39/07/09


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/07/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة مسألة ( 50 ) ، مسألة ( 51 )- المكاسب المحرّمة.

القضية الثانية:- في بعض الأمثلة التي أشير إليها في المتن يمكن أن يقال وقع اشتباه في المثال ، حيث كانت عبارة المتن: ( مسألة 50 :- الظاهر اعتبار التطابق بين الايجاب والقبول في الثمن والمثمن وسائر التوابع ، فلو قال بعتك هذا الفرس بدرهم بشرط أن تخيط قميصي فقال المشتري اشتريت هذا الحمار بدرهم .............. أو اشتريت نصفه بنصف دينار ) وهل يقال بنصف دينار أو يقال بنصف درهم ؟! فإن المثال الأصلي هو ( بعتك هذا الفرس بدرهم ) والآن يقول حصل اختلاف وهو يمثّل لصورة الاختلاف بأمثلة منها ( أو اشتريت نصفه دينار ) اي نصف الفرس ، فكان من المناسب أن يقول ( بنصف درهم ) لا ( بنصف دينار ) فإنَّ المثال فيما سبق هو ( بعتك هذا الفرس بدرهم ) ، وهذه قضية ليست مهم.

القضية الثالثة:- قال في ذيل المسألة: ( نعم لو قال بعتك هذا الفرس بدينار فقال اشتريت كل نصف منه بنصف دينار صح وكذا في غيره مما كان الاختلاف فيه بالاجمال والتفصيل ) ، فإذن هو جعل هذا الاختلاف - يعني اشتريت كلّ نصفٍ منه بنصف دينار - ، فهنا يوجد تطابق بين الايجاب والقبول ولكن الاختلاف بالاجمال والتفصيل.

والتعليق:- لعلّ الأنسب أن يقول: ( نعم لو قال بعتك هذا الفرس بدينار فقال اشتريت نصفيه بدينار أو اشتريت أربعة أرباعه بدينار ) ، هذا مثال واضح للاجمال والتفصيل ، أما ما ذكره فيمكن أن يقال إنَّ متعلّق البيع والشراء مختلفٌ لا أنه يوجد فرقٌ في الاجمال والتفصيل ، فإنَّ المبيع من قبل البائع هو الفرس بالكامل بينما المشتري اشترى النصف لا أنه اشترى مجموع الفرس ، فلابد من التركيز على أنَّ الشراء هو لمجموع الفرس حتى يصير هذا الاختلاف في التفصيل الاجمال.

القضية الرابعة:- إنه مثّل لحالة الاختلاف بني الايجاب والقبول بالاختلاف في الثمن وفي المثمن وفي الشرط ذكر بعض الأمثلة وكان من المناسب أن يسلّط الأضواء على حالة الاختلاف في الثمن والمثمن بشكل آخر وهو ما سنشير إليه - وهذه قضية ابتلائية - كأن يفترض أنه يذهب شخص كوكيلٍ ليشتري لغيره فالبائع يقول بعتك هذا الكتاب بدينار في ذمّتك فيقول المشتري قبلت الشراء بدينار في ذمّة موكلي فهنا صار الاختلاف في الثمن أيضاً ، وهذا الاختلاف هو في الثمن من حيث التوابع ولا يوجد تطابق بين الايجاب والقبول ويصير البيع محلّ إشكال ، وكذلك الحال في شراء الدار فلو قال البائع بعتك الدار بمليار دينار مثلاً فقال اشتريت هذه الدار بمليارٍ في ذمّة موكلّي فهذا من الاختلاف في المثمن ، فكان من المناسب أن يشير إلى الاختلاف بالشكل الذي ذكرناه فإنَّ هذه قضية قد تكون ابتلائية ، مضافاً إلى أنَّ هذا مثال ليس للاختلاف في الثمن والمثمن وإنما هو مثال للاختلاف من حث توابع الثمن والمثمن.

 

مسألة ( 51 ):- إذا تعذر اللفظ لخرس ونحوه قامت الاشارة مقامه وإن تمكن من التوكيل . وكذا الكتابة مع العجز عن الاشارة . أما مع القدرة عليها ففي تقديم الاشارة أو الكتابة وجهان بل قولان والأظهر الجواز بكلٍّ منهما ، بل يحتمل ذلك حتى مع التمكن مع اللفظ.

