33/05/26


تحمیل
 الموضوع :- الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 السؤال الثاني:- لو رجعنا إلى الآية الكريمة اعني قوله تعالى ( واتخذوا من مقـام إبراهيـم مصلـى ) فماذا نستفيد منه بعد وضوح أن الصلاة في نفس المقام شيءٌ متعذر ؟ انه لابد وأن يكون المقصود من اتخاذه مصلىً هو الصلاة عنده وبالقرب منه سواءً كان أمامه أو إلى أحد جانبيه أو خلفه ، هذا هو مقتضى اتخاذ المقام مصلىً وإلا فغير ذلك شيءٌ لا يتصور ، وعبارة صاحب الشرايع المتقدمة مشكلةٌ ولابد من توجيهها بشكل وآخر .
 إذن مقتضى الآية الكريمة هو كفاية الصلاة كيفما اتفق - يعني ولو أمام المقام - ولكن بشرط القرب العرفي حتى يصدق عنوان أنه اتخذ مقام إبراهيم مصلىً ، وعلى هذا الأساس من يدَّعي لزوم الصلاة خلف المقام هو الذي يحتاج إلى دليل مقيّد لما يستفاد من الآية الكريمة.
 وإذا رجعنا إلى كلمات الفقهاء لم نجد عندهم اتفاقاً في هذا المجال ، فقد نقل في المدارك ( إن هذا الحكم [1] قول معظم الأصحاب ) [2] ثم قال ( وقال الشيخ في الخلاف:- يستحب فعلهما خلف المقام فان لم يفعل وفعل في غيره أجزأ ) ثم قال ( ونقل عن أبي الصلاح أنه جعل محلهما المسجد الحرام مطلقاً ووافقه ابنا بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة ) ثم قال ( وهما مدفوعان بالأخبار المستفيضة المتضمنة لوجوب ايقاعهما خلف المقام أو عنده السليمة عن المعارض ) ، إذن من هذه العبارة نعرف أن المسألة محلّ خلافٍ وقول المشهور هو لزوم الصلاة خلف المقام أو أحد جانبية . هذا عر فناه أوّلاً
 وثانياً:- إن صاحب المدارك يدّعي أن الأخبار المستفيضة تدل على لزوم اعتبار الخلفيَّة - أي الصلاة خلف المقام -.
 وإذا رجعنا إلى الأخبار - وهي كثيرة - فلعل أحسن رواية في هذا المجال من حيث الدلالة والسند صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ( إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج .... ) [3] ودلالتها واضحة وهي أن القارن كالمفرد ولا يختلفان إلا في سياق الهدي وهذا ليس محل الشاهد وإنما محل الشاهد هو ( وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام ) أي عليه صلاة ركعتين خلف المقام وظاهر ذلك هو التعيُّن والوجوب عليه ، وموردها وان كان هو القارن والمفرد الّا أنه لا نحتمل الخصوصية من هذه الناحية ولم يحتمل ذلك أحدٌ ، وعليه فيثبت المطلوب
 أجل ورد في العبارة ( إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة ) ولا نعرف وجهاً ومعنىً لهذا التعبير فان المقصود هو الإشارة إلى القارن - أي الذي يقرن إحرامه بسياق الهدي - وهذا التعبير - أعني يقرن بين الصفا والمروة - لا نعرف المقصود منه ، والذي أريد أن أقوله هو أن اشتمال الرواية على فقرة لا نعرف معناها ولا نعرف كيف توجَّه لا يؤثر على مورد الاستشهاد مادام مورد الاستشهاد واضحاً ولا إجمال فيه ، وهذه الكبرى الكلية هي التي أردت بيانها .
 ويمكن تأييد الاستدلال بهذه الصحيحة بمرسلة صفوان بن يحيى المتقدمة التي رواها صفوان عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ( ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام لقول الله عز وجل "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة ) ودلالتها أوضح من دلالة الصحيحة ، وإنما جعلناها مؤيدةً فباعتبار الإرسال لما تقدم.
 وهذا وقد تُعارض الصحيحة التي تمسكنا بها بصحيحة الحسين بن عثمان ( رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد ) [4] فان موردها طواف الفريضة والراوي ينقل أنه رأى الإمام عليه السلام يصلي حِيال المقام والحيال لا يبعد صدقه على الجانب دون الخلف فالخلف ليس بحِيال وإنما الجانب هو الحيال فتكون هذه الرواية معارضة للصحيحة التي تمسكنا بها.
 ولكن يمكن أن يجاب:- ان هذا فعلٌ والفعل مجملٌ فلعل الوجه في هذا الفعل وجود مبرّر يبرر ذلك كالزحام مثلاً فانه إذا فرض الزحام فلا محذور في الصلاة إلى الجانب باعتبار أنه لا يحتمل جواز ترك الصلاة رأساً بل لابد من الإتيان بها فإذا تعذّر الخلف يتعين أحد الجانبين. إذن لعل فعل الإمام - ويكفينا الاحتمال - كان له مبرر فيكون مجملاً.
 يؤيد ما ذكرناه - أي بحملها على حالة الزحام - رواية الحسين بن عثمان نفسه بسند الشيخ الطوسي حيث نقل هكذا ( رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريباً من الظلال لكثرة الناس ) [5] .
 وعلى أي حال لا بأس بالتمسك بصحيحة الحلبي لإثبات وجوب الصلاة خلف المقام وتكون مؤيّدة لإطلاق الآية الكريمة.
 هذا وقد يسدل بروايات أخرى :-
 الرواية الأولى:- صحيحة معاوية المتقدمة حيث جاء فيها ( إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم فصلِّ ركعتين واجعله إماما .... ) وقد تمسك بها جماعة منهم صاحب المدارك [6] بتقريب أن جعل المقام إماماً لا يكون إلا بالصلاة خلفه حتى يصير هو الإمام أو الأمام بحيث يكون متقدّماً.
 ولكن يرد عليها:- ان التمسك بها يتم بناءً على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب إذ بناءً عليه يقال:- صحيح أن الرواية قد اشتملت على جملة من المستحبات بيد أن العقل في هذه الجملة - أي ( واجعله إماما )- حيث يثبت المرخّص في الترك والمخالفة فيحكم العقل باللزوم ، بينما في تلك الموارد حيث يوجد مرخّص - ولو هو الإجماع - فيحكم العقل بالاستحباب وبذلك لا يلزم اختلال السياق فان السياق واحد وهو الاستعمال في أصل الطلب لأن القائلين بحكم العقل يقولون إن الأمر موضوع لأصل الطلب من دون قيد الوجوب أو الاستحباب وإنما الوجوب والاستحباب من حكم العقل فانه بناءً على هذا لا يلزم اختلال السياق ويتم الاستدلال بالرواية ، وأما بناءً على الوضع - كما هو مختارنا - يكون ذكر تلك المستحبات موجباً لاختلال السياق وبالتالي يتصدع ويتزلزل ظهور ( وجعله إماما ) بالوجوب ، ولا أقول يتبدل إلى ظهور في الاستحباب كلا بل لا يبقى ظهورٌ في الوجوب حينئذ فتبقى الرواية مجملة من هذه لناحية.
 بل يمكن أن أصعد اللهجة وأقول:- انه حتى بناءً على مسلك حكم العقل - وان لم نجد من أصحاب هذا المسلك من يقول ذلك - ان ما ذكر يتم فيما لو فرض أن الفقرات الأخرى التي يراد منها الاستحباب قليلة كفقرة أو فقرتين ، أما إذا كانت كثيرة كما هو الحال في هذه الصحيحة فلا يبعد أن يتوقف العقل عن الحكم بالوجوب في الفقرة التي ليس فيها مُرخِّص.
 الرواية الثانية:- صحيحة ابن أبي محمود المتقدمة ( قلت للرضا عليه السلام:- أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال:- حيث هو الساعة ) وقد تمسك بها صاحب المدارك أيضاً.
 ولكن يمكن أن يقال:- هي لا دلالة فيها على تعيُّن الخلفيَّة فان السؤال فيها سؤالٌ عن أن الصلاة هل تكون عند المقام الفعلي أو عند المقام في موضعه السابق ؟ إن الأضواء مسلطة على هذا الجانب أما عنوان الخلفيَّة فهو شيءٌ جانبيٌ جاء في لسان السائل ولا يوجد ما يعيّنه فاستفادة اللزوم من ذلك أمر مشكل.
 اللهم إلا أن يقال:- انه يفهم منها أن المركوز في ذهن السائل هو اعتبار الخلفيَّة بلا إشكالٍ وذلك شيء مفروغ عنه وإنما إشكاله كان في أن المدار على خلفيَّة المقام الفعلي أو خلفية المقام السابق فأصل الخلفية شيءٌ مفروغٌ منه والإمام عليه السلام قد أمضاه على ذلك.هكذا قد يقال في تقريب الدلالة على لزوم الخلفية
 ولكن يرده:- أن الرواية وان كان ظاهرها مركوزيَّة شيء في ذهن السائل أما مَن قال إن المركوز هو حيثية الوجوب ؟ بل لعل المركوز هو حيثية الرجحان والاستحباب - يعني أما الرجحان بالمعنى الأعم أو خصوص الاستحباب - فالرواية تدلّ على أن هناك شيئاً مركوزاً وهذا صحيح أما أن المركوز هو الوجوب فمن أين لك هذا ؟ وهذه نكتة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.
 على أنه قد يقال:- صحيح أن المركوز في ذهن السائل هو اللزوم ولكن هذا الارتكاز يحتاج إلى إمضاء والإمضاء إنما نستفيده من سكوت الإمام عليه السلام ، ولكن هل كل سكوت يستفاد منه الإمضاء ؟ إن هذا قد يناقش فيه فان بعض الأمور المركوزة قد لا تؤثر على الموقف الشرعي بل يكون العمل على وفقها شيئاً موافقاً للاحتياط كمن ارتكز في ذهنه في باب الكفارة أنه يتعيّن الإطعام فهل يلزم التنبيه على ذلك ما دام هو يأت بالواجب غاية الأمر يتخيل أن هذا الفرد ينحصر به الوجوب والحال انه يوجد فرد ثانٍ ؟ فهل الوظيفة هنا هي الردع والبيان أو أن وظيفتنا هي الردع إذا حصل انحراف في الموقف العملي بحيث يؤثر على العمل أما إذا لم يؤثر على العمل ويكون العمل صحيحاً رغم هذا الارتكاز الباطل ؟ فقد يقال:- لا حاجة إلى الردع آنذاك .
 وعلى أي حال المسالة من هذه الناحية يمكن فيها إبداء التشكيك بأن يقال:- إن الردع عن الارتكازات الباطلة إنما يجب إذا كان ذلك الارتكاز يوجب انحرافاً في الموقف العملي أما إذا لا يوجب ذلك فلا موجب للردع.


[1] - يعني وجوب أداء صلاة الفريضة خلف المقام أو إلى أحد جانبيه بحيث لا يتباعد عنه عرفاً مع الاختيار.
[2] المدارك 8 - 143.
[3] الوسائل 11 - 218 - 2 من أبواب أقسام الحج ح6.
[4] الوسائل 13 - 433 - 75 من أبواب الطواف ح2.
[5] المصدر السابق ح1.
[6] المدارك 8 - 142.