02-04-1345


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/02

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 409  ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 409 ):- إذا لم يقصّر ولم يحلق نسياناً أو جهلاً فذكره أو علم به بعد الفراغ من أعمال منى وتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف على الأظهر وإن كانت الإعادة أحوط بل الأحوط إعادة السعي أيضاً ولا يترك الاحتياط بإعادة الطواف مع الامكان فيما إذا كان تذكره أو علمه بالحكم قبل خروجه من مكة.
..........................................................................................................
لا تلزم إعادة الطواف:-
هذه المسألة تشير إلى الحكم الخامس من الأحكام المتقدّمة وأنّ من لم يأتِ بالحلق أو التقصير نسياناً أو جهلاً وزار البيت الشريف فلا تجب عليه إعادة الطواف والسعي وإن كان ذلك أحوط استحباباً.
وينبغي الالتفات إلى أن الاتيان بالطواف قبل الحلق أو التقصير تارةً يكون عن سهوٍ أو جهل وهذا ما تشير إليه هذه المسألة وأخرى يكون عن عمدٍ وهذا ما سوف تشير إليه المسألة الآتية، وكان من المناسب فنيّاً الإشارة في البداية إلى شرطيّة الترتيب - يعني أنه يشترط الإتيان بالطواف بعد الحلق والتقصير - وبعد ذلك يبيّن آنذاك أن مَن خالف فتارةً تكون مخالفته عن جهلٍ أو نسيانٍ وحكمه كذا وأخرى عن تكون عن عمدٍ وحكمه كذا فإن المناسب فنيّاً هو هذا كما صنع المحقق في الشرائع حيث قال ما نصّه:- ( ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي ) وبهذا أشار إلى اعتبار شرطيّة الإتيان بالحلق أو التقصير قبل زيارة البيت، ثم قال:- ( فلو قدّم ذلك على التقصير عامداً جبره بشاةٍ ولو كان ناسياً لم يكن عليه شيءٌ وعليه إعادة الطواف على الأظهر ).
وعلى أيّ حال يقع الكلام في أنه هل يشترط تقدّم الحلق أو التقصير على الطواف أو لا ؟
وواضح أنه ليس المقصود بيان الشرطيّة التكليفيّة وإنما الشرطية الوضعيّة، يعني بمعنى أنه هل يقع باطلاً لو خالف الترتيب أو لا ؟ إن هذا هو المهمّ، وأما الشرطيّة التكليفيّة فليست مهمّة وليست منظوراً إليها أو لا أقل القضيّة المهمّة هي أنه هل يفسد أو لا يفسد ؟
وقبل أن نشير إلى الأقوال في المسالة نشير إلى الروايات فيها على عكس ما كنّا نصنعه سابقاً لخصوصيّة في المقام لأن فهم الأقوال موقوفٌ على بيان الروايات أوّلاً، وهي ثلاثٌ أو أربع:-
الرواية الأولى:- صحيحة جميل بن دراج المتقدّمة:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناسٌ يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم ...، فقال:- لا حرج )[1]، وموضع الشاهد هو صدر الصحيحة وهو:- ( عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق قال:- لا ينبغي الا أن يكون ناسياً ) ثم في النهاية يوجد الموضع الثاني للشاهد فهو قال ( لا حرج ) فإن قوله صلى الله عليه وآله ( لا حرج ) وقول الصادق عليه السلام ( لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ) كلاهما شاهدان صالحان في المقام.
وعلى منوالها رواية أو صحيحة محمد بن حمران - والترديد هو من جهة محمد بن حمران[2] وأنه ثقة أو لا - فإنها بنفس المضمون تقريباً – . وإذا حُسِبَت هاتين الروايتين واحدةً فتصير الروايات ثلاثة وأما إذا حسبناها روايةً مستقلّةً فتصير أربع روايات فالترديد من هذه الناحية.
الرواية الثانية:- صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام:- ( رجلٌ زار البيت قبل أن يحلق، فقال:- إن كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالمٌ أن ذلك لا ينبغي له فإن عليه دم شاة )[3].
