34-06-24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/24

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسالة ( 379 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الكلمة الثالثة:- قد يقال إنه يجوز رمي الجمرة بما في ذلك المقدار الزائد فلا يختص جواز الرمي بالمقدار الأصلي بل يعم المقدار الزائد من دون فرقٍ بين حالة الضرورة وعدمها والوجه في ذلك هو أن الجمرة الأصلية ليس لها وجودٌ بل هي قد دفنت تحت الأرض وأقيم على ذلك المقام بناء يشير إلى تلك الجمرة فتلك الجمرة الأصلية لا وجود لها على سطح الأرض وإنما الموجود هو بناءٌ يشير إليها لا أكثر ، وبناءً على هذا يكون المناسب بمقتضى القاعدة الأوّليّة هو سقوط الرمي رأساً - باعتبار أن الواجب هو رمي الجمرة الأصلية وهذا شيء متعذّر حسب الفرض فالمناسب سقوطه رأساً - ولكن حيث لا نحتمل ذلك ولو باعتبار أن رمي الحصاة على الجمرة هو في الحقيقة قضيَّة رمزية - أي لرمي ورفض النفس الأمارة بالسوء واغواءات الشيطان - فبهذا الاعتبار نقول إنه يبقى وجوب الرمي لا أنه يسقط رأساً ، ولكن لا ينبغي أن نحدّد مقدار الرمي بمقدارٍ خاصٍ من هذه الجمرة الجديدة فإن التقييد بمقدار دون مقدار شيء لا وجه له وإنما يكون وجيهاً لو كان مقدار منها أصلياً والآخر زائداً فيلزم أن نتقيّد حينئذٍ برمي الأصلي دون الزائد أما بعد فرض أن الجمرة الأصلية قد دفنت بالكامل ولا وجود لها فأي جزء من البناء المستحدث يجوز رميه إذن ، هكذا قد يوجّه جواز رمي الجمرة من دون تقيّد بمقدارٍ دون مقدارٍ آخر ، وعلى هذا الأساس يجوز الرمي من الطابق الثاني والثالث .... وهكذا بناءً على هذا البيان.
 وفيه:-
 أولاً:- إن أصله الموضوعي يحتاج إلى إثبات يوجب الاطمئنان - أي لابد من إثبات أن الجمرة الأصلية قد دفنت بالكامل - وهذا مجرد دعوى وإذا فرض أن البعض ينقل ذلك في كتابٍ أو غير ذلك فذلك لا يشكّل سنداً علميّاً إلا إذا فرض أن النقل قد تعدّد إلى حدٍّ أورث الاطمئنان ولو بمساعدة القرائن أما إذا لم يورث ذلك فنبقى نتعامل مع هذا الوجود الظاهري فإنه قد وصل الينا يداً بيد كسائر الشعائر - أو أمكنة الشعائر - فإن وسيلة اثباتها ليس إلا الوصول يداً بيد ومن ادعى خلاف ذلك يلزمه الإثبات . وعلى هذا الأساس لابد من إثبات هذا المطلب ولم يُذكَر له مثبت.
 وثانياً:- حتى لو فرضنا أن الجمرة الأصلية قد دفنت بالكامل يبقى التقيّد بالأقرب فالأقرب قضيّة ينبغي مراعاتها ولو على سبيل الاحتياط دون الفتوى ولا معنى لإطلاق العنان من دون احتياط.
 إذن المناسب ولو على مستوى الاحتياط التقيّد برمي المكان الأقرب إلى تلك الجمرة الأصلية لا أن نجوّز الرمي حتى إلى الفضاء بلغ ما بلغ.
 هذا كله في القضية الثالثة مع الكلمات الثلاث.
 وأما القضيَّة الرابعة:- وهي أنه لو ازيلت الجمرة وبنيت بأحجار جديدة وفي مكان جديد ولعل الأمر في زماننا كذلك - وهنا قد اتضح الحال مما سبق فيقال إن المناسب هو سقوط وجوب الرمي إذ هي قد أبدلت والمكان قد تبدّل أيضاً فالمناسب بمقتضى القاعدة الأوَّليّة سقوط وجوب الرمي رأساً ولكن هذا بعيد جداً ويطمئن الفقيه بعدمه فلابد من المصير إلى الرمي بالمقدار الممكن إذ لولا ذلك يلزم سقوط الرمي رأساً وحيث إنه غير محتمل فيتعيَّن الرمي بالمقدار الممكن ولا مشكلة في ذلك . نعم لو فرض أنه أمكن ولو بنحو الظن بل ولو بنحو الاحتمال تشخيص ذلك المكان فالاحتياط يقتضي رميه .
 والمهم أنّا عرفنا النكات العلميَّة وأن المناسب هو السقوط بمقتضى القاعدة ولكن حيث لا نحتمل أنه لا يسقط الرمي رأساً فالمناسب المصير إلى ما يمكن وبالقدر الممكن.
 ثم إنه هناك حالة أخرى:- وهي ما لو فرض أن الجمرة غُلّفت بغلافٍ آخر - إما من طابوقٍ أو من غيره - فالجمرة هي هي ولكن جُعِل لها غلاف ، إنه قد اتضح الجواب والمناسب هو أنه ما دام الغلاف سميكاً - إذ لو كان خفيفاً فقد ذكرنا في القضية الأولى إن رميه رمياً للجمرة عرفاً - لا يصدق معه رمي الجمرة عرفاً فالمناسب سقوط الرمي رأساً بمقتضى القاعدة الأوّليّة لتعذر رمي الجمرة ولكن حيث لا يحتمل ذلك فيتعيّن ولو على مستوى الاحتياط المصير إلى رمي الغلاف الموجود .
 هذا كله بالنسبة إلى هذه المسألة وإن كانت عبارة السيد الماتن(قده) تتلاءم مع القضيَّة الثانية فقط - أي لو زيد مقدار الجمرة - ولم يتعرض إلى سوى ذلك.
 بقي في المسألة شيء:- وهو ما أشار إليه(قده) من أن الشخص إن أمكنه رمي الجمرة الأصلية دون الزائدة ولكنه نسي أو جهل أو تعمد ترك ذلك فهل يحتسب ذلك له ؟ الجواب:- كلا فإن المطلوب هو رمي الجمرة - أي الجمرة الأصلية - فإذا كان رميها ممكناً حسب الفرض في ذلك الزمان فحينئذ يكون رمي المقدار الزائد المستحدث يحتاج إلى دليلٍ من دون فرق بين كون المكلف جاهلاً أو ناسياً أو عامداً وحكمه سوف يصير حكم من لم يرمِ وهذا ما سوف تتعرض إليه المسألة التالية.
 
