1440/06/11


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/06/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

وفيه:-

أوّلاً:- إنَّ الشك في الانتساب عند تحقق الاجازة بعد الردّ يكون وجيهاً فيما إذا فسّرنا الرد بالفسخ ، لأنَّ العقد قد فسخ فالاجازة البعدية قد يشك في أنها توجب الانتساب أو لا ، ولكن قلنا إنَّ الردّ ليس لمعنى الفسخ ، لأنَّ المالك ليس من أحد طرفي العقد فلا معنى لأنَّ يفسخ العقد ، وإنما يفسخ العقد من كان طرفاً في العقد وهما الفضولي والمشتري ، أما المالك فليس طرفاً للعقد ، فالردّ الممكن في حقه هو بمعنى عدم الامضاء ، فلو كنت لا أمضي العقد الآن ولكن هذا لا ينافي أن أمضيه بعد ساعة فينتسب العقد حينئذٍ إليَّ.

ثانياً:- صحيح أنَّ الاطلاقات لا تشمل مطلق العقد حتى العقد الذي لا انتساب له بشكل من الاشكال إلى المالك ولكن الذي خرج من الاطلاقات بنحو الجزم واليقين هو حالة عدم الانتساب بأيَّ شكل من الأشكال ، أما إذا فرض أنه حصل شيء من الانتساب لا يعين الانتساب الكامل وإنما شيء من الانتساب كما هو المفروض في المقام ، فإن المفروض في المقام أنَّ المالك لم يردّ رداً مستمراً ، فلو كان يردّ ردّاً مستمراً وإلى الأبد فلا انتساب للعقد له بأيّ شكلٍ من الأشكال ، أما إذا فرض أنه بعد الردّ أجاز فمثل هذه الحالة التي فيها جزء من الانتساب - إن صحّ التعبير - يبقى مشمولاً للإطلاق ، فإنَّ الذي خرج من الاطلاقات هي حالة عدم الانتساب رأسا أما هذه الحالة يشكل في خروجها ومقتضى الاطلاق الشمول لها ، فإنَّ الخارج يقيناً هو حالة عدم الانتساب بشكلٍ قطعي وكلّي وجزمي ، أما مثل هذه الحالة التي هي أشبه بالخنثى المشكل - إنَّ صح التعبير - فيشك في خروجها من الاطلاقات ، وحينئذٍ لا مانع من التمسك بالإطلاقات في مثل هذه الحالة ، ففي مثل هذه الحالة الشك في الانتساب يكفينا ، لأنَّ الاطلاقات لها دائرة وسيعة جداً والخارج منها جزماً هو حالة عدم الانتساب رأساً ، أما حالة الازدواجية - وبنحو الخنثى المشكل – فإنه يشك فيه فيتمسّك بالإطلاقات.

إذاً اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ الوجه الخامس لنصرة الشيخ الأعظم(قده) قابل للمناقشة ، وبالتالي تكون جميع الوجوه الخمسة قابلة للمناقشة.

بل ربما يذكر وجهاً في ردّ الشيخ الأعظم(قده) وذلك:- وهو صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ، فإنَّ الوارد فيها أنَّ المالك قد أخذ الوليدة وابنها ، وهذا يمكن أن يقال هو نحوٌ من الردّ ، ونصّها[1] :- ( قال: قضى في وليدة باعها ابن سيبدها وأبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاماً ثم قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال عليه السلام: خذ وليدتك وابنها ، فناشدة المشتري ، فقال له: خذ ابنه - يعني الذي باعك الوليدة[2] - حتى ينفذ لك ما باعك ، فلما أخذ البيّع[3] الابن قال أبوه: أرسل ابني ، قال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني ، فلما ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه )[4] ، فأوّلاً المالك ردّ البيع ثم حينما صار أمام الأمر الواقع ورأى أنَّ ابنه قد أُخِذ أجاز البيع ، فهذه الاجازة حصلت بعد الردّ وهي ضدّ الشيخ الأعظم(قده).

وقد أجاب الشيخ الاعظم(قده) وقال:- إنَّ الأخذ لا يدل على إنشاء الفسخ ، فإنه فعلٌ وهو لا يدل على إنشاء الفسخ ، نعم بعض الأفعال قد نكتفي بها لكن الأفعال الملازمة للملك كالوطئ والعتق لا مثل أخذ الوليدة.

ويمكن أن يعلّق ويقال:- إنَّ الردَّ - كما ذكرنا - لا يقصد منه الفسخ ، فإنَّ المالك ليس طرفاً في العقد حتى ينشئ الفسخ ، وإنما الردّ هو بمعنى عدم الامضاء ، وإذا كان المقصود هو هذا فأخذ الوليدة من قبل مالكها الأوّل يدل على أنه لم يمضِ البيع ، وحينئذٍ تكون هذه الرواية دالة على المقصود وهو أنَّ الردّ الصادر قبلاً بمعنى عدم الامضاء لا يؤثر على الاجازة اللاحقة.

