34-06-12


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 378 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الاستدراك الرابع:- ذكرنا فيما سبق أن وصف البكارة بمعنى عدم الرمي بالحصاة يمكن إحرازه بالأصل - أي باستصحاب اتصاف هذه الحصاة بأنها لم يرم بها سابقاً -.
 وقد يقول قائل:- إن هذا هو من قبيل الأصل المثبت باعتبار أن البكارة في الحصاة وصف وجودي وهو ليس نفس عدم الرمي بها سابقاً فإن هذا وجودي وذاك عدمي ، نعم لازم ذلك الأمر العدمي هذا الأمر الوجودي ، وحيث إن الملازمة بينهما ليست شرعية فيكون إثبات وصف كون الحصاة بكراً باستصحاب عدم الرمي بها سابقاً يكون أصلاً مثبتاً.
 وفيه:- إن وصف البكر وعنوان أن الحصاة بكر لم يرد في الروايات وإنما غاية ما ورد هو أنه ( لا تَرمِ بحصيات الجمار ) وغاية ما يثبت بهذا لو تمّت الدلالة هو أن الحصاة يلزم اتصافها بعدم الرمي بها سابقاً وأما عنوان البكارة فهو من الفقهاء حيث جاءوا به للإشارة إلى عدم الرمي بالحصاة لا أنه هو العنوان المأخوذ في الروايات حتى يقال هو أمر وجودي وباستصحاب الأمر العدمي لا يثبت الأمر الوجودي بل حتى لو فرض أن عنوان البكر قد أخذ في الروايات فالمقصود من ذلك هو الإشارة إلى عدم الرمي بها سابقاً لا أن المقصود من هذا الوصف هو العنوان الوجودي وإنما المقصود هو الأمر العدمي نظير ما يقال في باب الميتة فإنه لو فُسّرت بالأمر الوجودي فاستصحاب عدم التذكية لإثبات الميتة يصير أصلاً مثبتاً أما إذا قلنا إن مصطلح الميتة يقصد منه نفس عدم التذكية لا أنه عنوان وجودي منتزع من عدم التذكية - كما يختار ذلك الشيخ الأعظم(قده) في الرسائل كما يظهر منه - فحينئذ باستصحاب عدم التذكية يثبت عنوان الميتة ولا محذور ما دمنا نقول إن المقصود شرعاً من عنوان الميتة هو عدم التذكية - أي بينهما مساوات - وهنا نقول ذلك أيضاً لو فرض أن عنوان البكر قد أخذ في لسان الروايات فالمقصود منه هو الأمر العدمي ، ومعه فلا مشكلة من هذه الناحية.
 الاستدراك الخامس:- نحن وإن ذكرنا إمكان التمسك باستصحاب عدم الرمي بالحصاة لإثبات أنها بكر ولكن ينبغي الالتفات إلى أن هذا الأصل نجريه في الحصيات الموجودة في المكان البعيد عن الجمرات أما المكان القريب منها فحيث يتشكّل علم إجمالي بأن بعض الحصيات قد رمي بها فالرجوع إلى الاستصحاب حينئذ لا يكون ممكناً.
 هذا مضافاً إلى أن الروايات لو تمّت سنداً ودلالةً والتي تقول ( لا ترمِ بحصى الجمار ) يمكن أن نفهم منها أن وجود الحصاة في المكان القريب من الجمرة هو أمارة على كون الحصاة قد رمي بها وقد قُدِّمت هذه الأمارة والظهور على الأصل كما هو الحال مثلاً في سوق المسلمين فإنه أمارة على التذكية فيقدّم على استصحاب عدم التذكية وحينما جوّز الشارع الأكل من اللحم الموجود في سوق المسلمين فهذا معناه أنه جعل سوق المسلمين أمارة وقدَّمه على الاستصحاب ، وهنا أيضاً نقول كذلك فالمنع من أخذ حصى الجمار قد جعله الشارع أمارة مانعةً من الرجوع إلى الاستصحاب . إذن لا يجوز الأخذ من الحصيات الموجودة في المكان القريب من الجمار لوجهين أحدهما هو أن الاستصحاب لا يجري في أطراف العلم الإجمالي والثاني هو أن الروايات على تقدير تماميتها تكون من باب تقديم الأمارة على الأصل.
