34-06-19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 378 ) ، مسالة ( 379 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 قلنا إنه إذا جزم المكلف بأن هذه الحصاة ليست حرميَّة أو أنها لم تُصِب الجمرة .... أو غير ذلك فما هو الحكم ؟ قلنا إنه يقضي هذا المقدار ولا مشكلة . نعم هناك مشكلة واحدة وهي اختلال الترتيب ولكنه مغتفر للدليل الخاص وهو صحيحة جميل بن دراج:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً ، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلا قدّموه ، فقال:- لا حرج ) [1] ، والرواية في نقل الشيخ الصدوق(قده) هكذا:- ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلا أخروه ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه فقال:- لا حرج ) فلأجل هذه الرواية الشريفة لا يجب إعادة الأعمال السابقة بل الجاهل والناسي يكون أمرهما مغتفر بسببها حتى لو قلنا إن القاعدة تقتضي الإعادة ولكن لأجل هذه الرواية نحكم بعدم لزوم الإعادة ، وحينئذ لا مشكلة من هذه الناحية.
 هذه مجموعة القضايا التي أحببنا الإشارة إليها.
 وهناك قضيتان أخريان:-
 أحداهما:- هل يجوز رمي المقدار الزائد من الجمرة أو لا أو إذا أزيلت الجمرة ؟ وهذا ما سوف يأتي في المسالة التالية ( 379 ).
 وثانيهما:- إذا لم يرمِ المكلف رأساً - أي لم يرمِ جمرة العقبة أو لم يرمِ بقيّة الجمار في اليوم الحادي عشر إما عمداً أو سهواً فما هو الحكم ؟ هذا ما سياتي في مسألة ( 380 ).
 
 
 مسالة (379 ):- إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد إشكال فالأحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقاً فإن لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصاً لرمي المقدار المزيد عليه ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والناسي.
 تعرض(قده) في هذه المسألة إلى أن الجمرة إذا زيد فيها فهل يجوز رمي المقدار الزائد ؟ توقف في ذلك واحتاط بأن يرمي المكلف المقدار الأصلي ولكن إذا لم يتمكن لشدّة الزحام أو لأمرٍ آخر فليحتط بأن يوكل شخصاً ليرمي المقدار الأصلي الذي لا يتمكن هو أن يرميه بنفسه وهو يرمي المقدار الزائد.
 وفي هذا المجال نقول إن هناك صور أربع:-
 الصورة الأولى:- أن نفترض أن الجمرة طليت من جميع جوانبها أو من بعضها بالإسمنت فهل يجوز الرمي أو لا - باعتبار أن هذا رمي للإسمنت وليس رمياً للجمرة - ؟
 الصورة الثانية:- أن يفترض أن الجمرة الأصلية زيد عليها مقدار فهل يجوز رمي ذلك المقدار الزائد أو يتعيّن رمي المقدار الأصلي؟
 الصورة الثالثة:- إذا فرض أن الجمرة هدمت وبنيت مكانها جمرة أخرى بأحجارٍ أخرى وبآلاتٍ أخرى ولكن في نفس الموضع من دون تغيير فهل يجوز الاكتفاء برمي هذا الشيء الجديد - والمفروض أنه لا زيادة - ؟
 الصورة الرابعة:- أن يفترض أن الجمرة السابقة هدمت وغُيِّر مكانها ووضعت في مكان آخر - أعلى منها مثلاً - فهل يجوز رمي هذا المصنوع جديداً ويجتزئ به وما هو حكمه ؟
 أما بالنسبة إلى الصورة الأولى:- فقد تعرضنا إليها في القضايا المتقدمة وقلنا إن المناسب هو الاجتزاء مادامت طبقت الاسمنت ليس سميكة إذ يصدق عرفاً آنذاك أن الرامي للإسمنت هو رامٍ للجمرة فلا مشكلة من هذه الناحية.