الثالثة:- صحيحة عليّ بن يقطين:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصّر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلك ؟ فقال:- لا بأس به يقصّر ويطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحلّ من كلّ شيء )[4]، وموضع الشاهد هو أن الراوي سأل عمّن لم يقصّر وزار البيت قبل التقصير رجلاً كان أو امرأة والإمام عليه السلام أجاب بإعادة العمل يعني أنّه يقصّر أوّلاً ثم يطوف بعد ذلك ويواكب الأعمال . إذن هي دلّت على شرطيّة الترتيب.
ولا يخفى أنه جاء فيها ( ثم يطوف للزيارة ) وهذه الفقرة تدلّ على أن طواف النساء قد يطلق عليه طواف الزيارة بقرينة هذه الرواية كما أشار إلى ذلك صاحب المدارك(قده) حيث قال:- ( وفي صحيحة علي بن يقطين إطلاق طواف الزيارة على طواف النساء )[5].
وأما من حيث الفتوى:- فيوجد رايان:-
الرأي الأوّل:- ولعلّه المشهور أو قد يدّعى الاتفاق عليه، وقد أشار اليه صاحب المدارك(قده)[6] فإن المحقّق قال:- ( لا ريب في وجوب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت )، إنه نفى الريب عن ذلك، وصاحب المدارك لم ينقل خلافاً في المسالة واستدل على ذلك بوجهين هما التأسّي والأخبار، ولكنه لم يشر إلى تلك الأخبار وأنه ماذا يريد بها ولعله يقصد الأخبار الثلاثة التي أشرنا إليها، وأما التأسّي فقد عرفت في موارد متعدّدة لأنه لا يصلح التمسّك به لأنه أعمّ من اللزوم كما هو واضح إلا أن يُضاف إليه بعض الأمور فيصير دليلاً آخر غير التأسّي.
وذكر السيد الخوئي(قده) في المعتمد[7] أنه لا شكّ في فساد الطواف والسعي - يعني في حق من قدّمهما على الحلق أو التقصير - وعلّل ذلك بأنه قد خالف شرطيّة الترتيب – وواضح أنه ناظر إلى حالة العمد - عمداً فيقع باطلاً . فإذن الحكم بالبطلان هو على طبق القاعدة . ثم أضاف أنه يمكن أن يستفاد ذلك من صحيحة ابن مسلم أو صحيحة ابن يقطين المتقدمتين في نقل الأخبار . إذن يظهر منه(قده) أن المسالة في حقّ العامد بلا ريبٍ في البطلان.
الرأي الثاني:- ما يظهر من صاحب الرياض(قد) فإنه ذكر أنه لولا الإجماع في المسألة أمكن أن نشكك في شرطيّة الترتيب في حق العامد الملتفت باعتبار أن الروايات عبّرت بلا ينبغي ولا حرج وكلاهما لا يدلّان على اللزوم ونصّ عبارته بعدما قال المحقق في المختصر النافع:- ( ولا يزور البيت لطواف الحج الا بعد الحلق أو التقصير ) حيث علّق وقال:- ( بلا خلاف ظاهر مصرحٍ به في جملة من العبائر فإن تمّ إجماعاً  وإلا فظاهر الصحيح المتقدم وغيره المتضمنين للفظة لا حرج وينبغي كالصحيح الآتي المتضمن للفظة لا ينبغي أيضاً خلافه . ولا ينافي إايجاب الدم في الأخير لإمكان الحمل على الاستحباب، لكن لا خروج عمّا عليه الأصحاب )[8] . إذن يظهر منه بوضوح أنه يمكن التشكيك في شرطيّة الترتيب في حقّ العامد، وكان من المناسب للسيد الخوئي(قده) الإشارة إلى ذلك لا أنه ينقل المطلب بشكلٍ يوحي بأن المسألة لا يوجد فيها أيّ كلام.
