1440/05/30


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 63 ) – شرطية الاختيار – شروط المتعاقدين.

وفي مقام التعليق نقول:- إنَّ ما أفاده وإن كان صحيحاً بمقتضى الصناعة إلا أنه لا يثبت ما أراد ، فإنه أراد أن يثبت أنَّ الآية الكريمة لا تدل على الحصر ، ونحن نقول إنَّ ما أفدته صحيح ولكنها تدل على الحصر من خلال طريق آخر ، وهو ما سوف نوضحه في الأمر الثالث.

وأما الأمر الثالث[1] :- وهو أنه لا يوجد ما يثبت الحصر ، فهنا نقول إنه يمكن أن يقال بوجود ما يثبت الحصر غير مسألة الاستثناء المنقطع والمتصل فهذا كما قال الميرزا علي الايرواني أنه قد فرغنا من أنه لا دلالة فيه على الحصر ، بل من طريق آخر ، وذلك بأن نقول: لو كان هناك شيء آخر عِدلٌ للمستثنى لذكره المتكلم ، ففي مثل ( ما جاء القوم إلا حيواناتهم ) لو كانت قد جاءت رسائلهم أو غير ذلك لأشار المتكلم إلى ذلك ، فسكوته وهو في مقام البيان يستفاد منه أنه لم يجئ شيء آخر غير الحيوانات بل الذي جاء من الأشياء التي تتعلق بهم هي الحيوانات فقط ولو كانت رسائلهم قد جاءت أيضاً لنبّه إلى ذلك وقال ( إلا حيواناتهم وكتبهم ورسائلهم ) فسكوته يدل على أنه لم تجئ الأشياء الأخرى وإنما الجائي هي الحيوانات فقط.

فإذاً استفدنا الحصر ولكن من خلال مقدمات الحكمة لا لأن الاستثناء المنقطع يفيد الحصر ، وبهذا نوفّق بين الوجدان والصناعة ، فنحن بوجداننا نشعر بأنَّ الاستثناء المنقطع أيضاً يفيد الحصر لولا أن تلقننا التدقيقات ولكن نحن نشعر بالوجدان حينما نقول ( ما جاء القوم إلا حيواناتهم ) أنَّ غير الحيوانات لم يأتِ أحد ولكن الصناعة قد تؤثر علينا ، وأحياناً حلاوة الصاعة قد تؤثر بحدٍّ يتخلّى الشخص عن الوجدان كما تخلّى صاحب الكفاية في الجملة الشرطية عن المفهوم فقال لا مفهوم فيها والحال أنَّ هذا ليس عرفياً.فإذاً سوف يثبت أن الاستثناء المنقطع أيضاً يدل على الحصر من خلال مقدمات الحكمة وليس أنَّ الاستثناء المنقطع بما هو منقطع يدل على الحصر.

وبناءً على هذا سوف تصير النتيجة هي أنَّ عقد المكرَه إذا رضي بعد ذلك سوف يكون باطلاً ، لأن الآية الكريمة تقول ﴿ لا تأكلوا أمالك بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾ يعني ناشئة عن تراضٍ ، فهي حصرته بالتجارة الناشئة عن تراضٍ ، فحينئذٍ يثبت بذلك أنَّ المصحح فقط هو التجارة عن تراضٍ ، وحيث في المكره لم تنشأ تجارته عن تراضٍ فحينئذٍ سوف يثبت البطلان.

ولكن نقول:- إنه رغم هذا يمكن أن ندّعي أنَّ الآية الكريمة لا تدل على البطلان ، بل تدل على الصحة ، وذلك ببيان: أنَّ كلمة التجارة تستعمل تارة بالمعنى الحدوثي والذي يعبر عنه في النحو بالمصدر ، وأخرى تستعمل بالمعنى البقائي والذي يعبّر عنه في النحو باسم المصدر ، مثل العقد ، فإنَّ التجارة هي عقد البيع فإن عقد البيع مصداقها ، فعقد البيع تارةً ينظر إليه العرف بالنظرة الحدوثية أوّل ما يحصل بيننا ، ومرة ينظر إليه بالمعنى البقائي فيقول مثلاً ( هذا العقد لا أحبَّه ، أو هو مبارك ) فهنا حينما يقول ( مبارك ) ليس بوجوده الحدوثي وإنما بوجوده البقائي ، فعقد البيع يستعمل تارة بالمعنى الحدوثي وأخرى بالمعنى البقائي ، وهنا نقول إنَّ التجارة تطلق بكلا المعنيين الحدوثي والبقائي ، فإذا كانت تطلق بالمعنى البقائي فإذاً التجارة من المكرَه متى ما رضي بمعناها البقائي صارت عن تراضٍ ، وحينئذٍ تصير الآية الكريمة دالة على ذلك.