 
 مسألة ( 380 ):- إذا لم يرمِ يوم العيد نسياناً أو جهلاً منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر حسب ما تذكر أو علم ، فإن علم أو تذكر في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممن قد رخّص له الرمي في الليل وسيجيئ ذلك في رمي الجمار [1] . ولو علم أو تذكر بعد اليوم الثالث عشر فالأحوط أن يرجع إلى منى ويرمي ويعيد الرمي بالسنة القادمة بنفسه أو بنائبه . وإذا علم أو تذكر بعد الخروج من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط.
 ..........................................................................................................هذه المسألة تتعرض إلى تارك رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر وأما تارك رمي الجمار في بقيّة الأيام فسوف يأتي الحديث عنه فيما بعد ، وإنما فصَّل الفقهاء بين هذين الموردين وعقدوا مسألة مستقلة لرمي جمرة العقبة في اليوم العاشر من باب أن لهذا الرمي خصوصيَّة فإنه جزءٌ من الحج والتارك له تاركٌ لجزءٍ من الحج بخلاف رمي بقيَّة الجمار في بقيّة الأيام فإنه ليس جزءاً من الحج وإنما هو واجبٌ ضمن الواجب - أو واجبٌ بعد الواجب - فالمقصود أنه واجب مستقل وستأتي مثبتات ذلك . إذن مسالتنا تتعرض إلى رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر فقط فالتفتوا إلى ذلك.
 والمكلف إذا ترك ذلك فتركه تارةً يكون عن عمدٍ وأخرى يكون عن جهلٍ أو نسيانٍ:-
 أما إذا كان عن عمدٍ:- فهذا ما سيأتي التعرض إليه في المسالة التالية.
 أما الآن فنريد التحدث عمَّن ترك رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر عن جهلٍ أو نسيانٍ ، وهناك صور ثلاث:-
 الصورة الأولى:- أن يترك الرمي بسبب الجهل أو النسيان ويلتفت قبل أن يمضي اليوم الثالث عشر.
 الصورة الثانية:- أن يلتفت إلى ذلك بعد مضي اليوم الثالث عشر وقبل أن يرحل من مكة المكرمة.
 الصورة الثالثة:- أن يلتفت إلى ذلك بعد مغادرة مكة المكرمة.


[1] إنما قال ( سيجيئ في رمي الجمار ) لن كلامنا الان هو في رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر.