32/12/01


تحمیل
 وأما الصورة الثالثة:- وهي ما إذا فرض توارد الحالتين بمعنى أنه فرغ من الطواف وحصل له الشك في الوضوء وأنه هل توضأ قبل الطواف أو لا ، ونفترض أن المورد من توارد الحالتين فالمناسب عدم جريان الاستصحاب - أي استصحاب الوضوء أو الحدث - إما لتعارضهما أو لأنه غير قابل للجريان في حد نفسه بقطع النظر عن المعارضة ، وبالتالي يبقى المجال مفتوحاً لقاعدة الفراغ فيحكم بصحة الطواف السابق لأجها ، والاستصحاب لا يجري إما لأنه في توارد الحالتين لا يقبل الجريان ، أو حتى لو فرض أنه يقبل الجريان فقاعدة الفراغ مقدمة عليه . وهذا ينبغي أن يكون مطلباً واضحاً.
 ولكن توجد عبارة لكاشف اللثام توحي بأن المناسب هو البطلان حيث قال ( وأن تيقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر ففيه ما مر في كتاب الطهارة . ولا يفترق الحال في شيء من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده ) [1] فان المناسب هو أن يقول إذا كان الشك بعده فيحكم بالصحة لقاعدة الفراغ وأما إذا كان ذلك في الأثناء فيأتي ذلك الكلام المتقدم والذي قلنا فيه ان المشهور حكموا - حسب نقل صاحب الجواهر - بعدم جريان قاعدة الفراغ.
 بالجملة:- إذا كان الشك بعد الفراغ فالمناسب الحكم بالصحة لا كما توحي به العبارة المذكورة.
 ثم ان هذا كله إذا كان الشك في الوضوء قد تحقق بعد الفراغ من الطواف والصلاة معاً فالمناسب هنا ما ذكرناه.
 وأما إذا فرض أن الشك طرأ قبل الشروع في الصلاة وبعد الفراغ من الطواف فالمناسب هنا الحكم بصحة الطواف لقاعدة الفراغ ، وأما الصلاة فحيث لم يتحقق الفراغ منها فيجري استصحاب بقاء الحدث إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث فيلزمه أن يتوضأ لأجلها ، وأما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة فيستصحب الطهارة ويحكم بأنه متطهر الآن ويدخل في الصلاة بلا حاجة إلى وضوء ، وأما إذا فرض أن المورد من توارد الحالتين فاستصحاب الطهارة لا يجري ولكن لابد من الوضوء للصلاة لاعتبار أن الطهارة شرط في صحة الصلاة فلا بد من تحققها وحيث أن المحرز وهو استصحاب الطهارة مفقود لفرض أن المورد هو من توارد الحالتين فلابد من الوضوء حتى يحرز الطهارة . وهذا شيء واضح
 بقي الحديث عن حالة ما إذا كانت الطهارة المشكوكة هي الغسل ، كما لو فرض أن المكلف كان مجنباً وحصل له الشك في أنه اغتسل أو لا ، فالكلام هو الكلام ولا يوجد شيء جديد ، يعني باختصار:- إذا كان الشك قبل الطواف بعد تيقن الحدث فيستصحب بقاء الجنابة وعليه أن يغتسل ، وأما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة ويشك هل أنه أجنب أو لا فيستصحب الطهارة ، وإذا فرض توارد الحالتين فحيث لا يجري الاستصحاب فيلزمه الإحراز فلا بد أن يغتسل.
 وأما إذا كان بعد الفراغ منه فيحكم بصحته لقاعدة الفراغ.
 وأما إذا كان الشك بين الطواف وبين الصلاة فالمناسب هو الحكم بصحة الطواف لقاعدة الفراغ وأما بالنسبة للصلاة فيستصحب بقاء الجنابة فيلزمه الخروج من المسجد الحرام والاغتسال ثم يعود ويصلي ، وهل يحتاج إلى الوضوء حتى يصح أن يصلي ؟ كلا فان استصحاب الجنابة يثبت أنه جنب فإذا اغتسل فلا يحتاج إلى وضوء. وهذا واضح أيضاً.
