09-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- تتمة حكم من لا شعر له، الواجب الثامن والتاسع من واجبات الحج طواف الحج وصلاته والسعي وكيفيتها وشرائطها / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الفرع الثالث:- لو فرض أن الناسك أثناء حلقه لرأسه جرح نفسه فهل يترتّب عليه شيء لو كان عامداً ؟
والجواب:- إنه في صورة الجهل والنسيان لا كفارة ولا شيء كما هو واضح، وإنما السؤال هو عن حالة العمد، والحكم واضح وهو أنه حلقه صحيحٌ غايته اقترن بشيءٍ محرّم والاقتران بالمحرّم لا يُخرِج العمل عن قابليّة التقرب به فيمكن حصول التقرّب به ويقع صحيحاً لكنّه يكون آثماً ولا تجب عليه الكفارة إذ لا توجد كفارة في إخراج الدم.
الفرع الرابع:- إذا حلق حاجّان أحدهما للآخر فما هو الحكم ؟
والجواب:- إنه يقع باطلاً من كليهما فإن الحرام ما دلّت عليه الرواية:- ( لا يأخذ من شعر الحلال والحرام )، والأوّل حيث إنه محرِمٌ فلا يصحّ منه حلقه للآخر والآخر حيث إنه باقٍ على إحرامه بسبب بطلان الحلق السابق - فهو باقٍ على الاحرام - فلا يجوز له أن يحلق لصاحبه . إذن الحلق من كليهما باطلٌ للنكتة المذكورة.
وأما بالنسبة إلى الطواف لو فرض أنهما طافا بعد ذلك فماداما جاهلين أو ناسيين فلا إشكال في طوافهما لصحيحة جميل المتقدّمة الدالة على أن من قدَّم ما حقه التأخير أو بالعكس فلا يؤثر ذلك على طوافه . نعم في حالة العمد يمكن الحكم ببطلانه بناءً على شرطيّة ترتّب أعمال مكّة على الحلق خلافاً لمن شكك في ذلك كصاحب الرياض والسيد الروحاني.
ثم إنه قد تسأل عن الكفارة وهل تترتب بسبب الحلق المذكور - يعني حلق المحرم للمحلّ - ؟ كلّا فإن الدليل قد دلّ على أن الكفارة ثابتة لمن أزال شعر نفسه - وهي شاة - أما من أزال شعر غيره فلا دليل على ذلك فيتمسّك بأصل البراءة.
الفرع الخامس:- إذا فرض أن الناسك حلق خارج منى من دون التفاتٍ إلى ذلك إما لجهلٍ أو لنسيانٍ ثم التفت إلى ذلك فيما بعد فهل يحكم بصحة حلقه كما وهل يحكم بصحة الأعمال المترتّبة عليه ؟
والجواب:- نعم مادام الناسك جاهلاً أو ناسياً فإن الدليل الذي تمسكنا به لإثبات لزوم الحلق في منى على ما تقدّم هو أن المسألة عامّة البلوى فيلزم أن يكون حكمها واضحاً وهذا الدليل حيث إنه لبّيٌ فيكون القدر المتيقن منه هو الملتفت دون الجاهل والناسي فنشك أنه هل المطلوب في حقهما وهل اشتغلت ذمتهما بكون الحلق في منى ؟ إنه شكٌّ في أصل التكليف فتجري البراءة عن ذلك، ومعه فلا يرد الإشكال من أنه نحن بالتالي نشكّ هل فرغت الذمة بالفعل المذكور أو لا بعد فرض إجمال الدليل الذي تمسكنا به لإثبات كون الحلق في منى فنشكّ هل تفرغ الذمة أو لا ومقتضى قاعدة الاشتغال اليقيني هو بقاء التكليف ولزوم إعادة هذا الفعل من جديد - يعين أن الحلق يعاد في منى -، والوجه في ذلك هو إننا ننقل الكلام كما كنّا نصنع مراراً إلى أصل اشتغال الذمّة - يعني قبل أن تصل النوبة إلى مرحلة الفراغ – فنقول إن الذي اشتغلت ذمته يقيناً هو الملتفت وأما غير الملتفت فلا يُجزم باشتغال ذمته بالحلق في منى وعلى هذا اساس ما اشتغلت به الذمة يفينا - وهو أصل الحلق - قد فرغت منه يقيناً وما نشكّ في فراغ الذمّة منه نشك في أصل اشتغال الذمّة به وعليه فلا إشكال من هذه الناحية . مضافاً إلى أنه قد ورد في صحيحة مسمع كردين المتقدمة:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر، قال:- يحلق في الطريق أو أين كان ) . إذن لا مشكلة من هذه الناحية . نعم عليه أن يرسل شعره إلى منى فإن هذا واجبٌ على ما تقدّم.
الفرع السادس:- إذا فرض أن الناسك كان نائباً عن غيره والنائب لم يكن صرورة وكان المنوب عنه صرورة فالنائب هل يلاحظ نفسه باعتبار أنه ليس بصرورةٍ وغير الصرورة يجوز له الاكتفاء بالتقصير ولا يتعيّن عليه الحلق في الحج أو يلاحظ تكليف المنوب عنه باعتبار أنه صرورة وحكم الصرورة هو الحلق بناءً على تعيّن الحلق في حقّ الصرورة ؟
والجواب:- إن تعيّن الحلق حكمٌ لمن كان صرورة والمفروض أن النائب ليس صرورةً فلماذا حينئذٍ يجب عليه أن يحلق، وهذا نظير ما إذا كان النائب امرأةً فإنّها تقصّر ولا تحلق ولا يحتمل أحدٌ النظر إلى المنوب عنه، كلّا فإن هذا من خصائص وشؤون الشخص الفاعل للعمل والمفروض أن الفاعل ليس صرورةً كما في الجهر والاخفات فلو فرض أن الرجل ناب عن المرأة في الصلاة أو المرأة نابت عن الرجل فكما يقال إن الجهر والاخفات أمران تابعان للشخص الفاعل ولا يُلحَظ من يؤتى بالعمل عنه كذلك الحال بالنسبة إلى المقام.
