10-02-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 407 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 407 ):- إذا حلق المحرم أو قصّر حلّ له جميع ما حرّم عليه الاحرام ما عدى النساء والطيب بل الصيد أيضاً على الأحوط.
مضمون المسألة واضح فإنا نعرف أن المكلف بسبب إحرامه تحرم عليه مجموعة من الأمور ثم بعد ذلك يحصل بشكلٍ تدريجي التحلل من هذه المحرمات والمورد الأول الذي يحصل به التحلّل هو الحلق أو التقصير فإنه تحلّ به جميع المحرمات عدى ثلاثة أشياء كما هو المعروف ويصطلح في لسان الفقهاء على هذه الموارد بمواطن التحلّل أو التحليل ومسألتنا هذه تريد التعرض إلى الموطن الأوّل وتركت الموطن الثاني والثالث الى المسائل البعديّة ، ولعل الأجدر فنيّاً هو الجمع بين هذه المواطن الثلاثة حتى يحيط بها المراجع ولا تأتي إليه متناثرة فيصعب ضبطها ، وقد أشار المحقق في الشرائع الى هذه المواطن حيث قال:- ( مسائل:- الأولى:- مواطن التحليل ثلاثة الأوّل عقيب الحلق أو التقصير يحلّ من كل شيء الا الطيب والنساء والصيد ، الثاني .....والثالث... ) إذن هذه هي مواطن التحليل.
وقد وقع الخلاف في أن الموطن الأوّل ماذا تحلّ به فهل تحلّ جميع المحرّمات ما عدى ثلاثة أو يحلّ به الجميع عدى اثنان ؟ وأيضاً اختلف في أن مواطن التحليل فالأوّل ما هو فهل هو الحلق أو التقصير أو هو رمي جمرة العقبة ؟
إذن في الموطن الأوّل يوجد خلافٌ من ناحيتين من ناحية تحديد موضعه وأنه هو رمي جمرة العقبة أو الحلق والتقصير ومن ناحية عدد المحرّمات التي تحلّ به والأقوال المعروفة في المسألة ثلاثة:-
القول الأول:- وهو المشهور وهو الذي أشار إليه المحقق(قده) في الشرائع وهو أنه تحلّ جميع المحرمات عدى ثلاثة عند الحلق أو التقصير فموطن التحلل الوطن الأوّل هو الحلق أو التقصير وتحلّ به جميع المحرمات عدى ثلاثة أشياء الطيب والنساء والصيد ، وواضح إن محلّ كلامنا حينما نذكر الصيد نقصد به الصيد الاحرامي دون الصيد الحرمي فإن الصيد يحرم من ناحيتين من ناحية الاحرام فإن المحرِم يحرم عليه الصيد ومن ناحية الحرَم ولو لم يكن محرِماً وتسمى الحرمة الأولى التي جاءت بسبب الاحرام بالحرمة الاحرامية أي بسبب الاحرام وعلى هذا لو فرض أن المكلّف خرج من الحرم وهو محرمٌ بعدُ فيحرم عليه الصيد لأنه محرِم وإذا أحلّ وانتهى من كلّ شيءٍ فيحرم عليه الصيد مادام في الحرم . إذن محلّ كلامنا الآن هو الصيد الاحرامي وأن حرمته متى تنتهي المعروف أنها تستمر إلى أن يتم الموطن الثاني للتحلل - على خلافٍ - إذن جميع الأمور المحرّمة تحلّ عدى ثلاثة التي منها الصيد ونقصد بذلك الصيد الاحرامي دون الحرمي فإن حرمته تبقى مستمرة مادام المكلف في الحرم.
القول الثاني:- يحصل التحلل عند الحلق أو التقصير من جميع الأشياء عدى النساء والطيب ، وحرمة الصيد الاحرامي تزول بالحلق والتقصير فيبقى اثنان إذن هما الطيب والنساء ، والى هذا ذهب الشيخ(قده) في تهذيبه حيث قال ما نصّه:- ( ومن حلق رأسه فقد حلّ له كلّ ما أحرم منه إلا النساء والطيب إلا أن يزور فإذا زار وسعى حلّ له كلّ شيءّ إلا النساء حتى يطوف طواف النساء فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شيءٍ أحرم منه يدلّ على ذلك ... )[1] وموضع الشاهد هو أنه قال:- ( ومن حلق فقد حلّ له كل ما أحرم منه إلا النساء والطيب ) يعني أن الصيد الاحرامي يكون حلالاً له، وهكذا ذكر في مبسوطه فإن صاحب الحدائق(قده)[2] نقل عنه ما نصه:- ( إذا حلق رأسه أو قصّر فقد حلّ له كل شيء أحرم منه إلا النساء والطيب وهو التحلّل الأوّل إن كان متمتعاً وإن كان ... ) .
القول الثالث:- نفس القول الثاني يعني أنه يحصل الاحلال من كلّ شيءٍ عدى الطيب والنساء ولكن موطن التحلّل الأوّل ليس هو الحلق والتقصير بل هو رمي جمرة العقبة ، وإلى ذلك ذهب الشيخ الصدوق(قده) حيث ذكر في الفقيه ما نصّه:- ( وإذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب )[3]، ونسب العلامة في المختلف[4] إلى والده أيضاً ونصّ العبارة في المختلف هي:- ( وقال عليّ بن بابوية وأعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حلّ لك كلّ شيءٍ إلا النساء والطيب فإذا طفت طواف الحج حلّ لك شيءٍ إلا النساء فإذا طفت طواف النساء حلّ لك كلّ شيءٍ إلا الصيد فإنه حرامٌ على المحلّ والمحرم ).
