39/08/20


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/08/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الشك في الشرطية أو الجزئية - مسألة ( 52 ) – المكاسب المحرمة.

الشك في الشرطية أو الجزئية:- إذا فرضنا أنَّ معاملة من المعاملات شككنا في ثبوت شرط لها كالبيع أو الاجارة أو غير ذلك كأن شككنا في اعتبار العربية أو الماضوية أو غير ذلك فما هو الموقف والمفروض أنه لا يوجد نصّ خاص في المجال المذكور ، فكلامنا في تأسيسي القاعدة العامة ؟

وفي هذا المجال نقول:- تارة يقع الكلام في الأصول اللفظي وأخرى في الأصل العملي:-

أما بالنسبة إلى الأصل اللفظي:- فإن فرض أنَّ المعاملة الخاصة يوجد فيها اطلاق لفظي خاص بها فنتمسّك بذلك الاطلاق اللفظي ، ومثال ذلك البيع فإنه لو شككنا في اعتبار الماضوية أو العربية أو غير ذلك يوجد دليل خاص بالبيع نتمسّك بإطلاقه وهو ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ بناء على ثبوت الاطلاق وإمكان التمسك بالإطلاق فيه ولو بالاستعانة بصحيحة عمر بن يزيد ، أو لعل من هذا القبيل باب النكاح لو شككنا أنه هل يلزم أن يكون عقد النكاح بالعربية فنتمسك بالإطلاق الوارد في باب النكاح بخصوصه ﴿ وانكحوا الأيامى منكم والصالحين ﴾ وانكحوا مطلق فقد انصبَّ الامضاء على عنوان النكاح - بناءً على ثبوت الاطلاق - فحينئذٍ نتمسك بالإطلاق المذكور ، وأما إذا لم يكن في المعاملة المشكوك في جزئيتها أو شرطيتها دللي خاص بها كما في الاجارة مثلاً أو غير ذلك من المعاملات فماذا نصنع ؟ نتمسّك بالدلة العامة من قبيل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فنقول هو عقد ومقتضى الاطلاق وجوب الوفاء بكل عقد من اشتراط كذا او كذا أو إذا كان المورد ينطبق عليه عنوان التجارة فنتمسك بإطلاق ﴿ تجارة عن تراض ﴾ ، وهل الاجارة هي تجارة أو غير تجارة ؟ ليس من البعيد أن التجارة خاص بالبيع والشراء ، فإذا فرضنا أنَّ المعاملة يصدق عليها عنوان التجارة فنتمسّك بإطلاق ﴿ إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ﴾.

إذن الخطّة العامة صارت واضحة ، يعني سوف نؤسس قاعدة في باب العقود وهي أنه كل مورد شككنا فيه في جزئية شيء أو شرطيته للمعاملة فمع وجود النص الخاص فيها نتمسّك بإطلاقه ومع عدم وجودة نتمسّك بالعام كـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ أو ﴿ تجارة عن تراض ﴾ أو غير ذلك إن كان هذا هو الخطّ العام ولم نبيّن شيئاً جديداً.

بيد أنه ينبغي الالتفات إلى أنَّ التمسّك بإطلاق الدليل فرع احراز صدق ذلك العنوان في حالة عدم توفر ذلك الجزء أو الشرط المشكوك ، أما إذا فرض عند فقدان ذلك الجزء أو الشرط المشكوك نشك في صدق عنوان المعاملة الخاصة عليه فلا يمكن التمسّك بإطلاق الدليل كما هو واضح ، لأنه من قبيل التمسّك بالعام أو المطلق في مورد اجمال المفهوم وهو لا يجوز ، من قبيل ما لو شككنا في أنَّ الموالاة بني الايجاب والقبول معتبرة أو غير معتبرة ففي مثل هذه الحالة هل نتمكن أن نقول إنَّ البيع من دون موالاة هذا بيع وهذا عقد فنتمسّك بإطلاق الدليل ؟ كلا لا يمكن ذلك ، لأننا مادمنا نشك في شرطيته فنحتمل في خصوص المورد هنا أصلاً لا يصدق البيع ولا يصدق العقد ، فلا يصح التمسّك آنذاك بإطلاق ﴿ وأحلّ الله البيع ﴾ لأنك لا تحرز أنَّ هذا بيع ، هذا في مورد اجمال المفهوم ، يعني أنَّ مفهوم البيع صار مجملاً لا يدرى أنه يختص بحالة وجود الموالاة أو يعمّ حالة فقدان الموالاة فالتمسّك بالإطلاق أو بالعام هنا يكون تمسّكاً به في مورد اجمال الدليل وهو لا يجوز.

