34-05-26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/26

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 الوجه الرابع:- إنه ورد الأمر بالتكبير مع كل حصاة . وقد تمسك بذلك صاحب الجواهر(قده) [1] وغيره بتقريب إن الأمر بالتكبير مع كل حصاة يكشف عن تعدّد الرمي وإلا كان المناسب أن يكون التكبير واحداً.
 وفيه:- إن الأمر المذكور وإن كشف عن تعدّد الرمي وشرعيته أما أن ذلك بنحو اللزوم فهو أوّل الكلام - يعني أن لازم تعدّد التكبير هو أن يكون الشرع قد شرّع تعدّد الرمي أما أنه يلزم أنه شرّعه بنحو اللزوم فهذا أوّل الكلام - ومنه يتضح الجواب عن الوجه الخامس.
 الوجه الخامس:- وهو إنه على ما سوف يأتي قد دلت بعض الروايات على استحباب الرمي خذفاً - وطريقة الخذف على ما يقال هي أن توضع الحصاة على الإبهام ثم ترمى بالسبابة ، إنه بهذا الشكل أو ما قاربه - بتقريب أن الخذف لا يمكن أن يتحقق إلا مع تعدّد الرمي إذ لو كان واحداً فلا يمكن أخذ جميع الحصيات السبع على الإبهام ثم رميها بالسبّابة إنه شيء غير ممكن والممكن هو وضع حصاة واحدة على الإبهام لا وضع سبع حصيات عليها كما هو واضح ، إن الجواب عن هذا هو الجواب عمّا سبق فيقال إن استحباب هذه الطريقة يكشف عن مفروغيّة التعدّد في الرمي وأنه مشروع أما أنه بنحو اللزوم فهذا ليس بلازم ، وعليه فهذا الوجه كسابقه قابل للمناقشة.
 والأجدر لإثبات لزوم تعدّد الرمي التمسك بالبيان الذي أشرنا إليه غير مرَّة وذلك بأن يقال:- إن هذه المسألة ابتلائية فيلزم أن يكون حكمها واضحاً وبالتالي يكون منعكساً على فتوى الفقهاء وحيث أن الفقهاء لم يعرف خلاف بينهم في لزوم تعدّد الرمي على ما نقل صاحب الجواهر(قده) فلازم هذا أن يكون ذلك الحكم الواضح هو ذلك - أي ما أجمع عليه الفقهاء - وإلا فلا يحتمل أن يكون ذلك الحكم الواضح هو كفاية وحدة الرمي ورغم ذلك يجمع الفقهاء على العكس إن هذا خلف فرض كون الحكم واضحاً فإن لازم ابتلائية المسألة أن يكون حكمها واضحاً ولازم الوضوح أن ينعكس ذلك الواضح على فتوى الفقهاء ويحصل الاطمئنان للفقيه بذلك وبالتالي تكون الحجيّة في الحقيقة للاطمئنان الذي نحصّله من خلال هذا البيان.
 هذا كله بالنسبة إلى القضية الأولى وقلنا إنا نبحث عن مطلبين الأول في أن التعبّد بالرمي هل هو لازم أو ليس بلازم ؟ والمطلب الثاني قلنا إنه بناءً على تعدّد الرمي هل يلزم تدريجية الإصابة أيضاً أو يكفي أن تكون الإصابة واحدة ؟ وإلا فعَمَلاً ليس من البعيد أنه متى ما كان الرمي في آناتٍ مختلفة يلزم أن تكون الإصابة مختلفة من حيث الزمن ولكن هذا بحث فرضي.
 وأما بالنسبة إلى المطلب الثاني:- أعني لزوم تدريجية الإصابة - فقد ذكر صاحب المدارك(قده) على ما تقدّم عدم لزوم ذلك ، وقد أشار إليه جمعٌ من الفقهاء ، وقد نقل صاحب الحدائق(قده) [2] كلماتهم ، وهذا هو المناسب والوجه في ذلك هو أن تلك الوجوه المتقدّمة لو تمّت بأجمعها أو بعضها فإن غاية ما تدل عليه هو لزوم تدريجيّة الرمي ، فروايات الخذف أو التكبير مع كل حصاة أو غير ذلك غاية ما تدل عليه هو أنه لابد من التعدّد في الرمي أما أنه يلزم التعدّد في الإصابة أيضاً فلا تدل عليه الوجوه المذكورة فنتمسك آنذاك بالبراءة.
 أجل قد يقال:- هناك بيانٌ يُثبِت لزوم تدريجيّة الإصابة أو بالأحرى ما دمنا قد اشترطنا تدريجيّة الرمي فبالتبع يلزم أن نشترط تدريجيّة الإصابة وذلك ببيان أن الرمي متقوّم بالإصابة فإذا لم تتحقق إصابة الهدف فالرمي لا يكون صادقاً ، وبناءً على هذا نقول إنه لو كان زمان الإصابة واحداً فلازم ذلك أن يكون زمان الرمي واحداً أيضاً لما ذكرناه من أن صدق عنوان الرمي فرع صدق الإصابة فحين تحقق الإصابة يصدق آنذاك الرمي وفي تلك اللحظة ومادام زمن الإصابة واحداً فيلزم أن يكون زمان الرمي واحداً وحيث قد تقدّم قبل قليل اشتراط تريجيّة الرمي فيلزم من ذلك اعتبار تدريجيّة العصابة.
 ومحصّل هذا البيان هو أن اعتبار تدريجيّة الإصابة مستبطن في اعتبار تدريجيّة الرمي - أو هو مدلول التزامي أو تضمني - فالخلاصة هي أن لازم اعتبار تدريجيّة الرمي هو اعتبار تدريجيّة الإصابة.
 وفيه:-
 أولاً:- من أين لك هذه الدعوى - وهي أن صدق الرمي فرع صدق الإصابة وإذا لم تتحقق الإصابة فلا يصدق الرمي - ؟ فهذا أوّل الكلام ولعل الشواهد العرفيّة هي على الخلاف فيقال ( رماني فلان ولكن لم يصبني ) وهذا تعبير ليس مسامحيّاً وعلى الأقل نقول إن هذه الدعوى ليست ثابتة وهي أن صدق الرمي فرع صدق الإصابة فأخذ ذلك كمقدّمة مسلّمة شيءٌ مرفوض.
 وثانياً:- إنه بقطع النظر عن ذلك يمكن أن يقال إن من اللازم الرجوع إلى الوجوه المتقدّمة التي اثبتت اعتبار تدريجية الرمي وتلك غاية ما تدل عليه هو أن زمان الضرب بالحصاة يلزم أن يكون تدريجياً حتى يمكن تعدّد التكبير والخذف وسائر أمور الأخرى أما أنه يلزم أن تكون الإصابة تدريجية أيضاً فتلك الوجوه لا تقتضي ذلك.
 وبالجملة:- نسلّم أن الرمي لا يصدق إلا عند تحقق الإصابة ولكن هل اللازم هو تعدّد الرمي من زاوية الإصابة أو من زاوية الضرب ودفع الحصاة إن تلك الوجوه المتقدمة غاية ما تقتضيه هو لزوم تعدّد الرمي من تلك الزاوية - أي من زاوية الضرب ودفع الحصاة وليس من زاوية إصابة الهدف - . إذن لا يلزم أن تكون الإصابة تدريجيّة بل تكفي أن تكون في زمانٍ واحدٍ لعدم اقتضاء دليلٍ على اعتبار تدريجيّة الإصابة فنجري أصل البراءة عن ذلك . هذا كله بالنسبة إلى الشرط المذكور.
 
