المصطلح الروائي كناية عن الذهاب إلى مكة لزيارة البيت الحرام - أي الطواف - وهذا معناه أنه قد فرض أن الرجل قد قصَّر وجامع زوجته بعد التقصير ولكن قبل أن يأتي بطواف النساء - أي قبل زيارة البيت فان طواف النساء يكون حينما يذهب إلى مكة لزيارة البيت فيأتي بطواف الحج ثم السعي ثم طواف النساء - وبناءً على هذا تكون الرواية أجنبية عن المقام وحيث أنه لا يعلم أن الصادر من الإمام هو هذا أو ذاك فلا يمكن الحكم بكون الوارد هو ( قبل أن يقصِّر ) حتى يكون معارضاً لصحيحة الحلبي ، بل قد يدّعى الجزم بوحدة الرواية فان السند نفس السند والمتن نفس المتن ولا اختلاف سوى في كلمة واحدة ، وعلى هذا الأساس تسقط هذه الرواية عن المعارضة وتبقى صحيحة الحلبي بلا معارض فتخصص القاعدة بناءً على أن القاعدة قابلة للتخصيص خلافاً لما انتهينا إليه من أنها لا تقبل التخصيص باعتبار أن الوارد فيها لسان الحصر وهو لا يقبل التخصيص.
 ومن الغريب ما ذكره الشيخ التبريزي(قده) [9] فانه ذكر أن الأصل هو التعدد حتى مع اتحاد السند والمتن فضلاً عمّا إذا كان بينهما اختلاف ما يختلف معه الحكم.
 ومقصوده من قوله ( فضلاً عما إذا كان بينهما اختلاف ما يختلف معه الحكم ) إشارة الى الاختلاف بفقرة ( لم يقصِّر ) وفقرة ( لم يَزُر ) فإن هذا اختلاف يؤثر على الحكم الشرعي ومع هذا الاختلاف كيف نقول إن الرواية واحدة وبالتالي لا نعلم بالصادر !! ثم صعّد اللهجة وادّعى أنه حتى مع الاتحاد التام بينهما نحكم بالتعدد استناداً إلى الأصل .
 ولا ندري ماذا يقصد(قده) من الأصل ومن أين له هذا الأصل فإن مثل الأصل المذكور دعوى بلا مستند ، ونحن قد ذكرنا أكثر من مرَّة أنه مع وجود تقارب بين المتنين فضلاً عمّا إذا كان هناك اتحاد إلا في عبارةٍ واحدةٍ - كما هو الحال مقامنا - أن المناسب هو عدم الحكم بالتعدد باعتبار أن المستند للحكم بالتعدد ليس إلا السيرة وإلّا فلا يوجد لنا أصل بعنوان أصل أو ظهور يحكم بالتعدد بل الذي يمكن الركون إليه انما هو السيرة وهي تحكم بالتعدد فيما إذا كان هناك اختلافات بارزة واضحة أما إذا فرض أن الاختلافات كانت يسيرة فنشك في حكم السيرة بالتعدد ويكفينا الشك لأنها دليل لبّي فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو الحكم بالتعدد في حالة وجود اختلافات بارزة .
 وعلى أي حال ما ذكره(قده) غريب خصوصاً أن الرواية ينقلها الشيخ في التهذيب مرّة هكذا ومرة أخرى هكذا وكلاهما عن الكليني والموجود في الكافي ليس إلّا ذكر الرواية مرّة واحدة لا مرتين ، فان كان قد ذكرها مرتين فيأتي احتمال صدورها من الإمام مرتين ولكن المفروض أن الكليني لم ينقلها لا مرّة واحدة وهذا معناه أن نُسَخ الكافي مختلفة ولذلك نقل الشيخ الطوسي مرّة هكذا ومرة هكذا وكذلك صاحب الوسائل.
 والخلاصة من كل ما ذكرنا:- إن هذه الرواية لا تصلح أن تكون معارضة لصحيحة الحلبي فتبقى من دون معارض فتخصص القاعدة ولكن إن كانت واردة في الجاهل وهذا ما سنشير إليه في جواب السؤال الثاني.


[1] الوسائل 13 508 3 من أبواب التقصير ح2.
[2] الوسائل 13 130 13 من أبواب كفارات الاستمتاع ح4.
[3] التهذيب 5 161.
[4] الفقيه 2 237 ، 2 238.
[5] الكافي 4 378.
[6] التهذيب 5 321.
[7] الوسائل 13 130 13 من كفارات الاستمتاع ح4 ، ح2.
[8] الوسائل 13 121 9 من كفارات الاستمتاع ح1.
[9] التهذيب 3 131.