 ثم بعد ذلك تعرض (قده) إلى بعض الأوصاف المستحبّة حيث قال:-
 
 ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقطة ورخوة وأن يكون حجمها بمقدار أنملة وأن يكون الرامي راجلا وعلى طهارة.
 ..........................................................................................................ذكر(قده) أربعة أوصاف مستحبة في الحصاة وهي أن تكون ملوّنة منقّطة رخوة - أي ليست صلبة - وبقدر الأنملة ، ثم ذكر وصفين للرامي أحدهما أن يكون راجلاً لا راكباً وثانيهما أن يكون على طهارة . وكان من المناسب إضافة وصفين آخرين على أوصاف الحصاة وهما أن تكون كحلية وأن تكون ملتقطة لا أنه يكسر الحصاة الواحدة ويجعلها اثنين أو ثلاثة مثلاً ، وهكذا كان من المناسب إضافة وصف آخر بلحاظ الرامي - إن صح التعبير- وهو أن المكلف إذا رمى يجدر به أن لا يقف في مكان الجمرة بل يرمي ويذهب.
 ومدرك هذه الأوصاف هو الروايات وهي:-
 الرواية الأولى:- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام في حصى الجمار:- ( قال:- كره الصمّ منها وقال:- خذ البرش [1] ) [2] وهذه الصحيحة أشارت إلى وصفين وهما أنه يكره الصمّ ويستحب أخذ البرش - أي الملونة -.
 الرواية الثانية:- رواية البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام:- ( حصى الجمار تكون مثل الأنملة ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء خذها كحليّة منقّطة ) [3] ، وهذه الرواية قد رواها الكليني(قده) عن عدّة من أصحابنا عن سهل عن البزنطي وبهذا السند قد يتأمل فيها من ناحية سهل فإذا قلنا بأن الأمر فيه ليس بسهلٍ فلا يمكن الأخذ بها ، ولكن الحر العاملي رواها عن قرب الاسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي وهي بهذا الطريق يمكن أن يقال هي معتبرة لأن قرب الاسناد هو للحميري وهو من أعاظم أصحابنا وأحمد بن محمد هو الأشعري القمّي والبزنطي أيضاً هو من الثقاة الأجلة فيبقى الكلام بالنسبة إلى طريق الحرّ إلى كتاب قرب الاسناد وهو له طرق كثيرة إلى المصادر التي روى عنها قد أشار إليها في خاتمة الوسائل وهي طرق معتبرة ، ولكن ذكرنا في بعض المحاضرات أنه قد يشكك في جميع طرق الحر إلى المصادر التي نقل عنها باعتبار أن هذه الطرق التي ذكرها هل هي طرق إلى أصل الكتاب أو إلى النسخة الخاصة من الكتاب ؟ فإن كانت طرقاً إلى أصل الكتاب - أو بالأحرى إلى صاحب الكتاب - كالإجازات التي كان يعطيها الأغا بزرك الطهراني(قده) تصل إلى الشيخ الطوسي(قده) ولكنها إجازات إلى الشيخ وليس إلى النسخ المعيّنة فيحتمل أنها من هذا القبيل لا أنه كان يجيز على طبق نسخة معيّنة وصلت إليه يداً بيد من أصحابها فحيث أن هذا الاحتمال هو بدرجةٍ وجيهةٍ ولا دافع له فيشكل الأمر في جميع ما ذكره وتفصيل الكلام في ذلك تعرضت إليه أكثر من مرّة ولا نكرر.
 فإذا نبينا على أن طرق صاحب الوسائل صحيحة ومعتبرة كما كان يبني على ذلك السيد الخوئي والسيد الشهيد فإنهما كانا يصححان طريق صاحب الوسائل إلى كتاب علي بن جعفر فإنهما كانا يقولان إن صاحب الوسائل عنده كتاب علي بن جعفر وهذا الكتاب فحيث إنه له طريق إلى الشيخ الطوسي ثم إن الطريق من الشيخ الطوسي إلى علي بن جعفر مذكور في الفهرست أو المشيخة فبضمّ ذاك إلى هذا يثبت طريق معتبر لهذا الكتاب من صاحب الوسائل إلى علي بن جعفر وبناءً على هذا الكلام تكون هذه الروايات معتبرة ، وأما إذا أنكرنا ذلك فتعود الرواية ضعيفة بكلا طريقيها الأول بسهلٍ والثاني بسبب ضعف الطريق بين صاحب الوسائل وصاحب قرب الاسناد.
