1440/10/15


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 66 ) – شروط المتعاقدين.

الجواب الثالث:- ما ذكره صاحب المقابيس الشيخ أسد الله التستري(قده) وهو قد أجاب بجوابين:-

الأول:- لنلتزم بأنَّ بيع الفضولي عن نفسه باطل.

والتعليق عليه واضح:- إنَّ هذا التزام بالإشكال وقبوله وبالتالي لا يعدّ جواباً .

الثاني:- لنقل إنَّ اجازة المالك تتلق بأصل المبادلة وليس بالمبادلة والمعاوضة عن نفسه - أي عن نفس الفضولي - بل الاجازة تتعلق بأصل المبادلة والمبايعة والمعاوضة ولكن من دون قيد ( عن نفسه ) فأصل المعاوضة يجاز وأما الجزء الثاني - وهو كونه عن نفسه بحيث يدخل الثمن في كيس الفضولي - فهذا لا يجاز ، فنبعّض في متعلّق الاجازة ، وإذا أجزنا أصل المعاوضة فحيث إنَّ المثمن ملك للمالك المجيز فالعوض يكون له فإنَّ هذا هو مقتضى المعاوضة الحقيقية أما بيع الفضولي عن نفسه فيكون لاغياً.

والاشكال على ما أفاده واضح:- فإنه مبني على كون المنشأ متعدداً أحدهما إنشاء أصل المعاوضة والثاني هو إنشاء كونها عن نفسه ، فإذا كان المنشأ انثنين فما أفاده تكون له وجاهة فيجيز الأول دون الثاني ، أما إذا كان المنشأ شيئاً واحداً ارتباطياً فإنَّ المنشأ هو المعاوضة عن نفسه بحيث يكون الثمن للفضولي ، فالمنشأ واحد وليس متعدداً ، نعم بالتحليل ينحل إلى اثنين أما هو فواحد ، ومادام المنشأ واحداً ترابطياً فلا معنى لفكرة الانحلال ، وبالتالي لا معنى لإجازة الجزء الأوّل - أعني أصل المعاوضة - دون الجزء الثاني - أعني كونها عن نفسه -.

الجواب الرابع:- ما نقل عن الشيخ كاشف الغطاء(قده) وحاصله: أنه لنلتزم بأنَّ الفضولي حينما يبيع عن نفسه ينتقل الثمن له ، فالاجازة تتعلق بما أنشأه الفضولي ، وبذلك تكون النتيجة هي صحة العقد للفضولي والثمن يكون ملكاً للفضولي وإن كان المثمن ملكاً للمالك ، ولا مانع من ذلك.

ولكن نقول:- إنَّ هذه مجرد دعوى تحتاج إلى اثبات.

وقد نسب إلى بعضٍ توجيه ذلك بتوجهين:-

التوجيه الأول:- هو أنَّ الفضولي قبل أن يمّلك الطرف الثاني الكتاب للمشتري هو قد ملّكه لنفسه ثم بعد ذلك سوف يملّك التاب للمشتري ، وحينما يجيز المالك هذا العقد للفضولي عن نفس الفضولي فمعناه أنه يجيز تمليك الفضولي الكتاب لنفسه ، فبإجازة المالك سوف يصير الفضولي مالكاً وقد ملّك وباع مال نفسه بذلك الثمن ، فإذاً الفضولي ينشئ تمليك الكتاب لنفسه بذلك الثمن ثم بعد ذلك يبيعه للمشتري ، والمالك حينما يقول ( أجزت ) فهو يجيز تمليك الفضولي الكتاب لنفسه - أي لنفس الفضولي - وبالتالي صار الفضولي بلحاظ بيع الكتاب للمشتري ليس فضولياً بل هو مالك وهو يبيع كتابه – ملكه -.

وجوابه:- إنَّ هذا يلزم لقبوله أن نفترض أن البائع الفضولي فقيه يعرف دقائق المور والمالك المجيز أيضاً كذلك ، إذ لو لم يكن الفضولي فقيهاً سوف لا يملِّك نفسه قبل ذلك ، فلأجل أن يملِّك الفضولي نفسه أولاً لابد أن يكون مطلعاً على الأحكام وأنه لا يصح له أن يملِّك المبيع للمشتري ابتداءً بحيث لو أجاز المالك يقع البيع لنفس الفضولي إلا بأن يملِّك الفضولي نفسه من البداية ، فلابد أن يكون مطلعاً على الاحكام ، وهكذا بالنسبة إلى المالك لابد أن يكون مطلعاً على الأحكام بهذا الشكل أيضاً حتى يعرف أنه يجيز للفضولي ، لأنَّ الفضولي قد أنشأ تمليكاً لنفسه والمالك بقوله ( أجزت ) هو يجيز بيع الفضولي لنفسه وليس بيعه للمشتري ، ففي الحقيقة تصوير هذا لا نجد له مصداقاً.