هذه بعض التطبيقات التمرينية في هذه المسألة.


الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحج الطواف وصلاته والسعي وكيفيتها وشرائطها هي نفس الكيفية والشرائط التي ذكرناها في طواف العمرة وصلاته وسعيها.
..........................................................................................................
اشتمل المتن المذكور على حكمين:-
الأوّل:- إنه يجب بعد الحلق زيارة مكّة لأداء أعمالٍ ثلاثةٍ فيها - أعني الطواف الصلاة والسعي-.
والثاني:- إن كيفيّة ذلك نفس كيفيّة طواف وصلاة وسعي العمرة، وهكذا الأحكام هي نفس تلك الأحكام دون أيّ اختلاف.
وكلا الحكمين مما لا إشكال فيه فقهياً ولم يقع في ذلك خلافٌ، وإنما الكلام في التخريج الفنّي والصناعي لذلك.
أما بالنسبة إلى الحكم الأوّل:- فيمكن أن يستفاد من روايات كثيرة كصحيحة جميل المتقدمة:- ( أن قوماً جاؤوا إلى النبي وقدّموا ما أخروا ... ) فإن أحد الأمور التي ذكرت فيها أنهم قدّموا زيارة البيت على الحلق مثلاً، إن هذا يدلّ على وجوب زيارة البيت - وواضح أن المقصود هو الطريقيّة والمرآتية إلى هذه الأعمال الثلاثة - إنه من هذه الرواية وما شاكلها الكثير يمكن أن يستفاد وجوب أداء أعمالٍ ثلاثةٍ في مكّة المكرّمة بعد الحلق.
ولكن إذا شكك شخصٌ في ذلك وقال:- إن مثل صحيحة جميل لا تدلّ على الوجوب باعتبار أن غاية ما تدلّ عليه هو مطلوبيّة زيارة البيت بعد الحلق والراوي يسأل بأنه لو قدّم وأخّر في هذا الشيء المطلوب فما هو حكمه هل هو الإعادة أو لا ؟ والنبي صلى الله عليه وآله قال:- ( لا حرج ) وهذا لا يستفاد منه الوجوب بل أقصى ما يستفاد منه المطلوبيّة بالمعنى الأعم.
إنه إذا شكك في دلالة هذه الرواية وما شاكلها فبإمكاننا أن نتمسك بوجهين:-
الوجه الأول:- الارتكاز المتوارث، بمعنى أن المرتكز في أذهان المتشرعة - والمهمّ هم الفقهاء - هو وجوب ذلك وهذا الارتكاز من أين نشأ ؟ إنه ارتكازٌ واضح ولا يحتمل نشوؤه من الروايات لأنّا فرضنا أن دلالتها ضعيفة أو أضعف والقويُّ لا ينشأ من الضعيف، إنه من هنا نستنتج أن هذا الارتكاز قد تلقّاه الفقهاء يداً بيد من الأئمة عليهم السلام فكلُّ مرحلةٍ زمنيّةٍ كانت تتلقّى أجواءً واضحةً من متشرعة الفترة الزمنيّة الأسبق وهكذا، وهذه طريقة ظريفة استفدنا منها في موارد كثيرة ومن خلالها أثبتنا اشتراط القربة في الوضوء والغسل والتيمم والصلاة والصوم والحج وهكذا في الكثير من الأمور العباديّة وإلا فاستفادة ذلك من النصوص قد يكون مشكلاً.
الوجه الثاني:- إن المسالة ابتلائية والمسالة الابتلائية لابد ,وأن يكون حكمها واضحاً لأن ذلك لازم كونها ابتلائية ولا يحتمل أن الحكم الواضح هو الاستحباب ولكن المنعكس على الفقهاء هو الوجوب - يعني أنه انعكس عليهم غير ما هو واضح - إن هذا بحساب الاحتمال شيءٌ بعيدٌ وضعيف . فإذن يحصل الاطمئنان بأن ذلك الحكم الواضح هو الوجوب الذي اتفق عليه الفقهاء، خصوصاً إذا التفتا إلى قضيّة أن أداء مثل هذه الأعمال الثلاثة يكون شاقّاً ولو على بعضٍ والنفسُ توّاقة إلى الراحة ولا أقل بالنسبة إلى العَجَزَة والشيوخ فلو فرض أن هذا الحكم كان استحبابياً لانعكس ولقيل للشيوخ وغيرهم أنه لا بأس وأن تتركوا الأعمال المذكورة . إذن إصرار الجميع على الاتيان بهذه الأعمال الثلاثة وعدم التساهل من ناحيتها يمكن أن يؤكّد الاطمئنان السابق الذي أشرنا إليه - يعني الاطمئنان بأن ذلك الحكم الواضح لا بد وأن يكون هو الوجوب دون الاستحباب -.