1440/06/13


تحمیل

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

وأما قوله تعالى ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾ فالكلام فيه هو الكلام ، يعني ما ذكرناه في آية ﴿ أوفوا ﴾ يأتي هنا فنقول إن هذا من قبيل مقابلة الجمع بالجمع ، فالمقصود من قوله ﴿ لا تأكلوا أموالكم ﴾ يعني أنت لا تأكل مالك إلا بتجارتك الصادر منك المنتسبة إليك أو التي التزمت بها ، فالكلام الذي ذكرناه في ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يأتي نفسه في هذه الآية الكريمة ، فإذاً ليس المقصود هو الاطلاق بعرضه العريض.

أما آية ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ فهنا أيضاً نقول إنَّ المقصود من ﴿ أحل الله البيع ﴾ يعني بمعنى أمضى البيع يعني أنَّ البيع الصادر منك أو المنتسب إليك أو الذي التزمت به قد أمضاه الله عزّ وجل ، ليس المقصود الدائرة الوسيعة.

إذاً الآيات الثلاث هي على منوالٍ واحد من هذه الناحية ، أي يقصد منها وجوب الوفاء أو جواز الأكل أو الامضاء كل ذلك في الدائرة الضيقة.

يبقي شيء:- وهو أنه كيف نوجّه البيع بالولاية ، يعني الأب والجد يبيع بالولاية عن ولده فإنَّ هذا البيع ليس هو بيع الولد إذ لم يصدر منه ولم يلتزم به ولا اجازه أو أذنه حتى ينتسب إليه خصوصاً إذا كان المولّى عليه صغيراً ولا يشعر بذلك فلا يوجد انتساب إليه بأي شكل من الأشكال فإمضاؤه بلحاظه وله - أي بلحاظ المولّى عليه ونقول العقد صحيح ونافذ بالنسبة إلى المولّى عليه - فهل يمكن تخريج هذا على القاعدة ؟ ، فإنه إذا اجاز أو أذن فهذا نحو من الانتساب فيسمله مثلاً ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ ، أما إذا فرض أنه لم يتحقق أي واحد من هذه الأمور كما لو كان لا شعور له فإثبات نفوذ البيع في حقه كيف نوجه ؟ الظاهر أنه بمقتضى القاعدة لا يمكن ، إلا أنه حينما جاء النص الخاص وجوّز للولي أن يبيع عن ولده فيكون دليل الولاية حاكماً يعني يكون مثبتاً لصحة البيع في حث المولّى عليه ونفوذه في حقه تعبّداً لا من أباب أنه منتسب إليه بنحوٍ من الأنحاء وإلا فالانتساب ليس موجوداً ، فهذا تكون صحته من باب دليل الولاية الحاكم والقاضي بأن الشرع يعد عقد الولي عقداً نافذاً في حق المولّى عليه.

ونفهرس ما ذكرناه:- وهو أنَّ العقد لابد أن ينتسب إلى شخص حتى يثبت صحته بعموم ﴿ أوفوا ﴾ أو ﴿ أحلَّ الله البيع ﴾ أو غير ذلك وقد عرفنا أنَّ الموجب للانتساب إما الملكية ، أو بعبارة أخرى الصدور من المالك وهذا أوضح المصاديق ، أو أنَّ الموجب لذلك هو الاجازة أو الاذن ، أو أن الموجب لذلك هو الولاية لحكومة دليل الولاية ، ولكن بالنسبة إلى الاجازة بل حتى في الاذن ربما يتوقف ويقال كيف ينتسب ما صدر من الغير إلى شخصٍ آخر بإجازته أو بإذنه ؟ فلو فرض أن شخصاً بنى داراً وقلت له بعد أن بناها أجزت لك أن تبني داري فهل ينتسب البناء لي وأني أنا الذي بنيتها ؟ كلا ، فبالإجازة لا ينتسب لي البناء ، بل حتى بالإذن له ربما لا ينتسب إليَّ ، فقد يشكل بهذا الاشكال وهو أنَّ الانتساب بالاجازة أو بالإذن محل تأمل فإنَّ الفعل الخارجي لا يصير منتسباً إلى غير الصادر منه من خلال الاجازة ؟

