1440/11/02


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 68 ) – هل الاجازة كاشفة أو ناقلة – شروط المتعاقدين.

ثم إنه بعد أن اتضح إمكان الكشف الحقيقي بنحوين من انحائه الخمسة المتقدمة يقع الكلام في الاحتمال الثاني من احتمالات الاجازة وهو الكشف الحكمي.

الكشف الحكمي:- بمعنى أنَّ آثار الملك تترتب من البداية بينما الملكية تحصل من حين الاجازة ، فهذا قد يشكل عليه بأنه إذا كان جميع آثار الملكية تترتب من البداية فالمناسب أن تكون الملكية حاصلة من البداية أيضاً ولا معنى لأن تكون الملكية متأخرة بعد أن كانت جميع آثارها متقدمةً ، وهذا نظير المطلقة الرجعية فإنه تترتب عليها جميع آثار الزوجية ومادام تترتب عليها فإذاً هي زوجة حقيقةً ولا معنى لأنَّ نقول إنَّ الآثار كلّها مترتبة ولكن الزوجية ليست ثابتة ، فعلى هذا الأساس احتمال الكشف الحكمي يكون موهوناً من هذه الناحية.

وأما الاحتمال الثالث من أنحاء الاجازة:- وهو أن تكون بنحو النقل فهذا ممكن ولا إشكال فيه.

والنتيجة:- هي أنه يوجد نحوان من انحاء الاجازة ممكن ، وهو أن تكون كاشفة كشفاً حقيقياً ، وأن تكون بنحو النقل ، وأما بنحو الكشف الحكمي فهو احتمال ضعيف لما أشرنا إليه.

وبعد أن اتضح وجود احتمالين ممكنين وجيهين في الاجازة نأتي إلى ما تقتضيه القاعدة ، وهل تقتضي النقل أو تقتضي الكشف الحقيقي ثم نتكلم فيما تقتضيه الأخبار:-

أما القاعدة:- فقد تقرّب بوجيهين في صالح النقل ، يعني يقال إنَّ القاعدة تقتضي أنَّ الاجازة ناقلة وذلك لبيانين:-

البيان الأول:- أن يقال إنَّ الأمر بوجوب الوفاء يتوجه من حين الاجازة فإذا حصلت الاجازة حصل الانتساب - أي انتساب العقد إلى المالك المجيز - وبعد أن انتسب إليه العقد حين الاجازة يشمله ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ولازم شمول ( أوفوا ) من حين الاجازة أنَّ النقل والانتقال يحصل من حين الاجازة ، لأنَّ وجوب الوفاء هو من حين الاجازة فالنقل والانتقال أيضاً يكون من حين الاجازة ، وهذا نتيجته ناقلية الاجازة.

ويرد عليه:- نحن نسلّم أنَّ وجوب يشمل عقد الفضولي حين الاجازة ولكن لا يلزم من ذلك النقل ، إذ وجوب الوفاء وإن كان من حين الاجازة بيد أنَّ متعلّق وجوب الوفاء هل هو من حين الاجازة أيضاً أو من حين صدور العقد ، فهل يجب الوفاء بالعقد من حين الاجازة أو يجب الوفاء بالعقد من حين صدوره ؟ فوجوب الوفاء وإن كان ثابتاً من حين الاجازة إلا أنَّ متعلق وجوب الوفاء مردد بين احتمالين ، بين أن يكون من حين الاجازة وهذا نتيجته النقل ، وبين أن يكون من حين صدور العقد يعني أوفوا بالعقود من حين صدروها فمن حين الاجازة يتوجه ( أوفوا ) إلا أن متعلقه هو العقد من حين صدوره لا العقد من حين الاجازة ، وكلا الاحتمالين موجود ، ومعه يكون الأمر بوجوب الوفاء حيادياً من هذه الناحية.

وبالجملة:- صحيح هو يشمل العقد من حين الاجازة إلا أنَّ متعلّق وجوب الوفاء يحتمل أن يكون من حين صدور العقد ، ومعه تكون الآية الكريمة والأمر بوجوب الوفاء ملائماً مع كلا الاحتمالين النقل والكشف ، فإذاً هذا البيان قابل للتأمل.

البيان الثاني:- التمسك بالاستصحاب ، وذلك بأن يقال إنَّ الملكية والنقل والانتقال قبل العقد وقبل صدور الاجازة لم يكن موجوداً ، ونحن نشك إذا حصل العقد وتأخرت الاجازة فالملكية التي لم تكن موجودة هل تحصل من حين العقد أو أنها لا تحصل إلا من حين الاجازة ، فشك في حدوثها فنستصحب عدمها إلى حين الاجازة ، وبذلك تكون النتيجة هي النقل.

