1440/04/15


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أقسام الصوم المحظور/ صوم أيام التشريق

 

هناك تنبيه يرتبط برواية (رفاعة) التي ذكرناها سابقاً[1]

وهو أن هذه الرواية يوجد كلام في سندها، بإعتبار ان الشيخ الكليني[2] يرويها بهذا السند: (عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وسهل بن زياد جميعاً، عن رفاعة بن موسى)، وهذا السند لا مشكلة فيه من ناحية (سهل بن زياد)، لان الراوي عن (رفاعة) هو كل من (سهل بن زياد) و(احمد بن محمد)، والظاهر ان المراد من الثاني هو (احمد بن محمد بن عيسى). وانما الاشكال من جهة ان (احمد بن محمد بن عيسى) و(سهل بن زياد) لا يرويان عن (رفاعة بن موسى) مباشرة، وانما يرويان عنه بواسطة او بواسطتين، فيظهر ان الرواية فيها ارسال، وقد نبه على هذه الملاحظة الشيخ حسن صاحب المنتقى[3] ، والشيخ ابو علي الحائري صاحب منتهى المقال[4] ، والعلامة المجلسي[5] ، والمحقق الكاظمي في مشتركاته[6] .

لكن يمكن تجاوز هذا الاشكال، بإعتبار ان الشيخ الطوسي في التهذيب ذكر هذه الرواية في موضعين، ففي الموضع الاول[7] نقلها عن الكافي، وفي الموضع الثاني[8] نقل نفس هذه الرواية تقريباً بسند صحيح يخلو من الإشكال المتقدم وهي:

وروى الحسين بن سعيد، عن صفوان وفضالة، عن رفاعة بن موسى قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع لا يجد هدياً، قال: يصوم يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التروية فخرج إلى عرفات؟ قال: يصوم الثلاثة الأيام بعد النفر، قلت: فان جمّاله لم يقم عليه؟ قال: يصوم يوم الحصبة وبعده بيومين، قلت: يصوم وهو مسافر؟ قال: نعم، أليس هو يوم عرفة مسافراً، والله تعالى يقول (ثلاثة أيام في الحج) قال: قلت: قول الله في ذي الحجة!؟ قال أبو عبد الله (عليه السلام): ونحن أهل البيت نقول في ذي الحجة.

و هذه الرواية ليس فيها أي اشكال، لان طريق الشيخ الى (الحسين بن سعيد) صحيح، و(الحسين بن سعيد) يروي عن (صفوان) و(فضالة) مباشرة بلا اشكال، فانه يروي عن (فضالة بن أيوب) اكثر من ٨٠٠ رواية بعنوان (فضالة) او بعنوان (فضالة بن أيوب)، ويروي عن (صفوان بن يحيى) اكثر من ٦٠٠ رواية بعنوان (صفوان) او بعنوان (صفوان بن يحيى)، كما ان رواية (صفوان) و(فضالة) عن (رفاعة) ايضاً لا مشكلة فيها، لانهما يرويان عنه مباشرة بكلا العنوانين. فلا يوجد إرسال فيها.

 

كان كلامنا في كيفية الجمع بين الطائفتين المتقدمتين، ووصل الكلام إلى الجمع الثالث.

قد يستشهد لهذا الجمع الثالث ببعض الروايات الناهية عن الصوم الواجب في ايام التشريق،

كصحيحة أبي أيوب:

عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار، فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة، كيف يصنع ؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام،....[9]

فالرواية نهت عن الاتيان بالصوم الواجب في ايام التشريق.

وصحيحة زرارة: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن رجل قتل رجلاً خطأ في الشهر الحرام؟

قال: تغلظ عليه الدية، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في هذا شيء! قال: ما هو؟ قلت: يوم العيد وأيام التشريق، قال: يصومه، فإنه حق يلزمه.[10]

فلولا هذه الحالة (الكفارة) لكان الصوم في ايام التشريق ممنوعاً.

ورواية كرام:

قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم؟ فقال صم، ولا تصم في السفر، ولا العيدين، ولا أيام التشريق، ولا اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان.[11]

فالرواية كصحيحة أبي أيوب نهت عن الاتيان بالصوم الواجب في ايام التشريق.