وجوابه واضح:- حيث يقال: إنَّ هذا وجيه في الأمور الحقيقية ، أما الاعتبارية التي ليس لها وجود خارجي ، فالتي لها وجود خارجي مثل بناء الدار فبالإجازة لا ينتسب بنائها إلى المجيز وإما ينتسب إلى الفاعل والصادر منه ، أما الأمور الاعتبارية فهي اعتبار تنتسب إلى المجيز أو الآذن ولا مشكلة في ذلك ، ولا ينبغي أن نقيس الأمور الاعتبارية على الأمور الحقيقية ، بل وارتكاز العقلائي يساعد على ذلك ، وسيرة العقلاء قد جرت على ذلك ، فالشخص قد لا يتصدّى بنفسه للبيع ويقول لغيره أنا آذن لك في أنَّ تبيع داري - لأنه يقال مثلاً الأنسب للشرفاء أن لا يتصدّوا للمعاملة بأنفسهم - فسيرة العقلاء قد جرت على أنهم يأذنون أو يجيزون ، ومن الواضح أنه إذا قبلنا الانتساب بالإذن فأيضاً يقال بتحقق الانتساب بالاجازة من دون فرق ، ولكن انتساب الفعل بالإذن أو بالاجازة شيء معقول في الأمور الاعتبارية.

كلامان للسيد الخميني(قده):-

الأول:- ما أشرنا إليه سابقاً ، وهو أنه يظهر منه أن ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ يشمل جميع العقود ، ولا تحتاج إلى أن نثبت الانتساب في مرحلة سابقة بشكلٍ من الأشكال ثم نتمسّك بالإطلاق ، وقرّب ذلك بأنَّ الآية الكريمة لم تقل ( فِ بعقدك ) بحيث يكون بنحو الانتساب إلى المخاطب ، ولم تقل ( أحلّ الله بيعك ) ولم تقل ( إلا أن تكون تجارتك ) ، وإنما قالت ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ من دون ( كاف ) الخطاب ، ومعه تشمل أيَّ عقد من العقود غايته خرج بالانصراف العقد الأجنبي بشكل كلي ، ، أما إذا فرض أنه كان هناك رضىً باطني من دون إذنٍ ولا إجازةٍ أو فرض وجود إذنٍ أو إجازةٍ فالانصراف ليس بموجود ، قال(قده):- ( إنَّ بيع الفضولي مع مقارنته لرضا المالك مشمول لمثل أوفوا العقود وتجارة عن تراض منكم لأنَّ التقييد بعقودكم أو تجارتكم أو بيعكم ليس في الدلة وإنما هو من باب الانصراف ولا تنصرف الأدلة إلا عن أجنبي لا تنسب إليه المذكورات بوجه وأما العقود المأذون فيها والمجازة والمرضي بها فلا وجه لانصرافها عنها بعد كونها صحيحة لازمة عرفاً وفي محيط العقلاء )[1] ، وكلامه هذا واضح فيما نسبناه إليه من أنه يرى أن ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ناظر إلى الدائرة الوسيعة والاخراج يحتاج إلى دليل ، بينما على ما بينّاه تكون الدائرة ضيقة من البداية.

الثاني:- إنه قال: إنَّ الاجازة بل الوكالة لا تكفيان في تحقق في نسبة العقد إلى المجيز أو الموكّل ، أما بالنسبة إلى الاجازة فهي امضاء فقط ، يعني بتعبيرٍ آخر أنا حينما أقول أجزت العقد الذي صدر منك فمقصودي هو أنَّ العقد الذي صدر منك أنا أرضى به ، فهو صادر منك فكيف ينتسب إليَّ ؟!! ، فوظيفة الاجازة فقط هي إمضاء الصدور منك ، وبهذا لا ينتسب إليَّ ، قال(قده):- ( حقيقة الاجازة في الفضولي ..... عبارة عن تثبيت ما صدر عنه فاعتبارها ملازم للحاظ صدور الفعل من الغير واعتبار كونه فعله غاية الأمر أن المجيز ينفذ ما صدر من غيره في ماله ومع مفروضية صدور البيع من الغير ولحاظ ذلك لا يعقل صيرورة المجاز فعلاً له )[2] .

وأما بالنسبة إلى الوكالة فيقول:- إنَّ الوكالة لا توجب صحة انتساب الفعل إلى الموكّل ، فعرفاً كذلك ، بدليل أنه لو قيل له هل بعت دارك ؟ فيقول أنا لم أبعها وإنما باعها وكيلي ، وهذا معناه أنه لا ينتسب إليه بالوكالة ، قال(قده):- ( بل في الوكالة أيضاً لا يصدق كون الصادر من الوكيل عقداً للموكِّل إلا مسامحة ..... ولهذا لو استفسر من المالك أنك بنفسك بعت لقا لا بل باع وكيلي بإذني )[3] .