وهو بيان لطيف إلا أنه مبني على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية وعدم معارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد ، أما إذا قلنا كما قال السيد الخوئي والشيخ النراقي من أنَّ استصحاب بقاء الملكية صحيح أنه يجري ولكن هذا من ناحية ولكن من ناحية أخرى نشك في الجعل وأنه هل جعل المولى الملكية بالمقدار الطويل - يعني من حين العقد - أو جعلها بالمقدار القصير - أي من حين الاجازة - فنجري استصحاب عدم الجعل الزائد ، فمقدار هذه الفترة لم يكن سابقاً جزماً فنشك في حدوثه فنستصحب عدم الجعل الزائد ، وبذلك لا يجري استصحاب بقاء المجعول لمعارضته باستصحاب عدم الجعل الزائد ، فإذاً ما ذكرناه في البيان الثاني مبني على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية ، وأما إذا أخذنا بمقالة السيد الخوئي فهذا الاستصحاب لا يكون جارياً لأجل المعارضة ، وهو شيء واضح.

إذاً اتضح من خلال ما ذكرناه أنَّ القاعدة تقتضي النقل من جهة استصحاب عدم تحقق الملكية من حين العقد إلى حين تحقق الاجازة ، فحينئذٍ من حين الاجازة الملكية بمقتضى الاستصحاب تكون متحققة وهذا نتيجته النقل ، ولكن كما قلنا هذا مبني على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية وعدم المعارضة بين استصحاب بقاء المجعول أصالة عدم الجعل الزائد كما هو الصحيح في أنَّ الاستصحاب في الأحكام الكلية يجري ولا تتحقق معارضة ، ولكن نحن نأخذ بمقتضى القاعدة حينما لا توجد رواية ، أما بعد وجودها فسوف نأخذ بما تقتضيه الرواية.

ويمكن أن يقال:- إنَّ بعض الروايات تقتضي الكشف ، ومن ذلك صحيحة محمد بن قيس الواردة في الوليدة فإنَّ الطرف الذي اشترى الوليدة من ابن المولى والامام عليه السلام قال ترجع الوليدة وابنها إلى مولاها الأصلي ، ثم التفت المشتري للإمام وقال إنَّ هذا ابني ، فقال له الامام عليه السلام خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى يجيز المالك الأوّل لك البيع فأخذ المشتري ابن المولى الأول الذي باعه الوليدة فأجاز المولى الأول له البيع فأخذ المشتري الوليدة وابنها ، والشاهد هو أنَّ حكم الامام عليه السلام حينما أمضى أخذ ابن الوليدة فهذا لازمه الكشف ، إذ بناءً على النقل لابد وأن يرجع الولد إلى المالك المجيز لأنه نماءٌ حصل في فترة ملكه ، لأنَّ هذه الوليدة بين العقد وبين الاجازة هي ملك للمولى الأول فلازمه أن يكون النماء الحاصل في هذه الفترة له أيضاً ، بينما حكم الامام عليه السلام بأنه بالاجازة يكون النماء للمولى الجديد وهذا يتناسب مع الكشف وليس مع النقل ، فإنه بناءً على الكشف من بداية العقد الفضولي تكون هذه الوليدة ملك المشتري ، فحينما أولدها فهو أولدها في ملكه فيكون الولد له ، فالحكم بكون الولد للمولى الجديد يتناسب مع فكرة الكشف ، إذ بناءً على النقل يكون هذا النماء للمولى الأول.

أجل نستدرك ونقول:- صحيح هذا يتناسب مع فكرة الكشف دون فكرة النقل ، ولكن نستدرك ونقول إنه إذا قلنا بإمكان الكشف الحكمي فحينئذٍ هذه الرواية تتلاءم مع الكشف الحقيقي ومع الكشف الحكمي معاً ولا تكون دالة على الكشف الحقيقي بخصوصه ، نعم لو قلنا بعدم إمكانه الكشف الحكمي فحينئذٍ يتعين أن تكون دالة على الكشف الحقيقي بعد فرض بطلان الكشف الحكمي.

هذا كله بالنسبة إلى الرواية الأولى وقد اتضح أنها تلاءم مع فكرة الكشف الحقيقي ولكن إذا قلنا بعدم إمكان الكشف الحكمي ، وإلا سوف تكون متلائمة مع كلا النحوين من الكشف.