اللهم إلا أن يقول قائل:- إنَّ أخذ الوليدة أيضاً لا دلالة فيه على عدم الامضاء ، فلعله لو سألنا المالك وقلنا له أنت حينما رددت فهل يعني ذلك أنك لا تمضي العقد الذي صدر من ولدك ؟ إنه ربما يجيب ويقول: اتركوني الآن آخذ جاريتي ثم أفكّر في ذلك ، فهو لعله أخذها من باب التروّي والتأمل والتفكير ، فقد يقال إنَّ هذا الأخذ لا يدل على الردّ حتى بمعنى عدم الامضاء وإنما كان الأخذ للتروي والتأمّل والتفكير ، فإذا احتملنا هذا المعنى فهذه الرواية سوف لا تكون ردّاً على الشيخ الأعظم(قده) ، ولكن على أيّ حال يتسجل الإشكال على الشيخ الأعظم(قده) لأنه قال إنَّ هذا ليس إنشاءً للفسخ ، ونحن نقول: إنَّ الردّ لا يقصد منه إنشاء الفسخ وإنما يقصد منه عدم الامضاء.

والخلاصة:- إنَّ الاجازة بعد الردّ يمكن أن نقول هي مجدية تمسّكاً بمقتضى القاعدة ، بمعنى أنَّ الردَّ بعدما كان بمعنى عدم الامضاء فحينئذٍ إذا صدرت الاجازة بعد ذلك فنتمسك بالإطلاقات الأولية من ﴿ أحل الله البيع ﴾ و ﴿ تجارة عن تراض ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ ونحو ذلك.

بل ربما يتمسك بحيحة محمد بن قيس ، وقلنا يحتمل هنا أنَّ الأخذ كان للتروّي ، فإذا كان الأخذ للتروي فسوف لا تنفعنا ، أما إذا كان لعدم الامضاء فهذا سوف ينفعا ، ولكن بما أنه يوجد احتمال التروّي فلذلك قلنا ربما يتمسك بها.وبهذا ننهي كلامنا عن هذه النقطة الثانية.

أما النقطة الأوّلى:- هي مسألة صحة عقد الفضولي بالاجازة.

وقبل أن ندخل في هذه المسألة نبيّن بعض الأمور الجانبية:-

الأمر الأول:- لعله يقال إنَّ مسألة الفضولي قليلة الابتلاء ، لأنها تختص بما إذا صدر العقد من غير المالك وربما يكون هذا قليلاً ، ولكن قد تعمم مسألة الفضولي للمالك أيضاً ، فحتى لو صدر البيع من المالك فقد يقال إنَّ المعاملة تكون فضولية رغم صدورها منه ، فالمساحة تصير أوسع ، كما لو فرض أنَّ المالك ليس له الحق في أن يجري العقد ، من قبيل الراهن ، فإنه إذا رهن قطعةً ذهبيةً عند شخصٍ آخر فهذه القطعة هي ملك للراهن عند الطرف الثاني ولكن رغم هذا لا يصح منه البيع إلا بإجازة الطرف الثاني ، فهو مالك ولكن ليس حق التصرف في فترة الرهن في هذه العين ، فإذا عمّمنا الفضولية لهذه الحالة فسوف تصير المساحة أوسع ، وهكذا لو فرض أنَّ الشخص باع وهو في حالة السفه أو الفلس أو ما شاكل ذلك فإنه مالك ولكن ليس له الولاية على البيع ، فيكون أيضاً من قبيل الفضولي ، وغير ذلك من الأمثلة ، فإذا إذا وسّعنا الفضولية لهذه الحالات فحينئذٍ سوف يصير المورد أوسع.

الأمر الثاني:- إنَّ الملكية تأتي شرطاً في موردين وتذكر في الكتب الفقهية كشرطٍ في موردين ، فتارةً تذكر كشرطٍ للمتعاقدين ، فيلزم في المتعاقدين أن يكونا مالكين ، وهذا هو محل بحثنا في مقابل أن يكون فضولياً وليس بمالك ، ويوجد مورد آخر تذكر الملكية ولكنها وصفٌ للعوض وليس للعاقد ، يعني أن يكون العوضان مملوكين في مقابل ما إذا فرض أنَّ شخصاً يبيع شيئاً ليس ملكاً للغير حتى يدخل تحت الفضولي ولكنه في نفس الوقت ليس ملكاً له ، كما إذا باع الطير في الهواء والسمك في الماء - أي المباحات العامة - فإنه ليس ملكاً لأحد ولكن في نفس الوقت هو ليس مملوكاً له ، فهنا الملكية صارت وصفاً للعوضين ، وكما إذا باع الأرض المفتوحة عنوة ، فإنها ملكٌ لجميع المسلمين ، فإذاً هو لم يبع ملك شخصٍ معينٍ ولكن مع ذلك هو لم يبع ملكه ، وهكذا في موارد أخرى من هذا القبيل.

فإذاً الملكية تارةً تأتي وصفاً للمتعاقدين ، وتارةً تأتي وصفاً للعوضين ، ومحل كلامنا هو الأوّل دون الثاني ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.

[1] وهذه الصحيحة يوجد اختلاف في نقلها ولكنها اختلافات جزئية، وهذا النقل حسب ما هو موجود في الوسائل.
[2] وهذه العبارة هي تفسير من صاحب الكافي او من الراوي.
[3] أي المشتري.