 الرواية الثالثة:- رواية أبي بصير وفي الطريق البطائني وهو على المبنى ، ونصّها:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- التقط الحصى ولا تُكسِّرن منه شيئاً ) [4] .
 هذه رواياتٌ أشارت إلى ستّة أوصاف ولذلك قلنا إن من المناسب أن يشير(قده) إلى ستة أوصافٍ لا أربعة والأمر سهل.
 أما بالنسبة إلى وصف أن الحصاة ملوّنة ومنقطة:- فهو قد ذكر في الروايات المذكورة ، ولكن الكلام هنا هو في أن هذان الوصفان أليسا يرجعان إلى وصفٍ واحد فإن تلوين الحصاة عبارة أخرى عن كونها منقّطة فجعل هذا في مقابل ذاك أليس يشتمل على مسامحة ؟ وقد أشار إلى هذا الاشكال صاحب المدارك(قده) [5] ثم نقل عن جدّه الشهيد الثاني أن التنقيط وصفٌ بلحاظ نفس الحصاة بينما وصف كونها ملوّنة أو برش هو وصف لا باعتبار نفسها بل باعتبار بقيّة الحصيات فإذا كان لون الحصاة الأولى يغاير لون الحصاة الثانية والثالثة فهي برش أو ملوّنة بمعنى أن كل واحدةٍ منها تشتمل على لونٍ يغاير لون الأخرى بينما إذا كانت نفس الحصاة تشتمل على أكثر من لونٍ فهي منقّطة .
 ثم أشكل على ذلك بأنه بعيد ، ولعل وجه البعد هو أن هذا مجرد احتمال بلا مدرك ، ثم قال صاحب المدارك(قده):- إن من المناسب أن نقول إن ملونة ومنقطة هما وصفاً واحداً ولم تجمع رواية واحدة بين هذين الوصفين بل توجد رواية أشارت إلى وصف البرش - أي الملوّنة - ورواية ثانية أشارت إلى وصف المنقّطة والفقهاء جمعوا بينهما بعد ذلك اشتباهاً والحال أن بينهما ترادف ، نعم لو جمعت رواية واحدة بين الوصفين كان ذلك نافياً للترادف أما إذا أشارت صحيحة هشام إلى وصف البرش وأشارت رواية البزنطي إلى وصف المنقّطة فهذا لا يدل على أن هذا الوصف مغاير إلى ذاك بل أخذ التنقيط إشارة إلى البرش والبرش إشارة إلى التنقيط ولكن الفقهاء اشتبهوا.
 وكل ما ذكره العلمان محتملٌ والتحقيق في هذا المطلب أمرٌ لا حاجة إليه.
 وأما بالنسبة إلى وصف الرخوة:- فقد أشير إليه في صحيحة هشام حيث قيل:- ( كره الصمّ ) والصمّ هو عبارة عن الحجر الصلب في مقابل الرخو.
 والإشكال واضح:- فإن الفقهاء قالوا ( يستحب أن تكون الحصاة رخوة ) والرواية قالت ( يكره أن تكون صلبة ) وكراهة هذا لا يعني استحباب ذاك فهذا في الحقيقة مسامحة في التعبير فحينما نقول مثلاً ( يكره أن يشرب الشخص الماء وهو واقف ) فلا معنى لأن نقول ( يستحب أن يشرب وهو جالس ) كلّا فالمقصود من كراهة الوقوف أثناء شرب الماء ليلاً لا يعني استحباب الجلوس ، وهكذا استحباب الجلوس لا يعني كراهة الشرب واقفاً ، فحصل نحوٌ من التسامح في التعبير ينبغي الالتفات إليه.


[1] البرش هي الحصاة المشتملة على ألوان مختلفة.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص33، ب20، من أبواب الوقوف بالمشعر، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص33، ب20، من أبواب الوقوف بالمشعر، ح2، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص33، ب20، من أبواب الوقوف بالمشعر، ح3، ط آل البيت.
[5] مدارك الأحكام، السيد حسن العاملي، ج7، ص442.