33/03/18


تحمیل
 الموضوع :-

السادس من واجبات الطواف ( الموالاة بين أشواط الطواف ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وفيه:- ان ما أفاده(قده) بالنسبة إلى الشوط الواحد شيء وجيه فان عنوان ( طاف بالبيت ) - في شوطه الأول مثلاً أو في شوطه الثاني أو غيره من الأشواط - لا يصدق الا إذا فرض وجود توالي ، فلو فرض إني طفت مقدار خمسة أمتار في أول الصباح ثم طفت خمسة ثانية ظهراً .... وهكذا إلى أن أنهيت ذلك في يومٍ أو يومين فمن القريب أن يقال انه لا يصدق أن هذا طاف حول البيت فان ( طاف ) إنما يصدق فيما إذا فرض أنه كان مستمراً في حركته الطوافية بحيث لا تحصل فواصل كبيرة ، ان هذا شيء وجيه كما أفاد (قده) والعرف ببابك ، أما الموالاة بين نفس الأشواط بحيث يلزم إذا تم هذا الشوط أن لا يحصل فاصل بينه وبين الشوط الثاني فهذا محلُّ تأملٍ فان ذلك نظير ما إذا قيل ( أطعم ستين مسكيناً ) أو ( صُم ثلاثة أيام من رجب ومن صام كان له كذا ثواب ) فانه لا يفهم من ذلك أن الستين يلزم إطعامهم بنحو التوالي وإذا فهمنا ذلك أحياناً فهو فهمٌ وانصرافٌ بدوي يزول بأدنى تأمل فان المطلوب هو إطعام ستين مسكيناً وهذا يصدق فيما لو أطعمت عشرة في هذا اليوم ثم عشرة في اليوم الثاني فانه بالتالي قد أطعمت ستين مسكيناً ولا يتوقف صدق العنوان المذكور على إطعامهم سويةً ومن دون فاصل ، وهكذا من صام ثلاثة أيام من شهر رجب فلو صامها متفرقة صدق أنه صام ثلاثة أيام من رجب ، والقياس على الأذان والإقامة هو مع الفارق فانه هناك قد أُخذ عنوان الأذان أو عنوان الإقامة أو عنوان الصلاة وهذا العنوان له وحدة عرفيَّة فمن الوجيه أن لا يصدق الا مع التوالي ، وهذا بخلافه في مقامنا فان المأخوذ هو عنوان سبعة أشواط والسبعة تصدق حتى مع عدم الموالاة فلو طاف صباحاً شوطاً ثم طاف ظهراً شوطاً آخر .... وهكذا فانه قد طاف سبعاً ، وعليه فالتوقف من هذه الناحية لا نرى له وجهاً .
 وعلى تقدير اعتبار الموالاة - كما هو الحال بالنسبة إلى الشوط الواحد - فعند فرض الخروج لقضاء حاجة المؤمن لا وجه الى تصعيد اللهجة وأنه يلزم أن لا تفوت الموالاة ونقيد دليل جواز قطع الطواف لقضاء حاجة المؤمن بعدم فوات الموالاة ان هذا تصعيد بلا داعٍ ، بل حتى لو اعتبرنا الموالاة ولكن نقول هذا حكم تعبدي لا مانع منه فيجوز القطع حتى إذا فرض فوات الموالاة كما قالوا بذلك فيما إذا طرأ الحدث بعد إتمام الأشواط الأربعة فإنهم قالوا لا محذور ولم يقيدوا بأن لا تفوت الموالاة ، فهنا بعد إطلاق الدليل نتمسك بإطلاقه ودعوى الانصراف إلى حالة عدم فوات الموالاة لا نرى لها وجهاً أيضاً.
 والخلاصة من كل هذا:- انه ينبغي التفصيل بين أجزاء الشوط الواحد فتعتبر فيها الموالاة العرفية وبين الأشواط السبعة فلا يعتبر فيها ذلك.
 وذا قلت:- ان هذا رأيٌ وتفصيلٌ لم نسمع به ولم يَصِر إليه أحد ؟ أجبت:- ما دامت المسألة خلافية وليس هناك تسالم وإجماع ولا نص واضح فيها فيبقى الفقيه في راحة من هذا الجانب وليس مقيداً فيسير أينما سار الدليل.
 النقطة الثالثة:- يعتبر عدم النقيصة عن السبعة أشواط وعدم الزيادة.
 أما أنه يعتبر عدم النقيصة فواضح لأن المطلوب سبعة أشواط والستة مثلاً ليست مصداقاً حتى يجزي الإتيان بها ، وأما الزائد فالمناسب أن لا يكون قادحاً ولكن قد دلَّت بعض الروايات على أنها مضرَّة وستأتي الإشارة إلى ذلك حينما يتعرض السيد الماتن(قده) إلى عنوان الزيادة وأنها مبطلة للطواف فيذكرها تحت عنوان مستقل.
 