وأشار صاحب المدارك(قده) إلى هذه الأقوال الثلاثة بعبارة مختصرة حيث قال:- ( ما اختاره المصنف رحمه الله من التحلل عقيب الحلق أو التقصير من كلّ شيءٍ إلا الطيب والنساء والصيد مذهب أكثر الأصحاب واستثنى الشيخ في التهذيب الطيب والنساء خاصّة ومقتضى كلامه حلّ الصيد الاحرامي بذلك أيضاً . وقال ابنا بابويه يتحلل بالرمي إلا من الطيب والنساء )[5] ، ثم مال صاحب المدارك إلى قول الشيخ في التهذيب حيث قال بعد ذلك:- ( والمعتمد ما اختاره الشيخ في التهذيب للأخبار الكثيرة ).
هذه هي الأقوال في المسألة.
وقد يقول قائل:- هناك قول رابع وهو القول بالتفصيل بين المتمتع وغيره فالمتمتع تبقى حرمة الطيب في حقّه عندما يقصّر أو يحلق وتنتهي مثلاً بالطواف والسعي بينما غيره كالمفرد فإنه يحلّ حتى من حيث الطيب وتبقى فقط وفقط حرمة النساء إما هي فقط أو بإضافة الصيد الاحرامي والمهم هو أن الطيب يحلّ على غير المتمتع في الحلق والتقصير ومستند ذلك ما رواه محمد بن حمران وقد تقدّمت الرواية ونصّها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج - غير المتمتع - يوم النحر ما يحلّ له ؟ قال:- كل شيء الا النساء ، وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر ؟ قال:- كل شيء الا النساء والطيب )[6] إنها دلت على أن غير المتمتع يحلّ له الطيب بالحلق أو التقصير حيث قال عليه السلام في جواب السؤال الأوّل ( كلّ شيءٍ إلا النساء ) يعني أن الذي تبقى حرمته بعد الحلق والتقصير هو النساء فقط وهذا معناه حليّة الطيب بعد الحلق والتقصير ، وهذا بخلاف المتمتع فإنه في جواب السؤال عما يحلّ له يوم النحر أجاب عليه السلام وقال:- ( كل شيء إلا النساء والطيب ). إذن لأجل هذه الرواية قد يقال بأنه هناك رأيٌ يفصّل بين المتمتع وغيره فلتكن الأقوال على هذا الأساس أربعة لا ثلاثة.
والجواب:- إن هذا ليس تفصيلاً في المسألة فإن هذا يعترف به الجميع ، يعني أن محلّ كلامنا هو المتمتع وأنه بالحلق  والتقصير ماذا يحلّ له ؟ فهنا محلّ الكلام أما أن المفرِد والقارن هل أمره كذلك فهذا شيءٌ آخر فلعل الجميع يتفق على مضمون هذه الرواية . إذن عدّ التفصيل قولاً في المسألة ليس في محلّه .  وهذا كان مجرّد تنبيهٍ لا أكثر.
ولعل هذا مقصود صاحب الحدائق(قده) حيث فقال:- ( صرّح جملة من الأصحاب بأن تحريم الطيب بالتحليل الأوّل إنما هو بالنسبة إلى المتمتع أما القارن والمفرد فيحلّ لهما وعلى ذلك تدلّ رواية محمد بن حمران المتقدمة )[7]، وقريب من هذا ذكر في الجواهر[8] فإن المراجع قد يتوهّم أن هذا قولٌ في المسالة كلّا إن هذا ليس قولاً بل هو تفصيلٌ وربما ذهب إليه الجميع أو الأكثر وليس قولاً في المسألة لأن محلّ الكلام هو في المتمتع وقد عرفت أن الأقوال فيه ثلاثة.
وبعد اتضاح هذا نقول:- لو رجعنا إلى الروايات وجدنا أن لكلّ قولٍ من الأقوال الثلاثة رواياتٍ تدعمه بيد أنه توجد بعض الروايات يفهم منها أن حرمة لبس المخيط وتغطية الرأس تبقى حتى طواف الحج والسعي لا أنه تحصل الحليّة من ذلك بالحلق أو التقصير وقد عقد صاحب الوسائل(قده)[9] باباً برقم ( 18 ) من أبواب الحلق والتقصير وذكر فيه ست روايات تدلّ على أن الحرمة للبس المخيط وتغطية الرأس تبقى مستمرّة إلى طواف الحج والسعي ولكن الفقهاء حملوا الروايات المذكورة على الكراهة أو الرجحان يعني يكره للناسك أن يلبس ثيابه العاديّة أو يغطّي رأسه عند الحلق أو التقصير بل يرجح له أن يبقى متشبّهاً بالمحرِم إلى حين طواف الحج فإن هذا شيءٌ راجحٌ ، إنهم حملوها على ذلك ومنهم صاحب الوسائل حيث عنون الباب بهذا العنوان فقال:- ( كراهة لبس الثياب وتغطية الرأس للمتمتع خاصة بعد الحلق حتى يطوف ويسعى وعدم تحريم ذلك ) ثم ذكر ست رايات .
وعلى أي حال الوجه في رفع اليد عن ظاهرها الروايات المتعدّدة التي سوف تأتي وأنه يحلّ كلّ شيءٍ بالحلق والتقصير أو برمي جمرة العقبة إلا النساء والطيب وليس من ذلك حرمة لبس المخيط وتغطية الرأس بل لو كان ذلك ثابتاً لكان أمراً واضحاً ومشهوراً لأن هذه مسألة ابتلائية فلذلك حملها الفقهاء على الكراهة ونعم ما صنعوا.