إذن لابد من احراز أنَّ ذلك العنوان جزماً يصدق عرفاً عند فقدان ذلك الجزء أو الشرط المشكوك وهذه قضية واضحة أيضاً.

ومنه يتضح أنه ربما يشكل على من يقول بوضع أسامي المعاملات لخصوص الصحيح من المعاملة:- فإنه بناءً على هذا إذا شككنا في اعتبار جزء أو شرط غير الموالاة - وليس إلا الموالاة - فحينئذٍ لا يجوز التمسّك بالإطلاق لأنه عند فقدان ذلك الجزء أو الشرط لا نجزم بصدق عنوان تلك المعاملة لأنها موضوعة للصحيح ولا نجزم بأنَّ هذا من الصحيح لاحتمال أنَّ الشرط المفقود هو شرط واقعاً فلا يكون الفاقد صحيحاً فلا يصدق عنوان المعاملة على هذا المشكوك .

وهذا إشكال سجّله الشيخ الأعظم(قده) على الشهيدين[1] [2] :- فإنهما ذهبا إلى أنَّ أسامي المعاملات موضوعة لخصوص الصحيح وبالرغم من ذلك تمسكا بإطلاق أدلة المعاملات في مورد القيد أو الجزء المشكوك ، وقد أشكل عليهما الشيخ الأعظم(قده) بانه من دون وجود ذلك القيد المشكوك لا نحرز صدق عنوان المعاملة من قال إنَّ هذا بيع لأنَّ البيع موضوع لخصوص الصحيح ومادمنا نحتمل أنَّ هذا جزءاً أو شرطاً فعند عدمه لا نجزم بتحقق الصحيح فلا نجزم بصدق عنوان المعاملة فلا يجوز آنذاك التمسّك بالإطلاق[3] .

ونحن نقول:- إنَّ إيراد الشيخ الأعظم على الشهيدين قابل للدفع ، وذلك ببيان: أنَّ الشهيدين(قده) صحيح أنهما قالا بأنَّ أسامي المعاملات موضوعة لخصوص المعاملة الصحيحة لكن المقصود من العاملة الصحيحة هي الصحيحة عرفاً لا شرعاً ، باعتبار أنَّ أسامي المعاملات هي عرفية موجودة ومتداولة قبل الاسلام ، فإذا كانت موضوعة للصحيح فهي موضوعة للصحيح العرفي دون الشرعي لأنه في ذلك الزمان لم يكن الشرع الاسلامي موجوداً والحال أنها موجود قبله ، فإذن لو كانت موضوعة للصحيح فهي موضوعة للصحيحة العرفي ونحن حيما نشك في اعتبار شرط أو قيد فنحن نشك في اعتباره شرعاً في صحة المعاملة لا عرفاً ومعه لا يكون المورد من التمسّك بالعام أو المطلق في مورد اجمال المفهوم بل المفهوم واضح ، فعرفاً يصدق عنوان البيع من دون وجود العربية أو الماضوية لأنَّ البيع موضوع للبيع الصحيح العرفي والعرف لا يأخذ العربية أو الماضوية قيداً في الصحيح العرفي ، فإذن لا يتوجه الاشكال عليهما.

أجل في أسامي المعاملات في المورد الذي نحتمل أن القيد والشرط دخيل في الصحيح العرفي فهنا يكون الحق مع الشيخ الأعظم(قده) ، ولكن بشكلٍ عام الشك لا يكون في اعتبار القيد في الصحيح العرفي وإنما في اعتباره شرعاً ، ومعه لا يرد الاشكال عليهما.وكل ما تقدّم كان ناظراً إلى الأصل اللفظي.

وأما بالنسبة إلى الأصل العملي فنقول:- لو فرض تعذّر التمسّك بالأصل اللفظي لسببٍ وآخر[4] ووصلت النوبة إلى الأصل العملي فما هي الوظيفة ؟

والجواب:- المناسب هو الحكم بالفساد ، إذ قبل تحقق هذا المعاملة لم يترتب الأثر فإذا وقعت هذه المعاملة الفاقدة للقيد المشكوك نشك هل أنَّ الأثر حصل أو لم يحصل فنستصحب عدم ترتب الأثر ، مثلاً في البيع لو فرضنا أنَّ الأدلة اللفظية لا يمكن التمسّك بها ، فشككنا أن العربية هل تعتبر أو لا فنقول إنه قبل أن نجري العقد بغير العربية لم يكن النقل والانتقال حاصلاً والآن حينما يجريان العقد بغير العربية نشك هل حصل نقل وانتقال أو لا فحينئذٍ نستصحب عدم ترتب الأثر ، وهذا معناه أنَّ الأصل العملي يقتضي الفساد ، ولكن تصل النوبة إليه عند تعذّر الأصل اللفظي.