 قال(قده):-
 4- أن تصل الحصيات إلى الجمرة.
 ..........................................................................................................
 وقد أشار إلى هذا صاحب المدارك(قده) وقال:- ( هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء ) [3] واستدل على ذلك بوجهين هما التأسي وصحيحة معاوية الآتية ، وقال صاحب الجواهر(قده):- ( بلا خلاف أجده فيه بل ولا إشكال ) [4] ، وقريب من ذلك ذكر الشيخ النراقي(قده) في مستنده [5] واستدل بوجهين هما صحيحة معاوية وأن عنوان رمي الجمرة لا يصدق إلا بإصابتها.
 والخلاصة من كل هذا:- إن المسألة لم ينقل فيها خلاف والأدلة التي ذكرت ثلاثة هي التأسّي وعدم صدق عنوان رمي الجمرة إلا بالإصابة وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال ( فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها ... ) [6] .
 والكل قابل للمناقشة:-
 أما الأول:- - أعني التأسي - فلما تقدّم من أنه لازم أعم - يعني أنه كما يلتئم مع وجوب الإصابة يلتئم مع استحبابها -.
 وأما الوجه الثاني:- - وهو أن رمي الجمرة لا يصدق إلا بإصابتها - فهذا مرفوض كمال تقدم باعتبار أنه عرفاً يصح أن يقال من دون شعورٍ بالمجازيّة ( رماني فلم يصبني ) أو ( رمى الهدف فلم يصبه ) و( رمى الكرة إلى الهدف فله يصبه ) فإن هذه تعبيرات عرفيّة متداولة ولا نشعر فيها بالمسامحة ، ولكن الذي أريد أن الفت النظر إليه هو أنا لو شكّكنا في صدق الرمي عند عدم الإصابة وقلنا إنا لا نجزم عرفاً بأنه يصدق عنوان الرمي إذا لم تكن إصابةٌ وبقيت القضيّة مشكوكة فهل يمكن أن نجري البراءة عن اعتبار الإصابة أو لا ؟ كلا لا يمكن الرجوع إليها وذلك باعتبار أن الواجب علينا هو عنوان الرمي وقد اشتغلت ذمتنا بالعنوان المذكور فلابد من تحصيل الفراغ اليقيني بذلك ولا يحصل الفراغ اليقيني إلا إذا جزمنا بصدق الرمي عند عدم الإصابة أما إذا شككنا فلا نجزم بفراغ الذمة آنذاك ، ومن هنا يلزمنا في مقام المناقشة أن ندّعي أنه عرفاً يصدق عنوان الرمي بنحو الحقيقة ولو لم تتحقق الإصابة ولا نقول نحن نشك في الاعتبار فإن الشك هنا يضرّنا ولا ينفعنا.


[1] الجواهر، ج19 ص106.
[2] الحدائق، ج17 ص15.
[3] المدارك، ج8 ص8.
[4] الجواهر، ج19 ص105.
[5] مستند الشيعة، ج12 ص286.
[6] الوسائل، ج14 ص60 ب6 من أبواب رمي جمرة العقبة ح1.