 ولكن الشيء الجديد الذي نريد ذكره هو:- ان المكلف إذا أحدث بالأصغر بعد الطواف وقبل الصلاة فهل يكفيه الغسل أو أنه يحتاج إلى ضم الوضوء فيغتسل ويتوضأ ثم يصلى بعد ذلك ؟ بل قد يقال بلزوم إعادة الطواف ، والوجه في ذلك:- هو أنه إذا أحدث بالأصغر بعد الطواف وقبل الصلاة فسوف يتكون له علم إجمالي إما ببطلان قاعدة الفراغ أو ببطلان الاستصحاب ، فانه إذا كان جنباً سابقاً ولم يغتسل فقاعدة الفراغ تكون باطلة ويلزمه الغسل وإعادة الطواف ، وأما إذا فرض أنه اغتسل قبل أن يدخل في الطواف فاستصحاب بقاء الجنابة سوف يكون باطلاً.
 وهذا العلم الإجمالي بهذا المقدار ليس منجزاً فان المنجز هو العلم بالتكليف ومن الواضح أن العلم ببطلان قاعدة الفراغ ليس علماً بالتكليف وهكذا بطلان الاستصحاب.
 إذن العلم ببطلان أحد هذين وان كان ثابتاً حقاً إلا أنه لا قيمة له فان تمام القيمة هي للعلم بالتكليف.
 إذن إذا فرض أن العلم ببطلان هذين يستلزم علماً بالتكليف فسوف يصير المنجز هو ذلك العلم بالتكليف . وهذه قضية ظريفة ينبغي الالتفات إليها فليس كل علم إجمالي يكون منجزاً وإنما المنجز فقط وفقط هو العلم بالتكليف.
 والآن فلنلاحظ هل أن بطلان أحد هذين يستلزم العلم بالتكليف أو لا ؟
 والجواب:- نعم يستلزم ذلك ، فان قاعدة الفراغ ان كانت باطلة - أي كان المكلف جنباً واقعاً - فيلزمه الغسل وإعادة الطواف ، وأما إذا كان استصحاب الجنابة باطلاً - يعني كان قد اغتسل سابقاً - فعليه الوضوء لأجل الصلاة لأنه مغتسل سابقاً فاستصحاب الجنابة يكون باطلاً.
 فهو يعلم إجمالاً إما بلزوم الغسل عليه مع إعادة الطواف أو أن عليه الوضوء مع الصلاة ، فيلزم أن يجمع بين الأمرين ويحتاط فيغتسل ويتوضأ ويعيد الطواف ويصلي ، أي هذه الأمور الأربعة.
 إذن إذا لم يحدث بالأصغر بعد الطواف وقبل الصلاة كفاه الاغتسال لأجل الصلاة بلا حاجة إلى ضم الوضوء لجريان استصحاب بقاء الجنابة ، وأما إذا فرض أنه قد أحدث بالأصغر بعد الطواف فهنا يلزمه ما ذكرنا من الأمور الأربعة لأنه سوف يتشكل له علم إجمالي ببطلان إما قاعدة الفراغ أو الاستصحاب.
 وقلت:- ان هذا العلم الإجمالي ليس منجزاً لأنه ليس علماً بالتكليف ، بيد أن هذا العلم الإجمالي حيث يستلزم علماً إجمالياً بالتكليف فيكون المنجز هو ذلك العلم الإجمالي بالتكليف ، فعلى تقدير بطلان قاعدة الفراغ عليه الغسل وإعادة الطواف وعلى تقدير بطلان الاستصحاب فحينئذ يلزمه الجمع بأن يتوضأ ويغتسل ويطوف ويصلي.
 ان قلت:- ان هذا الكلام يجري نفسه لو فرض أنه لم يحدث بالأصغر فقبل الصلاة وبعد الفراغ من الطواف شك في أنه اغتسل من الجنابة أولا فانه سوف يعلم إما ببطلان قاعدة الفراغ وذلك على تقدير أنه لم يغتسل ، أو ببطلان استصحاب بقاء الجنابة وذلك على تقدير أنه اغتسل ، فالعلم ببطلان أحدهما ثابت حتى لو لم يحدث بالأصغر فلماذا خصص لزوم الجمع بين الأمور الأربعة بخصوص ما إذا أحدث بالأصغر ؟


[1] كشف اللثام 5 411.