وعلى أي حال خالف من المتأخرين السيد الروحاني(قده)[9]  وقال إن الترتيب ليس شرطاً حتى في حقّ العامد وحاصل ما ذكره:- أنه في صحيحة جميل عُبِّر بكلمة ( لا ينبغي ) وفي صحيح بن مسلم قيل ( فإنَّ عليه دم شاة ) - يعني إذا خالف - ولا يمكن العمل بظهور كلتا الروايتين والوجه في ذلك هو أن فقرة ( لا ينبغي ) الواردة في صحيحة جميل هل يقصد منها عدم الانبغاء التكليفي - يعني يحرم تكليفاً - أو أن المقصود هو عدم الانبغاء الوضعي - بمعنى أنه فاسد - ؟ فإن أريد الأوّل فلازمه صحّة الطواف إذ لو كان باطلاً عند تقديمه على الحلق لأمكن إعادته ومادام يمكن إعادته فلا وجه للحرمة التكليفيّة - وأنا اقول نظير ما إذا فرض أن شخصاً يقرن سورتين بناءً على حرمة ذلك فإنه إذا كان ذلك موجباً لبطلان الصلاة فلا يوجب ذلك الحرمة التكليفيّة إذ أقصى ما هناك هو أن هذه الصلاة تكون غير صحيحة فيؤتى بغيرها مادام الوقت باقياً فالعمل مادام باطلاً عند زيادة شيءٍ لا موجب حينئذٍ لحرمته التكليفية -.
 إذن كلّما ثبتت الحرمة التكليفيّة نستنتج من ذلك أن العمل يصح بتلك الزيادة أو النقيصة أو المخالفة أو غير ذلك . إذن الحرمة التكليفيّة تدلّ على صحّة العمل وثبوت الشاة بنحو الوجوب في صحيحة بن مسلم يكون شيئاً وجيهاً ومقبولاً مادام العمل صحيحاً إذ يحتمل أنه بصحّة العمل هذا قد فوّت المكلف جزءاً من الملاك ولا يمكن تداركه فلأجل ذلك وجب في حقّه الشاة . إذن وحوب الشاة يكون شيئاً وجيها بناء على أن لفظ ( لا ينبغي ) يراد منه عدم الانبغاء تكليفاً ولكنّه يضرّنا من ناحية أنه يُثبِت الصحّة ونحن نريد إثبات الفساد، وأما أذا فسّرناه بعدم الانبغاء وضعاً بمعنى الإشارة إلى الفساد فهذا ينفعنا ولكن يلزم أن نرفع اليد عن ظهور ( إن عليه دم شاة ) في الوجوب فمادام العمل كان فاسداً إذ يمكن آنذاك تداركه من جديد فلا موجب لثبوت الشاة . إذن نحن بين مخالفتين للظاهر وحيث لا مرجّح لإحدى المخالفتين على الأخرى فيعود الأمر والواقع مجملاً علينا، والمقصود من المخالفتين هو إما حمل ( لا ينبغي ) على الحكم التكليفي وبذلك نحافظ على ظاهر وجوب الشاة من دون مخالفةٍ، وهذه مخالفة للظاهر - يعني حمل ( لا ينبغي ) على الحكم التكليفي فقط من دون الإشارة إلى الفساد -، أو نحمل ( لا ينبغي ) على الفساد الوضعي ولكنّه يلزم أن نرفع اليد عن الظهور في وجوب الشاة، وحيث لا مرجّح لإحدى المخالفتين على الأخرى فلا يكون هناك مثبتٌ للبطلان - أي لبطلان الطواف - فلعل عدم الانبغاء فقط وفقط هو تكليفيٌّ والعمل يقع صحيحاً وبذلك نحافظ على ظاهر ( إن عليه دم شاة ) في الوجوب، إن هذا محتملٌ ومعه لا دليل على ثبوت الشرطيّة، هكذا ذكر(قده).
ثم قال:- هذا إذا نظرنا إلى صحيحة جميل التي قالت ( لا ينبغي ) مع صحيحة بن مسلم التي قالت ( فإن عليه دم شاة ) ولكن لِمَ لا ننظر إلى صحيحة عليّ بن يقطين فإنها خالية من هذا التشويش فنأخذ بها وهي قد قالت:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت فطافت وسعت من الليل ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلك، قال:- لا بأس به يقصّر ويطوف بالحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحلّ )،إنها سليمة من هذا التشويش والإشكال وتدلّ على فعل التقصير أوّلاً ثم إعادة الطواف بعد ذلك فلنتمسّك بهذه الرواية وتكون دليلاً على شرطيّة الترتيب ؟!


[5]  مدارك الاحكام، الموسوي العاملي، ج8، ص109.
[7] المعتمد، الخوئي، ج5، ص332.
[8]  رياض المسائل، ج6، ص482.
[9]  المرتقى، الروحاني، ج2، ص415، 416.