 مسألة( 303 ):- اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام ويقدَّر هذا الفاصل بستة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع وبما أن حِجر إسماعيل داخل بالمطاف فمحل الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة أذرع ونصف ذراع ولكن الظاهر كفاية الطواف في الزائد على هذا المقدار أيضاً ولاسيما لمن لا يقدر على الطواف في الحد المذكور أو أنه حرج عليه ورعاية الاحتياط مع التمكن أولى.

 ..........................................................................................................
 هناك قضية فنية جانبية:- وهي أن هذا الكتاب - أي المناسك - ما دام قد كتب للناس العوام من غير أهل العلم فلا داعي إلى أن يذكر في المسالة أن المشهور قد اعتبر كذا والمناسب كذا بل المناسب أن يذكر رأيه مباشرة من دون حاجة إلى ذكر رأي الآخرين.
 وهذه المسألة تشتمل على نقطتين:-
 النقطة الأولى:- هل يجوز للمكلف حين الطواف التباعد عن الكعبة المشرفة بحيث يطوف بعيداً عنها مهما بلغ الفاصل أو أن هناك حدّ ؟ المشهور كما ذكر(قده) اعتبر أن يكون الفاصل بمقدار ما بين مقام إبراهيم عليه السلام والكعبة المشرفة وذلك المقدار يقدَّر بستةٍ وعشرين ونصف ذراع .
 وفي البداية لابد وان نلتفت إلى أنه توجد روايتان في هذا المجال هما سبب هذا الاختلاف:-
 الأولى:- رواية محمد بن مسلم ( سألته عن حدِّ الطواف بالبيت الذي مَن خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت ، فقال:- كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يطوفون بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم فمن جازه فليس بطائف والحدُّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لأنه طاف في غير حدّ ولا طواف له ) [1] ، ودلالتها واضحة حيث قال عليه السلام ( والحدّ قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف ...... ) .
 نعم ان كان هناك إشكال فهو من حيث السند باعتبار أنه قد رواها الشيخ الكليني(قده) عن محمد بن يحيى وغيره عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى عن ياسين الضرير عن حريز بن عبد الله عن محمد بن مسلم ) ، وأما بحسب ما رواه الشيخ في التهذيب فهو هكذا ( محمد بن يحيى عن غير واحد عن احمد بن محمد بن عيسى عن ياسين الضرير ... ) وهذا المقدار من الاختلاف لا يؤثر شيئاً فان التعبير بـ(غير واحد ) ليس هو بحكم الإرسال المضر بالحجية على ما ذكرنا أكثر من مرة ، والمشكلة هي من ناحيتين من ناحية ياسين الضرير حيث لم يوثق ومن ناحية أنها مضمرة إذ أن محمد بن مسلم قال ( سألته ) ولم يذكر مرجع الضمير ولعل المسؤول شخص ليس هو بالإمام عليه السلام.