..........................................................................................................

تشتمل هذه المسألة على اربع نقاط:-

النقطة الأولى:- إذا كان الشخص أخرساً فالإشارة تقوم مقام اللفظ حتى لو كان يستطيع أن يوكّل شخصاً.

النقطة الثانية:- إنَّ الكتابة تقوم مقام الاشارة إذا كان عاجزاً عن الاشارة.

النقطة الثالثة:- إذا كان متمكناً من الاثنين معاً أيهما المقدّم ؟ قال: يوجد قولان في المسألة والأظهر الجواز بكل منهما.

النقطة الرابعة:- يمكن أن نقول إنه حتى الانسان الصحيح القادر على التلفظ يمكنه ذلك بالإشارة ويمكنه بالكتابة.

ونشير إلى قضايا:- وهي إنه لو أرادنا أن نكتب هذه المسألة فهل نكتبها بهذه الصورة فإننا قد انتهينا في نهاية المسألة إلى أنَّ السليم يتمكن من الاشارة ومن الكتابة ، فإذن النتيجة النهائية هي أنَّ الانسان السليم فضلاً عن غير السليم يتمكن من اجراء العقد باللفظ وبالإشارة وبالكتابة ، فالأنسب أن لا تكتب هذه المسألة في الرسالة العملية لأن الرسالة مكتوبة للعوام ، فإنَّ هكذا تفصيل يكتب في الكتب العلمية فإنَّ كل تعبير منها يرمز إلى قضية علمية ، ولكن في الكتاب المقدّم إلى العوام يكفي أن تقول: ( يجوز للإنسان أن يستعين باللفظ أو بالإشارة أو بالكتابة بنحو التخيير ) ، يعني بالتالي لا يشترط اللفظ.

بل نقول:- إما أن نحذف هذه المسألة من الأساس باعتبار أننا نقول بصحة المعاطاة ، فإذا كنّا نقول بصحة المعاطاة فهذا الكلام لا معنى له ، إنما يأتي هذا الكلام فيما إذا أراد الشخص أن لا يستعين بالمعاطاة أو يحتاط ، أما إذا قلنا انَّ المعاطاة جائزة فإذن لا توجد إشارة ولا كتابة بل تتم بالفعل وبالطريقة التي تُفهِم المعاطاة ، فحينئذٍ هذا جائز.

وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى هذه المسألة في المكاسب[1] :- حيث ذكر إنه إذا ادّعي الاجماع على اعتبار اللفظ في تحقق البيع فحينئذٍ ما هو المناسب في حقّ الأخرس ؟ أجاب وقال:- إنَّ اللفظ شرطٌ بالاجماع في حالة القدرة ، فإنَّ القدر المتيقّن منها هو حالة القدرة ، أما في حالة عدم القدرة فتجوز الاشارة وإن تمكّن من التوكيل ، وتمسّك بالفحوى فقال ( لفحوى ما دل على أن طلاق الأخرس بالإشارة ) ، فإنه توجد رواية أو أكثر من وراية تدل على أنَّ الأخرس يكتفى بطلاقه بالاشارة وهذا مطلقٌ - يعني حتى لو كان قادراً على التوكيل - وتقييده بحالة عدم القدرة على التوكيل هو تقييد بالفرد النادر عادةً فلا يصح ، فإذن يصح طلاق الأخرس بالاشارة وإن تمكن من التوكيل ، وعليه سوف يثبت بالفحوى أنه يصح بيع الأخرس بالاشارة وإن تمكّن من التوكيل ، فإنه إذا جاز طلاقة بالاشارة حتى لو كان متمكّناً من التوكيل يصح بيعه بالاشارة وإن تمكن من التوكيل بالأولوية.

ولم يذكر الشيخ وجه الأولوية ، ولعلّ وجهها هو أنَّ الطلاق يرتبط بالفروج والشارع يهتم به أكثر ، كما يعتبر فيه صيغة معيّنة مثل ( فلانة طالق ) أو ( هي طالق ) فهذا يجعلنا نستفيد الأولوية.

