1440/08/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، من مسألة ٢٥ إلى ٢٧

 

دفع توهم

تقدم الكلام عن مسألة ٢٠ و٢٣، لكن توجد ملاحظة تحتاج الى بيان، فإن السيد الماتن (قده) ذكر في مسألة ٢٠ أن (سطح المسجد وسردابه ومحرابه منه ما لم يعلم خروجها)، ولعل عبارته ظاهرة في ان صورة الشك داخلة في المستنثنى منه فيحكم بأن المشكوك من المسجد، ومن هنا قد يقال ان هذا ينافي ما ذكره في مسألة ٢٣ فانه قال (إذا شك في موضع من المسجد أنه جزء منه أو من مرافقه لم يجر عليه حكم المسجد)، ببيان انه في عبارته السابقة حكم بان المشكوك من المسجد، وفي هذه العبارة حكم بعدم جريان حكم المسجد عليه.

وفي مقام دفع التنافي نقول لعله كان في عبارته الأولى ناظراً الى العناوين المذكورة فيها، وفي عبارته الثانية ناظراً الى غير تلك العناوين، فهو في كلتا المسألتين في صدد بيان حكم الشك، لكن السرداب والسطح والمحراب لها خصوصية بمعنى ان هذه الأمور الثلاثة اذا فرض الشك في انها من المسجد او لا يحكم بانها من المسجد أخذاً بظاهر الحال من قبيل سطح البيت و سردابه، حيث انه لا احد يتوقف في انهما تابعان للبيت عملاً بظاهر الحال، وواضح ان ظاهر الحال مقدم على استصحاب عدم كونه من المسجد، وهذا بخلاف الأمور الأخرى التي يشك في انها من المسجد او لا، كما اذا شك في مسجدية ارض واقعة الى جنب المسجد، فان ظاهر الحال لا يقتضي كونها من المسجد فيجري الإستصحاب، ومقتضاه عدم كونها من المسجد.

 

(مسألة ٢٥): لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو الجامعية فبان الخلاف تبين البطلان.

قوله (باعتقاد المسجدية او الجامعية): المقصود منه بيان الخلاف في اعتبار الجامعية في المسجد، او عدم اعتباره والإكتفاء بالمسجد في الإعتكاف.

ووجه البطلان عدم تحقق ما هو الشرط واقعاً وهو ان يعتكف في مسجد او في مسجد جامع، غاية الأمر انه كان هناك اعتقاد وخيال محض، ولا أثر له.

 

(مسألة ٢٦): لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل والمرأة، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدته للصلاة في بيتها، بل ولا في مسجد القبيلة ونحوها.

قوله (في المسجد الجامع): مبني على اعتبار ان يكون المسجد جامعاً.

مسألة الإتحاد في هذا الحكم بين الرجل والمرأة واضح فقهياً ويمكن الإستدلال له بإطلاق النصوص، فإن معظم النصوص الدالة على لابدية الإعتكاف في المسجد او المسجد الجامع لها اطلاق يشمل المرأة، مضافاً الى وجود التصريح بالتعميم في بعض الروايات التامة سنداً، من قبيل رواية داود بن سرحان

عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: إن علياً (عليه السلام) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو مسجد جامع، ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، والمرأة مثل ذلك.[1]

فإنها صريحة في ان المرأة مثل الرجل في الأحكام المذكورة فيها التي منها انه لا اعتكاف الا في مسجد جامع، وهي صحيحة السند بطريق الشيخ الصدوق، لانه ينقلها عن البزنطي عن داود بن سرحان، وطريقه الى البزنطي تام، لا بطريق الشيخ الكليني لوجود سهل بن زياد فيه.

وكذا من قبيل رواية الحلبي

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لابد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، ولا يخرج في شيء إلا لجنازة، أو يعود مريضاً، ولا يجلس حتى يرجع، قال: واعتكاف المرأة مثل ذلك.[2]

وهي وإن لم تذكر مسألة إشتراط أن يكون الإعتكاف في المسجد الجامع ولكن السيد الماتن (قده) ركز على هذه المسألة، ولذا فرع على هذا الإلحاق بقوله (فلا يجوز لها أن تعتكف في المكان الذي اتخذته مسجداً في بيتها)؛ فالرواية الأولى صرحت بهذا الحكم في البداية ثم قالت أن المرأة مثل الرجل، أما الرواية الثانية لم تصرح بذلك، فالملاحظة ترد على هذه الرواية بخلاف الرواية الأولى التي هي صحيحة السند ويمكن الإعتماد عليها.