وقد تسأل وتقول:- كيف نثبت أنَّ هذا هو المقصود ، فكما يحتمل هذا يحتمل أيضاً ارادة المعنى الحدوثي ، وإذا كان المقصود هو المعنى الحدوثي فالآية الكريمة سوف تدل على البطلان ، أي عكس ما نريد ؟

ونحن نجيب بجوابين:-

الأول:- التمسك بالارتكاز العلائق إلى جانب الآية الكريمة فإن العقلاء يرون أنَّ الرضا معتبر في المتاجرة والعقد بلا إشكال ، ولكن المعتبر ليس هو حيثية الحدوث الابتدائي ، بل المهم أنه لابد وأن يحصل تراضٍ ، أما أنه يلزم أن يكون من البداية فالحيثية العقلائية لا ترى ذلك ، نظير ما لو قلت لك ( لا تقبل الهدية إلا عن رضا صاحبها ) فكان هذا الشخص قد أهدى هدايا إلى أشخاص وحينما رآني أعطاني مثلهم أيضاً وشككت أنه قد خجل وأعطاني مثلهم أو أنه اعطاني الهدية عن رضا منه ولكن يبعد يومين قال لي أنا راضٍ بذلك ، فهل تتوقف من حيثيتك العقلائية لأنه لم يكن عنده رضا والآن صار عنده رضا ؟ كلا ، فإنَّ الحيثية العقلائية لا تعيّن أن تكون التجارة من حيث النشوء عن رضا بل أعم من كونه نشوءً أو بقاءً ، وحينئذٍ حينما نحكم بهذا المعنى فالآية الكريمة حينئذٍ تكون دالة على أنَّ الرضا معتبر في التجارة إما في بدايتها أو في وسطها فكلاهما كافٍ ، وبالتالي يصدق أنها تجارة عن تراضٍ مادام تستعمل بالمعنى الأعم ، فبضم الارتكاز العقلائي يثبت بذلك المطلوب.

الثاني:- سلّمنا أنَّ الآية الكريمة تبقى مجملة - يعني أن ما ذكرناه وجيه من أنَّ المقصود هو المعنى البقائي بالارتكاز العقلائي والتجارة بمعناها الحدوثي وجيه أيضاً فكلاهما محتمل فأقصى ما تصير الآية آنذاك مجملة - فإذا صارت مجملة فلا تعود بذلك دليلاً على البطلان ، فلا يصلح التمسك بها كدليلٍ على البطلان ، بل تكون مجملة وبذلك لا يعود مانع من التمسّك بإطلاق ﴿ أحل الله البيع ﴾ و ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لإثبات الصحة.

ومن خلال هذا كله اتضح أنَّ آية ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم ﴾ إما أن ندّعي أنها دالة على الصحة ، أو لا أقل هي مجملة فلا تقف أما اطلاقات الأدلة الأخرى.

هذا كله بالنسبة إلى التمسّك بمفهوم الحصر.

وأما التمسك بها من حيث مفهوم الوصف فقد اتضح جوابه:- يعني نقول: لو غضضنا النطر عن الاستثناء في الآية الكريمة وكأنها قالت ( يا أيها الذين آمنوا كلوا بالتجارة عن تراض ) فنقول إنَّ المقصود هنا هو التجارة بالمعنى البقائي ، وحينئذٍ يكون نشوء التجارة عن تراضٍ بالمعنى البقائي صادقاً بعد ضم الارتكاز العقلائي ويكون هذا كافياً ، أو نقول إنها مجملة فلا يعود مانع من التمسك بإطلاق الأدلة الأخرى.

وبهذا فرغنا عن التمسك بالدليل الأول ، أعني آية التجارة عن تراض.

الدليل الثاني:- حديث نفي الاكراه.

وتقريب الدلالة: إنَّ الحديث يدل على أنَّ العقد المكرَه عليه لا أثر له ، يعني لا أثر بنحو الاستقلال وبنحو السبب المستقل ولا بنحو السببية الناقصة - يعني إذا رضي يتم حينئذٍ العقد فهو جزء السبب والجزء الثاني للسبب هو الرضا - ، فحديث نفي الاكراه يدل بإطلاقه على أنَّ العقد المكره عليه ليس سبباً مستقلاً تاماً ، كما أنه ليس جزء السبب بحيث تثبت له السببية الناقصة تمسكاً بالإطلاق.وأجاب الشيخ الأنصاري(قده) بجوابين:-

الأول:- إنَّ الحديث امتناني ، ومادام امتنانياً فهو يرفع ما يضر بالمكلف ولا يرفع ما ينفع المكلف ، والذي يضر بالمكلف هو السببية المستقلة - يعني أن يكون عقد المكرَه سبباً مستقلاً ولو لم يرضَ- وأما السببية الناقصة الموقوفة على رضاه فهي في صالحه فلا يرفعها الحديث.

الثاني:- إنَّ حديث رفع الاكراه يرفع ما كان ثابتاً قبلاً ولا يرفع ما ليس بثابت ، والذي هو ثابت للعقد شرعاً هو السببية التامة حيث ينشأ العقد عن رضا فيكون سبباً تاماً بعد نشوئه عن رضا ، وأما السببية الناقصة فلم تكن ثابتة قبلاً[2] حتى يرفها الحديث الشريف.


[1] حيث قلنا إن التمسك بالآية الكريمة يتوقف على أمور ثلاثة.
[2] وقصده من قبلاً يعني بقطع النظر عن الحديث.