ثم ذكر نكتة علمية حيث قال:- وقد يقول قائل: ألا يمكننا أن ننفي اعتبار العجز عن التوكيل في صحة الشراء بالاشارة بالأصل ككل موردٍ نشك فيه بين الاطلاق والتقييد فإنَّ التقييد منفي بالأصل ؟ ، فإذن في مقامنا نقول هل يلزم في صحة البيع بالاشارة من الأخرس وهكذا الطلاق أن يكون عاجزاً عن التوكيل ؟ فننفي هذا التقييد الزائد بالأصل ، إنه قد يأتي إلى الذهن هذا المعنى ، بل ربما يوجد قائل به ، حيث يظهر من صاحب مفتاح الكرامة(قده) ذلك فإنه قال:- ( لا يجب التوكيل ولا تحريك اللسان ولا الاشارة بالإصبع للأصل في الجميع )[2] ، يعني أنَّ الأصل عدم التقييد.

وهل يصحّ التمسّك بالأصل هنا ؟

الجواب:- كلا ، كما أشار إلى ذلك الشيخ الأعظم(قده) ، وقبله الشيخ النراقي(قده) ، فإنَّ أصل عدم التقييد هنا لا يتمسّك به ، فإنَّ الأصل يتمسّك به فيما إذا كان المورد من التكليف وشكّ في التقييد الزائد في التكليف ، كما لو علمنا باشتغال الذمة برقبةٍ وشككنا هل لزم أن تكون مؤمنة فهذا شك باشتغال الذمّة بمقدارٍ زائد ، وحديث الرفع كما يرفع أصل التكليف إذا شك فيه أيضاً يرفع التكليف والتقيد الزائد فإنه تكليف زائد فيرتفع بحديث ( رفع عن أمتي ما لا يعملون ) ، وهذا بخلافة في المقام فإنَّ الشك ليس في حكم تكليفي وإنما الشك في الاجزاء وعدمه وأنه هل يتحقق البيع بإشارة الأخرس فيما إذا كان متمكناً من التوكيل أو لا ، فهنا الشك ليس في حكمٍ تكليفي وإنما الشك في تحقق البيع وترتّب الآثار فالأصل هنا هو عدم ترتب الأثر ، فإنه قبلاً لم يترتب الأثر فإذا أجرى الأخرس العقد بالاشارة وهو قادر على التوكيل نشك هل حصل نقل وانتقال أو طلاق أو غير ذلك أو لم يحصل فنستصحب عدم ترتب الأثر ، فإنه سابقاً لم يترتب الأثر والآن نستصحب عدم ترتبه ، يعني أنَّ النقل والانتقال لم يكن حاصلاً قبل الاشارة فبعد الاشارة نشك هل حصل نقل وانتقال أو لا بعد فرض قدرته على التوكيل فنستصحب عدم تربت الأثر ، وهذا من القضايا الواضحة.

لذلك أجاب الشيخ الأعظم(قده) وقال:- ( لا لأصالة عدم وجوبه[3] كما قيل[4] لأنَّ الوجوب بمعنى الاشتراط كما فيما نحن فيه هو الأصل بل لفحوى ما ورد من عدم اعتبار اللفظ في طلاق الأخرس ) ، فإذن هو قد أشار إلى ذلك ولكنه لم يشر إليه بوضوح وإنما قال ليس الأصل عدم الاشتراط بل الأصل يقتضي الاشتراط ، وكان عليه أن يوضح أكثر فيقول هناك فرق بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية ، ففي التكليفية الشك هو في كلفة اشتغال زائد فيرتفع بالأصل ، أما هنا فالشك ليس في التكليف الزائد وإنما في تحقق الأثر من دون المشكوك وعدم تحققه فنستصحب عدم ترتّب الأثر.

وقد سبقة إلى ذلك النراقي(قده) حيث قال:- ( وأصالة عدم وجوبه مندفعة بأنها إنما تكون لو أردنا الوجوب الشرعي وأما الشرطي كما هو المقصود فلا معنى لأصالة عدمه بل هو مقتضى الأصل )[5] .


[3] يعني التوكيل.
[4] يشير إلى صاحب مفتاح الكرامة.