بالتوجيه الثاني:- إنه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكاً للعاقد في صحة انتقال البدل إليه ، يعني يمكن أن ينتقل الثمن إلى الفضولي ولا يلزم أن يكون الكتاب ملكاً له بل يكفي أن يكون مأذوناً في البيع لنفسه ، فمتى ما كان مأذوناً أو مجاوزاً كفى ذلك ، وعلى هذا الأساس نقول في المقام إنَّ الفضولي مجاز من قبل المالك في البيع لنفسه ، لأنَّ المالك قال ( أجزت ) فيصح بيع الكتاب رغم أنه ليس ملكه والثمن يكون له أيضاً وليس للمالك مادام مأذوناً أو مجازاً من قبل المالك ، فيكفي أن أقول لك في غير موردنا ( هذه مائة دينار هي ملكي ولا أملكك إياها ولكن أنت مأذون في أن تشتري بها عباءة لك والعباءة تصير ملكك وليست لي ) ، فالثمن منّي وعلى ملكي لكن العباءة تصير ملكك ، فعلى هذا الرأي يكون هذا الشيء جائزاً ، إذ لا دليل على شرطية صحة ملكية الشيء - وهو العباء في مثالنا أو الثمن في موردنا - أن يكون مالكاً للشيء ، بل يكفي أن يكون مأذوناً أو مجازاً من قبل المالك في بيعٍ من هذا القبيل ، وفي مثالنا يقول للفضولي أنا آذن لك في أن تبيع ملكي ويكون الثمن لك ، ومادام هذا الفضولي مأذوناً فلا بأس بما قام به.

وجوابه:- إنَّ المرتكز في الأذهان العرفية بحدٍّ لا يقبل التشكيك هو أنَّ البيع عبارة عن تمليك مقابل تمليك ، فالشخص يملك المعوّض فيدفعه مقابل تمليك المعوَّض ، فهو تبديل بين التمليكين ، ومجرّد الإذن من دون أن يكون كلا الطرفين مالكاً لا يكفي في تحقق البيع ، فتغيير معنى البيع بلا دليل وليس شيئاً مقبولاً.

إذاً هذه المحاولة مرفوضة ، لأنها تتنافى مع ما هو المرتكز عن البيع من معنىً ومفهوم وأنَّه معاوضة بين الملكين ، وهنا ليست معاوضة بين الملكين ، فإنَّ الفضولي ليس بمالك وإنما هو مأذون من قبل المالك فقط من دون أن يكون مالكاً ، فهذا لا يمكن أن يكون بيعاً.

وبهذا اتضح أنَّ المحاولات المذكورة كلّها قابلة للإشكال.

والأوجه في حلّ الاشكال الخامس أن يقال:- إنَّ المالك حينما يجيز فهو يجيز البيع لنفسه ، بمعنى أنه يقول إنَّ ما صدر من الفضولي من تمليك هو نافذ ولكن هو أنشاه عن نفسه وأنا أقول أنا أجزته ولكن عن نفسي وليس عن الفضولي ، فهذا البيع الذي تحقق أنا أجزته عن نفسي لا عن الفضولي ، والقرينة على ذلك هو أنَّ المالك حينما يجيز فهو يجيز لنفسه لا أنه يجيز لشيء لا ينتفع به ، فنفس الاجازة هي قرينة عرفية على أنه يجيز البيع بحيث يكون لنفسه ، فنفس البيع مقبول ولكنه يكون للمالك وليس للفضولي.

ثم نضم مقدمة أخرى:- وهو أنه بهذا المقدار يتحقق انتساب البيع والمعاملة إلى المالك بإجازته ، فإذا تحقق الانتساب فآنذاك تشمله العمومات ، فإنَّ العمومات يكفي فيها تحقق انتساب العقد إلى الشخص ، وهذا المالك قد انتسب العقد إليه بسبب الاجازة ولكنه أجاز هذا العقد عن نفسه ، وحينئذٍ تكون الاجازة ممضية ويتحقق الانتساب وتشمله العمومات ، وبذلك يرتفع الاشكال ، ولعل بعض الأجوبة السابقة تتلاءم مع ما ذكرناه.