 

وهذا شاهد على الجمع السابق الذي يفرق من حيث وجوب الصوم واستحبابه، فالمحرم صومه في ايام التشريق هو الصوم الواجب سواء كان في منى أم في الامصار، اما الصوم المستحب فيجوز الاتيان به سواء كان في منى أم في الامصار.

ولا يلزم من هذا الجمع المحذور الوارد على الجمع الاول (حمل المطلقات على الفرد النادر)، باعتبار ان هذه الروايات عندما تدل على جواز الصوم المستحب في ايام التشريق تكون اخص مطلقاً من اخبار الطائفة الاولى (المانعة من صوم ايام التشريق).

لكن هذا الحمل أولاً خلاف ظاهر الروايات، ولا شاهد عليه، فالذي يظهر من الروايات ان المناط في التحريم والجواز هو الموقع والمكان، فلا يجوز لمن كان بمنى، ويجوز لمن كان في الامصار، وثانياً ينافي الروايات الدالة على جواز الصوم الواجب في اليوم الثالث عشر بعد خروجه من منى، وثالثاً لم يلتزم به احد، ومن هنا يقال بعدم امكان الالتزام بهذا الجمع.

والاقرب ان يقال ان الروايات المفصلة الصريحة في دلالتها على جواز صوم ايام التشريق بالأمصار، لا يمكن رفع اليد عن صراحتها لمجرد انه يلزم من ذلك تقييد المطلقات (اخبار الطائفة الاولى) وحملها على الفرد النادر .

نعم اذا ثبت ما نقل عن الشهيد الثاني (الجمع الثاني) فهو أولى، إذ يرفع التعارض بينهما من الأساس، فإن مقتضاه هو عدم التعارض بين قوله (عليه السلام) (أما بالأمصار فلا بأس به) المستفاد من الطائفة الثانية، وبين الطائفة الأولى التي تحرم الصوم في أيام التشريق مطلقاً، لأنه الطائفة الأولى -بقرينة التعبير ب(أيام)- تختص بمن كان بمنى.

لكن هذا (ما نقل عن الشهيد الثاني) يحتاج إلى مراجعة أكثر، إذ أن بعضهم أخذوه شيئاً مسلّماً (وهو أن أيام التشريق ثلاثة لمن كان لمنى، ويومان لمن ليس هناك)، وقد يكون لهم إصطلاح خاص في ذلك. وعلى كل حال، إذا صح الجمع الثاني فهو المتعين، وإلا فالجمع الأول.

 

المبحث الثالث

وهو أن الحرمة الثابتة لمن كان بمنى، هل تختص بالناسك أو تعم غيره؟

الظاهر يوجد إتفاق على عدم الإختصاص، وذلك لإطلاق الروايات من هذه الجهة. وأول من خالف وذهب إلى الإختصاص هو العلامة في بعض كتبه، ولعله إستند في ذلك إلى إنصراف الروايات إلى الناسك، لأن من يكون بمنى في موسم الحج غالباً يكون ناسكاً. وتوجد رواية تؤيد ما ذهب إليه العلامة، وهي مرسلة صدوق:

قال: وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام): إنما كره الصيام في أيام التشريق، لان القوم زوار الله، فهم في ضيافته، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من زاره وأضافه.[12]

فإن الناسك هو من يكون في ضيافة الله. فالرواية فيها إشارة إلى الإختصاص.


[1] لاحظ درس يوم الثلاثاء ١٠ ربيع الثاني ١٤٤٠.
[2] الكافي ج٤، ص٥٠٦.
[3] منتقى الجمان ج٣، ص٣٨٦.
[4] منتهى المقال في أحوال الرجال ج٣، ص٢٤٠.
[5] مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج١٨، ص١٩٣.
[6] هداية المحدثين إلى طريقة المحمدين (المعروف بمشتركات الكاظمي) ص٦٣.
[7] تهذيب الأحكام ج٥ ص٣٨ ح١١٤.
[8] تهذيب الأحكام ج٥ ص٢٣٢ ح١٢٤.
[9] وسائل الشيعة ج10، ص373، أبواب بقية الصوم الواجب، ب3، ح8، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة ج١٠، ص٣٨٠، أبواب بقية الصوم الواجب، ب٨، ح١، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥١٥، أبواب الصوم المحرم و المكروه، ب١، ح٨، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥١٧، أبواب الصوم المحرم والمكروه، ب٢، ح٦ ط آل البيت.