إلا أن يقال أننا نلتزم بإشتراك المرأة مع الرجل في جميع الأحكام المذكورة في الروايتين إلا الحكم بشرطية المسجد الجامع للإعتكاف فلا يشمل المرأة، فالمرأة للتخفيف عنها يقال أنها تعتكف في مسجد القبيلة على الأقل.

ولكن نقول أن عهدة هذه الدعوى على مدعيها وإن كانت هي ممكنة في حد نفسها، وعلى كل حال العمدة في المسألة هي الصحيحة الأولى.

 

(مسألة ٢٧): الأقوى صحة إعتكاف الصبي المميز، فلا يشترط فيه البلوغ.

يظهر من السيد الحكيم )قده) في المستمسك أنه إستدل على ذلك بإطلاق أدلة المشروعية في العبادات، فهي مطلقة ولا يوجد فيها ما يقتضي إختصاصها بالبالغ، فنتمسك بهذا الإطلاق لإثبات المشروعية في عبادات الصبي، وقال (قده): «وحديث (رفع القلم عن الصبي) لا يصلح لرفع المشروعية، بل يختص برفع الإلزام، جمعاً عرفياً بين دليل الرفع ودليل المرفوع.»[3] وبالنتيجة نلتزم برفع الإلزام عن الصبي مع بقاء المشروعية لعبادته.

وواضح أن هذا الكلام يذكره (قده) في العبادات الواجبة بالأصالة كالصلاة والصيام والحج، فالذي يظهر من كلامه أن الأمر بالصلاة يدل على شيئين وكأنه ينحل اليهما، هما الوجوب والمشروعية -بغض النظر عن نوع هذه الدلالة في المشروعية وأنها إلتزامية أو تضمنية-، وهذا الأمر يدل على كل منهما، وحديث رفع القلم عندما يرد فهو يرفع الإلزام دون المشروعية، فتبقى الأدلة دالة على المشروعية، وهي مطلقة بلحاظ البالغ وغير البالغ.

ويلاحظ على هذا الكلام ما ذكره السيد الخوئي (قده)[4] وغيره من أن ما يدل عليه الأمر بالصلاة -مثلاً- حكم واحد بسيط غير منحل إلى حكمين، فلا تركيب في مدلول الأمر، فإذا ارتفع هذا الحكم فلا يبقى شيء لنثبت به المشروعية أو الصحة في حق الصبي. نعم، التمسك بإطلاق دليل المشروعية ممكن جداً في العبادات المستحبة لعدم جريان حديث رفع القلم في العبادات المستحبة، لأنه حديث إمتناني، ولا إمتنان في رفع المستحب، بل الإمتنان في رفع الإلزام والوجوب، فالحديث لا يشمل المستحبات أصلاً، فكأنه أصبح أجنبياً عن المسألة، فلا يبقى لدينا إلا إطلاقات هذه العبادات المستحبة التي تأمر بالإعتكاف إستحباباً، وهذا الأمر لا يختص بالبالغ بل يشمل حتى الصبي، وبالتالي تثبت المشروعية والإستحباب في حق الصبي. وأما بالنسبة للواجبات مثل الصلاة والصوم فبعد عدم تمامية ما ذكر في المستمسك لإثبات مشروعيتها فقد ذكروا أن الدليل على ذلك هو ما ورد من قوله (عليه السلام) (مروا صبيانكم بالصلاة والصيام)، بتقريب أن الأمر بالأمر بالشيء هو أمر بذلك الشيء، فكأنما صدر أمر من المولى بالنسبة إلى الصبي في أن يصلي ويصوم، وأمر الأب ما هو إلا واسطة في ذلك.

على كل حال الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في مشروعية عبادات الصبي.