 وأما الصورة الثانية:- فهي التي تعرضت إليها عبارة المتن وقد استشكل(قده) في هذه الصورة وذلك باعتبار أن هذا المقدار الزائد لم يكن موجوداً في عصر الأئمة عليهم السلام حتى يثبت إمضاؤه وكفاية رميه هكذا ذكر في المعتمد.
 ولكن يرد هذا التساؤل:- وهو أن هذا المقدار إذا لم يكن ولم يثبت إمضاؤه فلماذا توقّف واستشكل ؟ أوليس المناسب أن يجزم بعدم الإجزاء ويقول إنه لا يكتفي برميه والحال أنه لم يجزم بذلك وإنما احتاط حيث قال:- ( ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد إشكال فالأحوط ... ) ؟ وهو(قده) لم يوضّح المطلب بشكلٍ يرفع هذا الاستفهام بل بيّن فقط أن هذا المقدار لم يكن موجوداً في زمان الأئمة عليهم السلام فكيف نثبت الاكتفاء برميه ؟!!
 ونحن في مقام التوضيح نقول:- سواء زيد في مقدار الجمرة أو لم يزد نسأل هذا التساؤل:- وهو أنه هل يتعيّن رمي هذا المقدار أو أنه يجوز الرمي إلى منطقةٍ أعلى ؟ هذا التساؤل مطروح سواء زيد أو أم يزد فماذا نجيب عنه ؟
 وفي مقام الجواب نقول:- إنه تارةً نجزم بأن وجود هذا المقدار من الجمرة يدلّ ويكشف بنحو الجزم واليقين على أن هذا هو المقدار المجزي وما سوى ذلك فليس بمجزٍ ، وأخرى نقول إن هذا المقدار الموجود حيث إنه موجودٌ فالاجتزاء برميه متيقّن وأما أن يكون الرمي لأعلى من ذلك فلا دليل على الاجتزاء به وكون مقدار الجمرة بهذا الشكل ليس فيه دلالة قطعيّة أو اطمئنانية على أنه يتعيَّن الرمي بهذا المقدار ، نعم أقصى ما هنالك وجود دلالةٍ ظنيَّة لا قطعيَّة ، فإن فرض أن الدلالة كانت بالنحو فمن المناسب حينئذٍ أن نفتي بأن المقدار الزائد لا يجوز رميه لأن الشرع قد جعل هذا المقدار لا أكثر فرمي المقدار الزائد هو الذي يحتاج إلى دليل ، وأما إذا بنينا على الثاني - ولعل المناسب هو هذا - فالمناسب الرجوع الأصول والقواعد وهي تقتضي نفي التقيّد برمي هذا المقدار دون ما زاد إذ أننا نجزم باشتغال ذمتنا بالحج المقيّد بالرمي في الجملة وأما الحج المقيّد بأن يكون الرمي لخصوص هذا المقدار دون المقدار الأعلى فيشك في اشتغال الذمة به فتجري البراءة.
 إذن المناسب بمقتضى البراءة هو عدم لزوم رمي المقدار الموجود بالفعل ، ولكن حيث إن هذه صناعة محضة والاحتمال الأول ليس ببعيدٍ كلَّ البعد فمن المناسب المصير إلى الإشكال والتوقف والاحتياط . إذن المناسب كما ذكر(قده) وهو أن الاجتزاء بالمقدار الزائد محلُّ إشكال والأحوط الاقتصار على المقدار السابق.
 وأما الصورة الثالثة:- فقد ذكر(قده) أنه يجوز رمي هذا المصنوع جديداً رغم كونه قد صنع بأحجارٍ أخرى ، والوجه في ذلك هو أن الجمرة لا يمكن أن تبقى بنفس أحجارها إلى الأبد بل تطرأ عليها تغيراتٍ حتماً فإن الوضع الطبيعي للكون يقتضي تغيّر الأجزاء ومعه يكون المناسب هو جواز الاكتفاء برمي المقدار المستحدث جديداً بعد الالتفات إلى هذه النكتة.


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص156، ب39 من أبواب الذبح، ح4.