 والمهم هو الاول - أي ياسين الضرير - دون الثاني أي الإضمار - وقد ذكرنا أنه يوجد للثاني جوابان جواب عام أو جواب خاص والأجدر هو الجواب العام الذي ذكرناه أكثر من مرة ولا أكرر، وأما الجواب الخاص وهو أن محمد بن مسلم من أجلَّة الأصحاب فلا يليق به أن يروي عن غير الإمام عليه السلام فقد أشرنا مرة إلى إمكان التأمُّل فيه باعتبار أنه موقوف على أن محمد بن مسلم يروي الرواية في أواسط أو أواخر حياته ومن قال ذلك !! فلعله روها في بدايات حياته التي كان يليق به أن يروي عن غير الإمام عليه السلام ، فالمهم هو الجواب العام . إذن يمكن التغلب على المشكلة من حيث الإضمار ، ولكن تبقى المشكلة من حيث ياسين الضرير.
 وهناك قضية جانبية لا ربط لها بالاستدلال بهذه الرواية:- وهي أن الإمام عليه السلام قال ( كان الناس في عهد رسول الله يطوفون بالبيت والمقام وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ) والسؤال هو:-كيف كانوا يطوفون في عهد رسول الله بالبيت والمقام ؟! انه لا يمكن تصور ذلك الا أن نفترض أنهم كانوا يطوفون خارج المقام فان من طاف خارج المقام فقد طاف بالبيت وبالمقام ، ولكن إرادة هذا بعيدة جداً ، وهذا شيء جانبي لا يؤثر على الاستدلال بالرواية.
 وقد يقال في جواب ذلك حسب ما نقل عن بعض:- ان المقام في عهد النبي صلى الله عليه وآله وما قبله كان متصلاً بالبيت وليس منفصلاً عنه فالطائف بالبيت يطوف بالمقام حتماً ولكن في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام كان منفصلاً عن البيت وحينما وصل الأمر إلى الخليفة الثاني أرجع المقام إلى وضعيته السابقة - أي زمان إبراهيم الخليل -.
 إذن قد مرت فترتان على المقام فترة من زمن إبراهيم الخليل عليه السلام الى قُبيل زمان النبي صلى الله عليه وآله حيث كان فيها المقام منفصلاً عن البيت ومن بعد ذلك إلى زمان الخليفة الثاني كان متصلاً وفي عهد الخليفة الثاني فصله كما كان في زمان إبراهيم عليه السلام ، هكذا قال بعض.
 بيد أن تصديق ذلك أمر مشكل باعتبار أن الأليق بهذه المهمة هو النبي صلى الله عليه وآله كما أن الخليفة الثاني من أين له العلم بذلك ؟! وقد نقل صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( عن مالك والطبري أن قريشاً قد ألصقته بالبيت [2] خوفاً عليه من السيول واستمر ذلك في عهد النبي والخليفة الأول فلما ولي الخليفة الثاني ردَّه إلى موضعه الآن الذي هو مكانه زمن إبراهيـم الخليـل ) ثم قال ( ولكن يبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أولى من فلان بذلك خصوصاً بعد عدم معرفته بموضعه في زمن الخليل ومن هنا كان المحكي عن ابن أبي مليكة أن موضعه اليوم وفي الجاهلية وفي زمن النبي والخليفة الأول والثاني واحد ) [3] .
 الرواية الثانية:- ما نقله الشيخ الصدوق(قده) بسنده عن أبان عن علي بن محمد الحلبي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الطواف خلف المقام ، قال:- ما أحب ذلك وما أرى به بأساً فلا تفعله الا أن تجد منه بدّاً ) [4] ، والرواية موثقة فان طريق الشيخ إلى أبان الأحمر بن عثمان معتبر ، ولكن أبان من الناووسية على ما قيل .
 وعلى أي حال الرواية من حيث السند موثقة لا كلام فيها ولكن كيف العلاج ؟


[1] الوسائل 13 28 من ابواب الطواف ح1.
[2] أي قبل عهد النبي
[3] الجواهر 19 296.
[4] المصدر السابقح2