فعلى هذا الأساس نتمكن أن نقول إنَّ الأصل في باب المعاملات يقتضي الصحة ، وفي نفس الوقت نقول هو يقتضي الفساد ، فالأصل يقتضي الصحة يعني الأصل اللفظي ، وهو يقتضي الفساد يعني عند تعذّر الأصل اللفظي وتصل النوبة إلى الأصل العملي.

وربما يقع الطالب أحياناً في إيهام واشتباه:- فحينما يسمع بأننا نشك في اعتبار هذا القيد وحينئذٍ المناسب للأصل الاعتبار لاستصحاب الفساد فهو يأتي إلى ذهنه أنه كيف يكون هذا فإنَّ هذا لا يجوز أوليس نتمسّك بالإطلاق ؟!!

والجواب:- نحن قد فرضنا أنَّ الاطلاق ليس موجوداً ، فإنَّ هذا هو المقصود ، أما إذا كان الاطلاق اللفظي موجوداً فنحن نتمسّك به ، ولكن عند تعذّره حينئذٍ سوف نتمسّك بالأصل العملي وهو يقتضي الفساد ، فكلاهما صحيح ، فالصحة هي مقتضى الأصل ، والفساد هو مقتضى الأصل ، ولكن الصحة هي مقتضى الأصل اللفظي ، والفساد هو مقتضى الأصل العملي.

وقد تقدّم في مسألة ( 51 ) أنَّ الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) ذكر أنَّ الأصل يقتضي الصحة في باب المعاملات دون الفساد:- حيث ذكر أنَّ حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعملون ) الذي هو مفاد الأصل العملي مقتضاه إنّ كلّ شيء لا يعلم هو مرفوع وهو لا يختص بالأحكام التكليفية ، مثل الشك في حرمة التدخين فنرفع الحرمة المحتملة بحديث الرفع ، بل يعمّ الأحكام الوضعية ولا محذور في ذلك ، وشرطية العربية نشك في اعتبارها فنرفع الشرطية بحديث الرفع ، وهذا قد تقدّم فيما سبق.

قد أجبنا عن ذلك هنا وقلنا:- أنت ماذا تريد أن ترافع فهل تريد أن ترفع عنوان الشرطية أو واقع الشرطية المشكوكة ؟ فإنَّ كان المقصود رفع عنوان الشرطية فعنوانها ليس محطاً للأثر ، نعم إذا نفينا الشرطية نقول إنَّ العقد من دون العربية صحيح ، ولكن هذا الترتب ترتب غير شرعي ، إذ لا يوجد نصّ يقول ( إذا كانت الشرطية منتفية كشرطية العربية فإنَّ العقد صحيح من دون وجود العربية ) ، إنما هذا ليس لازماً شرعياً ، وإذا أردت أن تنفي واقع الشرطية المشكوكة فنقول إنَّ واقع الشرطية يرجع إلى مطلبين الأوّل عند توفر كامل الشروط والأجزاء بما في ذلك المشكوك - أي بما في ذلك العربية - فالعقد حينئذٍ سوف يترتب عليه الأثر بلا إشكال - أعني الملكية جزماً - ، وإذا كان فاقداً لذلك الشكوك فنشك في ترتب الأثر عليه فإنَّ واقع شرطية العربية المشكوكة يرجع إلى هذا ، إلى أنه إذا كانت العربية موجودة فجزماً الأثر مترتب وإذا كانت مفقودة فنشك في ترتّب الأثر والملكية ، أما الأوّل فلا كلام لنا فيه ، فإنه إذا كانت العربية موجودة فالعقد متوفر ، وهذه نقطة اتفاق ولا كلام فيها ، إنما الكلام في الثاني وهو عند عدم تحقق الشرط المشكوك - أعني العربية - فنشك في ترتب الأثر والمفروض أنه لا يوجد ما يمكن أن نستند إليه لترتب الأثر - يعني أنَّ حديث الرفع لا يدل على ترتب الأثر - ، بل العكس وهو أنَّ الاستصحاب يقتضي عدم ترتب الأثر ، فالكلام الذي صدر من الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) واضح المناقشة ، ولكن لا نقصد بهذا أنَّ حديث الرفع لا يمكن تطبيقه على الأحكام الوضعية مطلقاً ، بل لعلّ بعض الأحكام الوضعية إذا كان لها أثر له قابلية التطبيق عليها ، وإنما أقول إنه مثل هذا المورد - وهو العربية المشكوكة - لا يمكن تطبيق حديث الرفع لما أشرنا إليه.


[4] إما لأجل أنَّ الادلة واردة في مقام التشريع أو لأجل أنه لا يوجد في المورد اطلاق حتى نتمسّك به يعني أصلاً لا يوجد دليل يشمل هذه المعاملة.